تعرف دراسة الجدوى البيئية بأنها الدراسة التي توضح درجة الحماية والصيانة التي تتحقق للبيئة عبر مراعاة قدرتها الاستيعابية أو طاقتها القصوى لتحمل النشاطات البشرية الهادفة لاستغلال الموارد البيئية من دون حدوث تدهور أو استنزاف بيئي، على المديين القصير والبعيد، وسواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبالتالي تعد دراسات الجدوى البيئية إحدى ركائز حماية البيئة وصيانتها. وبما أن التنمية المستدامة هي التنمية التي تأخذ بنظر الاعتبار البعد البيئي بالإضافة إلى البعدين الاقتصادي والاجتماعي، فإن الاهتمام بدراسات الجدوى البيئية للمشروعات التنموية المختلفة ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة، إلى جنب دراسات الجدوى الاقتصادية التي تستهدف عادة ضمان تحقيق المشروع لأكبر قدر ممكن من المنافع المادية للمستثمرين بغض النظر عن آثار المشروع السلبية المحتملة على البيئة خاصة في المدى المتوسط والبعيد.
وتتحقق الجدوى البيئية من خلال ضبط الاستخدامات البشرية وتصويب مسارها بيئيا، بما يقود إلى عدم زيادة العبء البيئي على الموارد الطبيعية أو استنزافها وتدهورها عن الحدود المسموح بها دوليا وبما يحرم الأجيال القادمة من الاستفادة من معطياتها الطبيعية أو يسبب لهم أضرارا بيئية ليس لهم ذنب في حدوثها، مع إيلاء مشروعات حماية البيئة وصيانتها في خطط التنمية أهمية خاصة، لا تقل عن المشروعات التنموية المقترحة.
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الباحثون في تحديد حجم وتكلفة الموارد البيئية المستنزفة أو المتدهورة، أو التي ستتدهور مستقبلا، إلا أن ذلك لم يمنع المعنيين بشؤون البيئة من الاهتمام بإدخال تكلفتها كعنصر رئيسي في دراسات الجدوى البيئية للمشروعات. وذلك على العكس من مرئيات الاقتصاديين التي كانت سائدة في النصف الأول من الألفية الثانية وما قبلها حيث كانت وجهة نظرهم تقوم على أن مشروعات حماية البيئة وصيانتها مكلفة للغاية وغير ضرورية في ذات الوقت، ومن ثم فقد تجاهلوا الاعتبارات البيئية، وركزوا اهتمامهم على الاعتبارات الاقتصادية، ولكن مع تزايد الضغوط على الموارد البيئية وتدهور العديد من هذه الموارد واستنزافها، وتبلور الاهتمام العالمي في الاقتصاد البيئي وظهوره كعلم له نظرياته وجمعياته ومؤسساته التعليمية، أصبح الاقتصاديون المعاصرون على يقين من أن إغفال البعد البيئي يؤثر سلباً في اقتصاديات المشروعات وعلى المجتمعات عموما. وهو ما دعا إلى مطالبتهم بضرورة مراعاة الأبعاد البيئية للمشروعات عند وضع خطط التنمية، من أجل حماية البيئة من جهة، وضمان نجاح تلك المشروعات واستمرارها من جهة ثانية .
لا بل إن قسما منهم ذهب إلى أبعد من ذلك، حينما أكد أن الجدوى البيئية يجب أن تكون لها الأولوية على الجدوى الاقتصادية في أي تخطيط تنموي ناجح، يستهدف تحقيق التنمية المستدامة أو القابلة للاستمرار، من منطلق أن حماية المنظومة البيئية يعد الركيزة الأساسية والرصيد الاستراتيجي لإنجاح أي تنمية مستدامة.
وقاد ذلك إلى ظهور فرع جديد من فروع علم المحاسبة يسمى «المحاسبة البيئية الاقتصادية المتكاملة»، يتميز عن المحاسبة التقليدية التي تتجاهل الاعتبارات البيئية، بتضمينه لها وخضوعه لمحدداتها، وهو ما يمكن متخذ القرار الاقتصادي من ترتيب أولويات مشاريع التنمية من المنظور البيئي الاقتصادي، إذ تضع هذه المحاسبة البيئية المتكاملة في اعتبارها المردودات البيئية الإيجابية، والسلبية للمشروعات التنموية، على كل من البيئة ومشروعات التنمية ذاتها، وتقييم الدور الذي تلعبه مشروعات صيانة البيئة وحمايتها، بما تحققه من إيجابيات، وما تسهم به في معالجة الآثار الضارة لمشروعات التنمية.
وقد أولت مملكة البحرين اهتماما كبيرا بقضايا البيئة والتنمية المستدامة والمحافظة على مصادر الطاقة وإعادة تفعيلها وتحديث استخداماتها وشجعت الممارسات الهادفة لتوطين نموذج الاقتصاد الأخضر بغية خلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء وضمان النمو الاقتصادي المستدام، ومنع التلوث البيئي، والحد من استنزاف الموارد. ويبرز ذلك الاهتمام بشكل جلي من خلال توجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر، بأهمية الحفاظ على البيئة، وتأكيدهما أهمية متابعة الهيئات والوزارات المعنية بالبيئة للمستجدات العالمية والإقليمية في هذا المجال، وتحفيز الاستثمار في مجالي الاقتصاد الأخضر والتقنيات الخضراء وتبادل واكتساب الخبرات في ضوء التطور المتنامي في هذا المجال المهم إقليميا ودوليا. الأمر الذي يتطلب من الإدارات المعنية بالاستثمار خاصة الصناعي، والاستثمار العقاري أهمية التشديد على المستثمرين في مجال توفير دراسات الجدوى البيئية ذات المصداقية العالية، قبل الترخيص للمشروعات حماية لحاضر ومستقبل الأجيال الآتية.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك