العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دراسات الجدوى البيئية وأثرها في اعتماد المشروعات التنموية

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الجمعة ١٠ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

تعرف‭ ‬دراسة‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬بأنها‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬توضح‭ ‬درجة‭ ‬الحماية‭ ‬والصيانة‭ ‬التي‭ ‬تتحقق‭ ‬للبيئة‭ ‬عبر‭ ‬مراعاة‭ ‬قدرتها‭ ‬الاستيعابية‭ ‬أو‭ ‬طاقتها‭ ‬القصوى‭ ‬لتحمل‭ ‬النشاطات‭ ‬البشرية‭ ‬الهادفة‭ ‬لاستغلال‭ ‬الموارد‭ ‬البيئية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حدوث‭ ‬تدهور‭ ‬أو‭ ‬استنزاف‭ ‬بيئي،‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬القصير‭ ‬والبعيد،‭ ‬وسواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭. ‬وبالتالي‭ ‬تعد‭ ‬دراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬إحدى‭ ‬ركائز‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬وصيانتها‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬هي‭ ‬التنمية‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬بنظر‭ ‬الاعتبار‭ ‬البعد‭ ‬البيئي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬البعدين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬فإن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بدراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬للمشروعات‭ ‬التنموية‭ ‬المختلفة‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬دراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬عادة‭ ‬ضمان‭ ‬تحقيق‭ ‬المشروع‭ ‬لأكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المنافع‭ ‬المادية‭ ‬للمستثمرين‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬آثار‭ ‬المشروع‭ ‬السلبية‭ ‬المحتملة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد‭.‬

وتتحقق‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضبط‭ ‬الاستخدامات‭ ‬البشرية‭ ‬وتصويب‭ ‬مسارها‭ ‬بيئيا،‭ ‬بما‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬زيادة‭ ‬العبء‭ ‬البيئي‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬أو‭ ‬استنزافها‭ ‬وتدهورها‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬دوليا‭ ‬وبما‭ ‬يحرم‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬معطياتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬أو‭ ‬يسبب‭ ‬لهم‭ ‬أضرارا‭ ‬بيئية‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬ذنب‭ ‬في‭ ‬حدوثها،‭ ‬مع‭ ‬إيلاء‭ ‬مشروعات‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬وصيانتها‭ ‬في‭ ‬خطط‭ ‬التنمية‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة،‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬المشروعات‭ ‬التنموية‭ ‬المقترحة‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬حجم‭ ‬وتكلفة‭ ‬الموارد‭ ‬البيئية‭ ‬المستنزفة‭ ‬أو‭ ‬المتدهورة،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬ستتدهور‭ ‬مستقبلا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬المعنيين‭ ‬بشؤون‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬بإدخال‭ ‬تكلفتها‭ ‬كعنصر‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬للمشروعات‭.  ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬العكس‭  ‬من‭ ‬مرئيات‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية‭ ‬وما‭ ‬قبلها‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مشروعات‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬وصيانتها‭ ‬مكلفة‭ ‬للغاية‭ ‬وغير‭ ‬ضرورية‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬تجاهلوا‭ ‬الاعتبارات‭ ‬البيئية،‭ ‬وركزوا‭ ‬اهتمامهم‭ ‬على‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬البيئية‭ ‬وتدهور‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬واستنزافها،‭ ‬وتبلور‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البيئي‭ ‬وظهوره‭ ‬كعلم‭ ‬له‭ ‬نظرياته‭ ‬وجمعياته‭ ‬ومؤسساته‭ ‬التعليمية،‭ ‬أصبح‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬المعاصرون‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إغفال‭ ‬البعد‭ ‬البيئي‭ ‬يؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬في‭ ‬اقتصاديات‭ ‬المشروعات‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمعات‭ ‬عموما‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬مطالبتهم‭ ‬بضرورة‭ ‬مراعاة‭ ‬الأبعاد‭ ‬البيئية‭ ‬للمشروعات‭ ‬عند‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬التنمية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وضمان‭ ‬نجاح‭ ‬تلك‭ ‬المشروعات‭ ‬واستمرارها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ .‬

لا‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قسما‭ ‬منهم‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حينما‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬الأولوية‭ ‬على‭ ‬الجدوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تخطيط‭ ‬تنموي‭ ‬ناجح،‭ ‬يستهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬أو‭ ‬القابلة‭ ‬للاستمرار،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬المنظومة‭ ‬البيئية‭ ‬يعد‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬والرصيد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لإنجاح‭ ‬أي‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة‭.‬

‭ ‬وقاد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬فرع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬فروع‭ ‬علم‭ ‬المحاسبة‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬المحاسبة‭ ‬البيئية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتكاملة‮»‬،‭ ‬يتميز‭ ‬عن‭ ‬المحاسبة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تتجاهل‭ ‬الاعتبارات‭ ‬البيئية،‭ ‬بتضمينه‭ ‬لها‭ ‬وخضوعه‭ ‬لمحدداتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬متخذ‭ ‬القرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬ترتيب‭ ‬أولويات‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬البيئي‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬تضع‭ ‬هذه‭ ‬المحاسبة‭ ‬البيئية‭ ‬المتكاملة‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬المردودات‭ ‬البيئية‭ ‬الإيجابية،‭ ‬والسلبية‭ ‬للمشروعات‭ ‬التنموية،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬ومشروعات‭ ‬التنمية‭ ‬ذاتها،‭ ‬وتقييم‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬مشروعات‭ ‬صيانة‭ ‬البيئة‭ ‬وحمايتها،‭ ‬بما‭ ‬تحققه‭ ‬من‭ ‬إيجابيات،‭ ‬وما‭ ‬تسهم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬الآثار‭ ‬الضارة‭ ‬لمشروعات‭ ‬التنمية‭. ‬

وقد‭ ‬أولت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا‭ ‬بقضايا‭ ‬البيئة‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬وإعادة‭ ‬تفعيلها‭ ‬وتحديث‭ ‬استخداماتها‭ ‬وشجعت‭ ‬الممارسات‭ ‬الهادفة‭ ‬لتوطين‭ ‬نموذج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأخضر‭ ‬بغية‭ ‬خلق‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بفرص‭ ‬العمل‭ ‬الخضراء‭ ‬وضمان‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المستدام،‭ ‬ومنع‭ ‬التلوث‭ ‬البيئي،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬استنزاف‭ ‬الموارد‭. ‬ويبرز‭ ‬ذلك‭ ‬الاهتمام‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجيهات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم،‭ ‬وصاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر،‭ ‬بأهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬وتأكيدهما‭ ‬أهمية‭ ‬متابعة‭ ‬الهيئات‭ ‬والوزارات‭ ‬المعنية‭ ‬بالبيئة‭ ‬للمستجدات‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وتحفيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأخضر‭ ‬والتقنيات‭ ‬الخضراء‭ ‬وتبادل‭ ‬واكتساب‭ ‬الخبرات‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التطور‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬المهم‭ ‬إقليميا‭ ‬ودوليا‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الإدارات‭ ‬المعنية‭ ‬بالاستثمار‭ ‬خاصة‭ ‬الصناعي،‭ ‬والاستثمار‭ ‬العقاري‭ ‬أهمية‭ ‬التشديد‭ ‬على‭ ‬المستثمرين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬توفير‭ ‬دراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬البيئية‭ ‬ذات‭ ‬المصداقية‭ ‬العالية،‭ ‬قبل‭ ‬الترخيص‭ ‬للمشروعات‭ ‬حماية‭ ‬لحاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬الأجيال‭ ‬الآتية‭. ‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا