في تاريخ الأمم والشعوب تسجل أحداث وتواريخ لا يمكن نسيانها أبدا فهي تظل محفورة في ذاكرة الوطن والمواطنين يتذكرها جيل بعد جيل وتبقى جزءا من تاريخ البلاد تدرس في المدارس والمعاهد والجامعات ضمن المناهج الدراسية والمواد العلمية ليتعلمها الطلبة والدارسين.
ومن هذه التواريخ يبقى يوم التاسع من مايو من عام 1945 وهو يوم النصر الكبير في الحرب الوطنية العظمى أيام الحرب العالمية الثانية محفورا في ذاكرة الشعب الروسي وشعوب الجمهوريات السوفيتية السابقة ففي هذا اليوم رفع أحد أفراد الجيش الأحمر السوفيتي العلم السوفيتي الأحمر فوق «الرايخ» البرلمان الألماني في برلين معلنا انتصار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية على ألمانيا الهتلرية وهزيمة الفاشية والنازية واستسلامها من دون قيد أو شرط بعد أن سحق الجيش الأحمر الجيش الألماني وانتحار زعيمه أودلف هتلر وتبخر حلمه في الاستيلاء على أوروبا والعالم وإقامة الإمبراطورية الألمانية بقيادته ليكون العالم تحت إمرته يتصرف في شؤون الكون كيفما يشاء دون حسيب أو رقيب، إلا أن الجيش الأحمر السوفيتي كان له ند رغم أن الاتحاد السوفيتي لم يكن طرفا في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت أحداثها في أوروبا عام 1939 لأن الاتحاد السوفيتي كان مرتبطا باتفاقية عدم الاعتداء مع ألمانيا النازية، إلا أن هتلر وبعد أن اجتاح أوروبا بغربها وشرقها ووسطها دون مقاومة تذكر وكأن الطريق بدت له مفروشة بالورود في اتجاه الاتحاد السوفيتي لذلك نكث هتلر بالاتفاق ومن دون سابق إنذار هجم على الاتحاد السوفيتي في تلك الليلة من ذلك اليوم 22 من يونيو 1941 واحتل أراضي شاسعة من البلاد وصل إلى ضواحي موسكو في وقت قياسي حيث كانت القيادة السوفيتية في الكرملين بقيادة جوزيف ستالين تسمع دوي الطائرات الألمانية وهي تحلق في سماء موسكو وفوق الكرملين لدرجة أن القيادة السوفيتية كادت أن تنقل العاصمة السوفيتية من موسكو إلى باكو تجنبا لسقوط العاصمة وإعلان هزيمة الاتحاد السوفيتي، وقد كان الهجوم الألماني بمثابة خرق واضح وصريح لتلك الاتفاقية مما أدى إلى دخول الاتحاد السوفيتي الحرب بالرغم من أنه لم يكن مستعدا لها أصلا.
وعلى مدار أربع سنوات من المعارك والقتال تمكن الجيش الأحمر من إلحاق الهزيمة بألمانيا النازية والفاشية كما أسلفنا إلا أن هذا الانتصار الكبير كان ثمنه باهظا جدا دفعه الشعب السوفيتي والقيادة السوفيتية لتحرير العالم من هذا الكابوس الذي جثم على صدور البشرية على مدار أربع سنوات حتى التاسع من مايو عام 1945 عندما تنفس العالم الصعداء بانتهاء هذه الحرب فكانت الخسائر جسيمة في الأرواح التي تجاوزت 27 مليون قتيل من المواطنين السوفييت زكوا بدمائهم أرض المعارك ودفعوا بأرواحهم ثمنا لهذا النصر حتى أنه في كل أسرة سوفيتية يوجد شهيد أو أكثر لا تزال صورهم معلقة في غرف المنازل والشقق ليتذكرها الأبناء والأحفاد كرمز للتضحية من أجل بلاد السوفييت فضلا عن ملايين الجرحى والمعوقين والمدن والقرى التي دمرت بالكامل وسويت بالأرض حتى المدارس والمستشفيات لم تسلم من العنف الهتلري.
ولم تكن سنوات الحرب سهلة حتى على المدنيين الذين وقعوا تحت الاحتلال الألماني حيث مارس الجيش النازي مختلف أنواع وأشكال التعذيب والتنكيل بالمعتقلين والأسرى والمواطنين الذين رفضوا التعاون مع العدو فعلى سبيل المثال دفعت مدينة لينينغراد التي حاصرتها القوات الألمانية مدة 900 يوم 3 ملايين قتيل ثمنا لهذا الحصار لكنها صمدت ولم تستطع القوات الألمانية دخول المدينة البطلة ولذلك سيظل يوم التاسع من مايو خالدا مخلدا في ذاكرة وتاريخ روسيا الاتحادية والجمهوريات السوفيتية السابقة رغم أن المحارب الروسي قد تحمل العبء الأكبر للتصدي للقوات النازية والتي جزء منها يعيث اليوم عنفا وإرهابا في أوكرانيا في محاولة يائسة لإلحاق الضرر بروسيا الاتحادية ورغم أن الخراب الأكثر والدمار الأكبر وقع في روسيا الاتحادية ومع ذلك ارتبط الاحتفال بهذا اليوم وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بالحقبة السوفيتية والأعلام الحمراء وبالمطرقة والمنجل والنجمة الحمراء هذا العيد الذي كلما يأتي يتذكر مواطنو هذه الجمهوريات أيام الاتحاد السوفيتي، ففي هذا اليوم تصطف القيادة الروسية برئاسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأحيانا بحضور عدد من قادة الجمهوريات السوفيتية السابقة كما هو الحال أيام الاتحاد السوفيتي على المنصة فوق ضريح لينين بالساحة الحمراء لمشاهدة الاستعراض العسكري الكبير الذي يقام بهذه المناسبة والاطلاع على آخر ما أنتجته الصناعة العسكرية والحربية الروسية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك