أدّى دور الولايات المتحدة كداعمٍ رئيسي لإسرائيل في الشرق الأوسط، إلى تشجيع عدد من السياسيين بواشنطن، على فرض عقوبات أكثر صرامة ضد النظام الإيراني، ففي أعقاب التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، في أبريل 2024، وفي إطار مشروع قانون بـ»الكونجرس«، يهدف إلى زيادة الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا؛ اغتنم أعضاء مجلس النوّاب الأمريكي، بحسب «تيموثي جاردنر» مراسل وكالة «رويترز»؛ الفرصة السياسية وفرضوا عقوبات على صادرات النفط الإيرانية.
وقد تم الموافقة على مشروع القانون من قِبل مجلس الشيوخ، ووقّع عليه الرئيس الأمريكي «بايدن»، وهو ما اعتبره «جريجوري برو»، محلل الشؤون الإيرانية والطاقة في مجموعة أوراسيا؛ دليلًا على تزايد الرغبة بالولايات المتحدة، لاتخاذ موقف صارم بشأن مبيعات النفط الإيرانية.
لكن الثغرات بنظام العقوبات الأمريكي ضد مبيعات النفط الإيرانية في الخارج، مثّلت مُنذ فترة طويلة مصدرًا لمخاوف المسؤولين والأكاديميين الغربيين، حيث ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» وجود ثغرة بقيمة (2.8 مليار دولار)، في العقوبات ضد التربح الإيراني، وهو ما أكّده «برو» بالقول إن استهداف مبيعات النفط الإيرانية، اقتراح خاسر بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
وبرّر «برو» ذلك، بتأكيد وجود عوائق تشغيلية واستراتيجية وسياسية عدّة، حال الالتزام بتنفيذ العقوبات، وهو ما وافقه فيه خبراء آخرون، حيث أوضح «جاردنر» أن القانون الموافق عليه بأغلبية كبيرة في «الكونجرس»، يقرّ عقوبات على الموانئ والسفن ومصافي النفط، التي تشارك عمدًا في نقل النفط الخام الإيراني، بما في ذلك منع مثل هذه السفن من استخدام الموانئ الأمريكية مدة عامين، وتوسيع العقوبات الثانوية ضد أولئك الذين يسهلون تجارة النفط الإيرانية، بما في ذلك المؤسسات المالية الصينية، التي لا تستخدم (الدولار) في معاملاتها.
ووِفقًا لمجموعة الأبحاث «كلير فيو إنرجي بارتنرز»، فمِثل هذه العقوبات يمكن أن تؤثّر بوضوحٍ في صادرات النفط الإيرانية، حال فُرضت ونُفّذت، لكن ذلك قد يناقض الجهود التي بذلتها إدارة «بايدن، في الأشهر الأخيرة، نحو استقرار العلاقات مع الصين؛ وهو ما سجله «جيف شتاين»، من صحيفة «واشنطن بوست»، الذي اعتبر أن من شأن العقوبات التي على بكين أن تُثير غضب منافس جيوسياسي واقتصادي رئيسي، وتزيد من أجواء عدم الثقة معه، وقد تؤدّي إلى تدابيرٍ مضادة من قِبله.
وأكّد «برو» في سياق تحليله لاحتمالية فشل العقوبات الأمريكية، أن العقوبات لم تعد تعمل كما كانت سابقًا، وأن تغييرات طبيعة سوق الطاقة العالمية، جعلت التملص من هذه العقوبات بات أسهل كثيرًا، بالنسبة إلى دول خارج الفلك الاقتصادي المُهيمن عليه الغرب، كذلك يُشار إلى استخدام ما يُسمى «الأسطول المظلم» من ناقلات النفط، التي تديرها شركات مشبوهة وغامضة، وهي شركات تنقل أيضًا النفط الخام الروسي والفنزويلي، ويصعب السيطرة عليها.
ووثّقت «وكالة الطاقة الدولية»، كيف تنتج طهران حاليًا 3.1 ملايين برميل من النفط يوميًا، وتصدّر 1.5 مليون برميل، عبر سرب من الوسطاء والشركات الوهمية، المتمركزة في شرق آسيا والشرق الأوسط، والتي تخالف الحظر من قِبل الأمريكيين، وأكّدت صحيفة «فايننشال تايمز»، أن إيران باتت تصدّر الآن كميات من النفط، أكبر مما كانت تصدّره مُنذ 2018؛ وهو ما يمنح اقتصادها دفعة قدرها (35 مليار دولار) سنويًّا.
وكان «فرناندو فيريرا»، من مجموعة «رابيدان» للطاقة، من بين أولئك الذين سلّطوا الضوء على كيفية إتقان الإيرانيين لفن التحايل على العقوبات، وأضاف «أرمين عزيزيان»، لموقع «فورتيكسا» لتحليلات الشحن، أن استهداف الولايات المتحدة الحالي للناقلات الفردية، لم يكن له سوى تأثير ضئيل لاحتواء هذه التجارة.
ورغم أن الطرق التي تتهرّب بها إيران ودول أخرى، من العقوبات الغربية، المفروضة على صادراتها النفطية، مفهومة للعيان، فقد أُثيرت كثير من الآليات والوسائل الرامية لمنع ذلك، إضافةً إلى دراسة تكاليفها السياسية والاقتصادية، ويرى «فيريرا» أنه إذا كانت الولايات المتحدة عازمة فعلًا على خنق صادرات النفط الإيرانية، فيتعيّن عليها تحويل تركيزها إلى الصين، لا سيما أن واردات الصين من النفط الإيراني زادت كثيرًا مُنذ 2019، إلى درجة تجاوزت المليون برميل من النفط يوميًا، بحلول نهاية 2023.
لكن تطبيق المزيد من العقوبات ضد أي ناقلات أو شركات، يُنظر إليها على أنها تساعد إيران في تصدير نفطها؛ سينتج عنه احتمالية استعداء الصين ذاتها، وترى «مجموعة أوراسيا البحثية والاستشارية»، أن البيت الأبيض لا يحتاج إلى إثارة مشاعر الكراهية حيال بكين مجددًا، ولا إلى تفاقم نقاط توتر أخرى في العالم، ناهيك بالطبع عن عدم استعداد الولايات المتحدة للتحرك بقوة ضد إيران وعملائها المهتمين بالحصول على صادراتها النفطية، وذلك بسبب ما وُصف بأنه تحديات سياسية، قد يواجهها «بايدن» قبل الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن العقوبات التي يفرضها القانون، تتضمّن إعفاءات مدتها 180 يومًا، يمكن أن يستخدمها «بايدن» لتجنب ارتفاع أسعار النفط العالمية، لكن حرمان السوق الدولية من 1.5 مليون برميل يوميًا من النفط الإيراني، من المرجح أن يؤدّي إلى رفع الأسعار العالمية إلى ما يزيد على (100 دولار) للبرميل، وهو ما لا يمكن أن تتحمّله إدارة «بايدن» في عام انتخابات الرئاسة، خاصةً أنه في هذه الحالة لا يُنتظر أن تتحرك «أوبك بلس» بسرعة، لإحلال المعروض الإيراني، وهو ما قد يُعيد «دونالد ترامب» الرئيس السابق، إلى سدة البيت الأبيض.
وعمومًا، يرى الخبراء والأكاديميون في الغرب، أن فرض مزيد من العقوبات ضد إيران أمر غير مرجح، ولن يُلتزَم به فعليًّا؛ لأنه سيؤدّي إلى وقوع تحديات سياسية هائلة داخل الولايات المتحدة، وإلى تفاقم المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة، وكل من إيران والصين، فضلًا عن عدم الاستقرار في سوق الطاقة العالمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك