انتشرت شرارة احتجاجات طلاب الجامعات في الولايات المتحدة ضد الدعم الأمريكي للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة كالنار في الهشيم، حيث شملت المظاهرات المتواصلة أكثر من 200 حرم جامعي.
وفي الآونة الأخيرة، لجأ الطلاب إلى نصب مخيمات احتجاجية في وسط بعض الجامعات. كانت البداية في جامعة كولومبيا في نيويورك، وفي غضون عشرة أيام اتسعت هذه الحملة لتطول ما يقرب من أربعين جامعة.
أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة فهو لا يتعلق فقط بالطريقة التي انتشرت بها هذه التحركات، بل إنه يتعلق أيضا بالتنوع المذهل للطلاب المشاركين في هذه المظاهرات. ومن المؤكد أن هناك طلاباً من العرب الأمريكيين الذين انضم إليهم زملاؤهم الطلبة من مختلف الأعراق والعقائد.
لقد كانت قيادة الطلاب المحتجين منضبطة وواضحة في مطالبتها بوقف إطلاق النار وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة. كما دعا الكثير من الطلبة جامعاتهم إلى سحب الأموال من الكيانات المساهمة في المجهود الحربي الإسرائيلي.
وكان المتظاهرون سلميين، على الرغم من التخريب المتعمد. في بعض الأحيان احتل الطلبة مواقع مركزية في الحرم الجامعي، كما هتفوا ورددوا بعض الشعارات كما اعتاد المتظاهرون أن يفعلوا على مدى الأيام الماضية. ومع ذلك، وكما لاحظ المراقبون المحترمون الذين زاروا مواقع المتظاهرين، فقد كانت الاحتجاجات سلمية ومنظمة.
وبدفع من قيادة الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بالإضافة إلى عدد قليل من المنظمات اليهودية المؤيدة لإسرائيل، كانت هناك محاولة لتصوير هذه المظاهرات على أنها معادية للسامية وأنها تمثل تهديدا لسلامة الطلاب اليهود.
لقد كثف أعضاء الكونجرس الأمريكي هذه المساعي وراحوا يعملون على دق إسفين لضرب هذه الاحتجاجات، كما عملوا على تصوير الطلبة المحتجين على أنهم نخب ليبرالية، أسيرة للجماعات المناهضة لإسرائيل.
وفي هذا الصدد، استخدمت كل من القيادة الجمهورية ومجموعة يهودية صغيرة ولكنها مؤثرة، برامجها الخاصة للقول مرارًا وتكرارًا بأن الهتافات التي يستخدمها بعض الطلبة والشعارات التي يرددونها معادية للسامية بطبيعتها.
فقد ادعوا على سبيل المثال أن شعار «فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر» يمثل في الواقع دعوة لارتكاب إبادة جماعية ضد اليهود في إسرائيل، وقد قاموا مؤخرًا بتمرير قرار في الكونجرس حول هذه النقطة بالذات.
لقد اعتمدوا على هذه التفسيرات التي يتعمدون من خلالها تشويه الشعارات التي يستخدمها الطلبة لدعم الفلسطينيين من أجل الضغط على بعض رؤساء الجامعات لتقديم استقالاتهم، كما راحوا يستهدفون الآخرين ويضيقون عليهم الخناق.
وفي الحقيقة، فإن ما تم تجاهله هو أنه في معظم مخيمات المتظاهرين يوجد عدد متفاوت من الطلاب اليهود الذين انضموا إلى المحتجين المطالبين بوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ومن المفارقات أنه بينما كان أحد القادة اليهود ينصح الطلاب اليهود في جامعة كولومبيا بالبقاء في منازلهم وعدم القدوم إلى الحرم الجامعي لأنه غير آمن بالنسبة لهم، وكان يحث حاكم نيويورك على استدعاء وحدات الحرس الوطني لاستعادة النظام في الحرم الجامعي، كان الطلاب اليهود في الحرم الجامعي يحتفون بعيد الفصح بين الأديان.
وفي وقت لاحق، صدرت أوامر لشرطة مدينة نيويورك بالتوجه إلى الحرم الجامعي في جامعة كولومبيا والتدخل لفك الاعتصامات الطلابية.
وقد اتخذت عقب ذلك إجراءات مماثلة للشرطة في تكساس وكاليفورنيا وجورجيا، حيث تم استخدام مستويات مثيرة للقلق من العنف (الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ومسدسات الصعق الكهربائي والضرب بالهراوات) ضد المتظاهرين السلميين.
وبدلاً من إضعاف التزام الطلاب بمواصلة الاحتجاجات، فقد زادتهم تصرفات الشرطة والمسؤولين المنتخبين ومديري الجامعات إصرارا على المضي قدما في حركاتهم الاحتجاجية ومظاهراتهم. وهكذا، في اليوم التالي لفك الاعتصامات بالقوة، عاد الطلاب وأعادوا إنشاء مواقعهم الاحتجاجية.
ومع تصاعد غضب الشباب الموجه ليس فقط إلى عدوان إسرائيل في قطاع غزة، ولكن أيضًا إلى الكيفية التي مكنت بها إدارة بايدن هذه الحرب من الاستمرار، فإن الطريقة التي تجري بها الاحتجاجات في الحرم الجامعي لا تبشر بالخير للرئيس الحالي خلال في هذه السنة الانتخابية.
يتم إجراء مقارنات مع الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام عام 1968 والدور الذي لعبته في خسارة الديمقراطيين لمنصب الرئاسة. وبما أنني شاركت في الاحتجاجات، سواء في تلك الفترة أو في الفترة الحالية، فيمكنني أن أشهد على أوجه التشابه، بقدر ما أوضح أيضا بعض أوجه الاختلاف المهمة.
كانت حرب فيتنام هي الحرب الأولى التي تم بثها على التلفاز، ما أدى إلى دخولها إلى المنازل الأمريكية، لذلك فقد رأى الأمريكيون تأثير قنابل النابالم على المدنيين وعلموا باستخدام التعذيب ضد السجناء.
وبالإضافة إلى معارضة الحرب لأسباب أخلاقية أو سياسية، كان هناك قلق شخصي ومثير للقلق بشأن التجنيد الوطني الذي يتطلب من الشباب التسجيل للخدمة العسكرية في تلك الحقبة.
اتسمت حقبة حرب فيتنام أيضًا بتصاعد الاحتجاجات والمظاهرات وقد شهدت تلك الفترة ظهور العديد من الحركات الاحتجاجية الأخرى مثل الحقوق المدنية، والمخاوف البيئية، وحقوق المرأة، وما إلى ذلك، وكان هناك تداخل محدود في المشاركة في هذه الحركات الاحتجاجية المختلفة.
أما اليوم فقد اختلف الأمر من عدة جوانب. فهناك تداخل كبير بين الحركات المناصرة لحقوق المرأة، وتمكين السود، والعدالة البيئية، وصولا إلى الحركة الراهنة المناهضة للحرب الإسرائيلية في غزة.
وبسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، فإن شباب اليوم، الذين يسميهم أخي جون زغبي «العالميون الأوائل»، يعيشون على وقع الحرب في قطاع غزة بلا توقف، ويتابعونها عن كثب وبشكل شخصي، وهم يستنكرون بقوة ما يشاهدونه.
لم يكن هناك طلاب فيتناميون في الجامعات الأمريكية في فترة الستينيات، ولكن اليوم أصبح الطلاب العرب الأمريكيون والطلاب الأمريكيون اليهود التقدميون المتمكنون والمنظمون، وهم يأخذون زمام المبادرة في حشد المعارضة لحرب إسرائيل على غزة، حيث يقول الأول: «ليس باسم شعبنا»، ويقول الأخير: «ليس باسمنا». ولأنهم وجدوا حلفاء في الحركات الأخرى التي شاركوا فيها أيضًا، فقد تعزز زخم الحركة المناهضة للحرب.
من خلال كل ذلك، أظهرت سلطات البيت الأبيض في عهد بايدن اهتمامًا محدودًا فقط، ويبدو أن إدارة بايدن واثقة من قدرتها على تجاوز هذه العاصفة وإلحاق الهزيمة بدونالد ترامب في انتخابات نوفمبر القادمة. كما ترفض سلطات واشنطن نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر أن الرئيس بايدن بدأ يفقد الدعم بين الناخبين الشباب و«الأقليات».
هذا بلا شك سوء تقدير خطير. وكما أظهرت الانتخابات التمهيدية في العديد من الولايات الأمريكية، هناك نزيف في الحركة الداعمة لإعادة انتخاب الرئيس بايدن. ومع استمرار القمع ضد الطلاب المتظاهرين تترسخ تلك المعارضة.
إذا استمرت الحرب عدة أشهر أخرى وكان المشهد في المؤتمر الديمقراطي هذا الصيف في شيكاغو سيئا كما كان في عام 1968، فإن العديد من الناخبين الشباب سيواجهون ضغوطًا شديدة للتصويت لصالح بايدن. إنهم لن يصوتوا لصالح دونالد ترامب، لكنهم سيصوتون على الأرجح لطرف ثالث أو يمتنعون عن التصويت.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك