على وقع حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة وحجم الوحشية المستخدمة فيها، وما رافقها من حملة تضامن واسعة مع الشعب الفلسطيني في العالم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، تحولت القضية الفلسطينية إلى مسألة داخلية أمريكية فالشعب الأمريكي اليوم منقسم بشأنها، وكذلك الأمر في أوساط الطبقة السياسية، فالأوساط اليسارية وقطاعات من الجاليات، الأمريكان الأفارقة، وقسم من الجاليات اللاتينية، وبالطبع الفلسطينيون والعرب.
وهناك انقسام بين الليبراليين من هم داعمون لإسرائيل، أو مترددون والداعمون للقضية الفلسطينية. في المقابل لا يتزحزح المحافظون عن دعمهم لإسرائيل، وفي الطبقة السياسية، صحيح أن الأغلبية الساحقة تدعم إسرائيل، إلا أن العديد من أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ أعلنوا دعمهم لوقف الحرب، وأبدوا تفهما وتعاطفا أكبر مع المطالب الفلسطينية.
وفي ظل الحملات الانتخابية للرئاسة فإن جيل الشباب أصبح يمثل السؤال الأصعب، فهؤلاء حتى الآن لا يعرفون كيف سيصوتون ولمن من المرشحين من أعضاء الكونجرس وحكام الولايات، أو أنهم قد يمتنعون عن التصويت لمعاقبة الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي، إلا أن مثل هذا الخيار، بعدم التصويت، قد يأتي باليمين بزعامة ترامب وهو أمر لا يمكن أن يرغب به يساريو وليبراليو الحزب الديمقراطي والمستقلون في الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن الكيفية التي ستؤول إليها الأمور، فإن الحقيقة التي أصبحت ماثلة للعيان هي أن القضية الفلسطينية أصبحت مسألة داخلية في الولايات المتحدة وهو تطور في غاية الأهمية إذا ما أحسن استخدامه، وحافظ التحرك على سلميته وأن يبقى عقلانيا بعيدا عن أي تطرف.
والظاهر أن للتحرك قيادة واعية تعرف ما الذي تريده، ولديها خبرة واسعة في أساليب العمل الأمريكية، لذلك فإن هذه القيادة لا تحتاج إلى نصائح بقدر ما تحتاج إلى دعم والتفاف من حولها، والأهم هو الفهم والتفهم، والتنسيق وتبادل الرأي مع هذه القيادة.
في المقابل يجب أن تحسن منظمة التحرير الفلسطينية التعامل مع هذا التطور المهم، وأن تستغله بطريقة ذكية في التعامل مع الإدارات الأمريكية بما يعزز دور هذا التحرك باستمرار، وبما يعزز الموقف الوطني الفلسطيني في مواجهة الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني.
ويمكن أن تذهب القيادة الفلسطينية اليوم إلى واشنطن وهي تملك أوراق قوة وتأثير فلها اليوم سند قوي داخل أمريكا، فلم تعد بحاجة إلى استخدام أي مجاملة بل هي في موقع قوة أكثر من كثير من دول وحكومات في العالم.
لقد انتهى الزمن الذي كان فيه اللوبي الصهيوني هو من يتحكم بالكامل في المعادلة الأمريكية، صحيح أن هذا اللوبي القديم الذي يتقن اللعبة ويمتلك المال والمؤسسات، لا يزال هو الأقوى والأكثر قدرة على التأثير في الطبقة السياسية الأمريكية، لكنه لم يعد وحده في الساحة، فالقضية الفلسطينية باتت موجودة ولها قوة مؤثرة وحلفاء مخلصون، المهم أن نراكم بشكل صحيح وأن نوسع دائرة تأثيرنا دون أن ندخل في مواجهات غير محسوبة مع أي طرف تؤدي إلى نتائج معاكسة، وأن نمنع تسلل الأصوات الشعبوية المتطرفة بحيث تعطي المبرر لعزلنا وإعادتنا إلى المربع الأول.
لقد ثبت عكس القناعة السابقة، بأنه لا يمكن مواجهة اللوبي الصهيوني وخاصة جناحه المتطرف، فإن الساحة الأمريكية ساحة مفتوحة لمن يريد الفعل والتأثير، ولكن هناك حاجة إلى إدارة قوية ذكية تعرف من أين تؤكل الكتف في الولايات المتحدة.
ذلك أن التأثير الفلسطيني لم يقتصر على الشارع بل وصل إلى النخب وإلى داخل الكونجرس، قد لا يزال تأثيره محدودا لكنه يسير على الطريق الصحيح، وربما قليلون يعلمون بالعمل الهادئ المتواصل للقيادة الفلسطينية في هذا المجال في السنوات العشر الأخيرة، كما أن هناك أهمية لإدراك أن ما يجري الآن له جذور قديمة عندما كان الاتحاد العام لطلبة فلسطين وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فاعلة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، عندما كان يقود العمل الوطني هناك قادة مثل إدوارد سعيد، وإبراهيم أبو لغد وهشام شرابي وآخرين كثر كانوا أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني وهياكل المنظمة الأخرى.
لقد أصبحت القضية الفلسطينية اليوم قضية داخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، والساعة اليوم تدق لما فيه مصلحتنا فلنواصل السير على هذا الطريق الذي معه يزداد الأمل.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك