تساؤلات كثيرة تطرحها مقاربة الأمم المتحدة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال. وهل يمكن قبول دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال؟ وما هي الأسس والمعايير التي يتضمنها طلب العضوية؟ وهل من بديل للفيتو الأمريكي وكيفية التغلب عليه؟ وماذا يعني الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال؟ الأساس في العضوية أن تكون الدولة مستقلة، وهذا الشرط غير قائم لفلسطين، وهنا تبرز المسؤولية الدولية في إنهاء الاحتلال لاكتمال شرط العضوية.
لكننا هنا أمام أنموذج خاص واستثنائي في قبول الدول الأعضاء لا ينطبق على عضوية فلسطين، فالأصل أن هناك قرارا دوليا (رقم 181 لعام 1948) هو قرار التقسيم، الذي بموجبه قبلت إسرائيل دولة في الأمم المتحدة، بل اشترط قبولها بحل مشكلة اللاجئين وبقيام الدولة العربية على مساحة حوالي 44 في المائة من أرض فلسطين التاريخية.
قد يقول قائل إن هناك رفضا عربيا لهذا القرار ـ والواقع لم يكن رفضا مطلقا، بل اقتراح بدولة واحدة للجميع، ومن ناحية أخرى فإن قرارات الشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم، فهذا القرار مازالت له قوته الشرعية ويشكل مرجعية دولية قوية لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى، فإن كل الأراضي التي ضمتها إسرائيل لما هو مقرر لها في القرار الأممي بمساحة 55 في المائة، جاء نتيجة خيار حرب 1948 وحرب 1967 وهو ما يعني ان الضم غير شرعي وغير معترف به، لأن الأصل أن إسرائيل قبلت على حدود القرار المذكور.
هذه المعطيات تشكل عناصر قوة للطلب الفلسطيني وتحول فلسطين من دولة مراقب لا حقوق لها إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال بحقوق كاملة. والسؤال ثانية، ماذا يعني هذا الاعتراف، ولماذا وكيف ومتى يتحقق ويصبح ملزما رغم الفيتو الأمريكي؟
ابتداء بأهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية تحت الاحتلال كأحد أهم مقاربات الشرعية الدولية، والتداعيات الإيجابية التي تترتب على هذا القبول، وتفعيل خيار المسؤولية الدولية في إنهاء الاحتلال وفرض العقوبات وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بل والتشكيك في عضوية إسرائيل، وأبعد من ذلك، التقدم بطلب لإعادة النظر في عضوية إسرائيل كدولة استنادا إلى القرار المذكور، فلا يجوز قبول دولة كاملة العضوية وفي الوقت ذاته تبقى تحت دولة احتلال، فهذا مناقض لميثاق الأمم المتحدة، ويعتبر انتهاكا له، فإسرائيل كدولة كاملة العضوية لا تكتمل إلا بدولة فلسطينية كاملة العضوية، وهذه هي الإشكالية الكبرى التي يحاول الفيتو الأمريكي أن يتغلب عليها بوهم التفاوض على الدولة الفلسطينية مع إسرائيل وليس عبر الأمم المتحدة، فمتى كان التفاوض على الدولة يكون عبر الدولة المحتلة، ولعل هذا هو الذى يفسر لنا الفيتو الأمريكي الأخير، الذي أسقط طلب فلسطين بالعضوية الكاملة، لأن القبول يفرض تفعيل الفصل السابع من الميثاق لإنهاء الاحتلال، وهو ما لا تستطيع معه أمريكا الاستمرار في توظيف الفيتو مع دولة كاملة العضوية، وهذا يجيب لنا على السؤال: لماذا الفيتو الأمريكي؟
ومع أهمية الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، فإنه يجب ألا نذهب بعيدا في الاعتراف، فهذا الاعتراف لا يعني نهاية احتلال الأراضي الفلسطينية، لكنه قد يكون بداية لطريق سياسي طويل، لكن أهميته أن طلب العضوية يقدم بالخرائط وبحدود مقرة ومعترف بها تستند على القرار رقم 242 الذي رفض ضم الأراضي التي ضمتها إسرائيل في أعقاب حرب 1967، بما فيه الضفة الغربية وغزة، وهو ما يعني أن الطلب يتضمن حدود عام 1967 أي بمساحة تقارب العشرين في المائة، وهو ما يعني تنازلا كبيرا من الجانب الفلسطيني، وإضفاء صفة الشرعية على ما احتلته إسرائيل في أعقاب حرب 1948، وهو ما يعني انه في صالح إسرائيل، ومع ذلك ترفضه إسرائيل بحجج وذرائع وسرديات تفتقد الشرعية والحق التاريخي، مستندة على القوة والدعم الأمريكي بالفيتو في مجلس الأمن، وهو ما يعني أيضا تناقضا صارخا للميثاق وسببا في استمرار الصراع وعدم استقرار المنطقة، وسببا في الحرب وهو ما يقوي من الطلب الفلسطيني للتغلب على الفيتو الأمريكي بتفعيل قانون الاتحاد من أجل السلام وعرض طلب العضوية على الجمعية العامة، وفي حال الحصول على ثلثي الأصوات يصبح قرارا ملزما على مجلس الأمن، ويتحقق الهدف من طلب العضوية.
وإلى جانب هذا البديل، هناك مقاربة توسيع الاعتراف بدولة فلسطين دولة خارج الأمم المتحدة، وهذا يتطلب دبلوماسية عربية وإسلامية وصديقة لتوسيع الاعتراف، مما يجعل فلسطين حقيقة سياسية كما هي حقيقة قانونية.
يبقى أن هذا الخيار يحتاج إلى متطلبات ومعطيات فلسطينية، أولها إنهاء الانقسام السياسي، وإجراء انتخابات فلسطينية للتأسيس لنظام سياسي مدني توافقي برؤية سياسية واضحة لمقاربة الدولة الفلسطينية، وبخيارات المقاومة السلمية الشعبية، وخصوصا بعد حرب غزة، وتفاعل الرأي العام عالميا، وخروج العديد من المسيرات المؤيدة للحق الفلسطيني والمنددة بالاحتلال والحرب الإسرائيلية.
مقاربة الدولة تشتمل على العديد من المقاربات، وحزمة الاستراتيجية الكاملة وربط السلام في المنطقة بالدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما تخشاه إسرائيل ويقلقها.
{ أكاديمي فلسطيني مختص في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك