العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأمم المتحدة أمام اختبار الاعتراف بدولة فلسطين

بقلم: د. ناجي صادق شراب

الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬تطرحها‭ ‬مقاربة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭. ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬قبول‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأسس‭ ‬والمعايير‭ ‬التي‭ ‬يتضمنها‭ ‬طلب‭ ‬العضوية؟‭ ‬وهل‭ ‬من‭ ‬بديل‭ ‬للفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬وكيفية‭ ‬التغلب‭ ‬عليه؟‭ ‬وماذا‭ ‬يعني‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفلسطين‭ ‬دولة‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال؟‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬العضوية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬مستقلة،‭ ‬وهذا‭ ‬الشرط‭ ‬غير‭ ‬قائم‭ ‬لفلسطين،‭ ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬المسؤولية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬لاكتمال‭ ‬شرط‭ ‬العضوية‭.‬

‭ ‬لكننا‭ ‬هنا‭ ‬أمام‭ ‬أنموذج‭ ‬خاص‭ ‬واستثنائي‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬فلسطين،‭ ‬فالأصل‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قرارا‭ ‬دوليا‭ (‬رقم‭ ‬181‭ ‬لعام‭ ‬1948‭) ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم،‭ ‬الذي‭ ‬بموجبه‭ ‬قبلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بل‭ ‬اشترط‭ ‬قبولها‭ ‬بحل‭ ‬مشكلة‭ ‬اللاجئين‭ ‬وبقيام‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬حوالي‭ ‬44‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭.‬

‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬رفضا‭ ‬عربيا‭ ‬لهذا‭ ‬القرار‭ ‬ـ‭ ‬والواقع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬رفضا‭ ‬مطلقا،‭ ‬بل‭ ‬اقتراح‭ ‬بدولة‭ ‬واحدة‭ ‬للجميع،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم،‭ ‬فهذا‭ ‬القرار‭ ‬مازالت‭ ‬له‭ ‬قوته‭ ‬الشرعية‭ ‬ويشكل‭ ‬مرجعية‭ ‬دولية‭ ‬قوية‭ ‬لقبول‭ ‬فلسطين‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬ضمتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مقرر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬بمساحة‭ ‬55‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬خيار‭ ‬حرب‭ ‬1948‭ ‬وحرب‭ ‬1967‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬الضم‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬وغير‭ ‬معترف‭ ‬به،‭ ‬لأن‭ ‬الأصل‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قبلت‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬القرار‭ ‬المذكور‭.‬

هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬تشكل‭ ‬عناصر‭ ‬قوة‭ ‬للطلب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتحول‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬مراقب‭ ‬لا‭ ‬حقوق‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬بحقوق‭ ‬كاملة‭. ‬والسؤال‭ ‬ثانية،‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف،‭ ‬ولماذا‭ ‬وكيف‭ ‬ومتى‭ ‬يتحقق‭ ‬ويصبح‭ ‬ملزما‭ ‬رغم‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي؟

ابتداء‭ ‬بأهمية‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬مقاربات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬والتداعيات‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القبول،‭ ‬وتفعيل‭ ‬خيار‭ ‬المسؤولية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬وفقا‭ ‬للفصل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بل‭ ‬والتشكيك‭ ‬في‭ ‬عضوية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وأبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬التقدم‭ ‬بطلب‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬عضوية‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬القرار‭ ‬المذكور،‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬قبول‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تبقى‭ ‬تحت‭ ‬دولة‭ ‬احتلال،‭ ‬فهذا‭ ‬مناقض‭ ‬لميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬انتهاكا‭ ‬له،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الإشكالية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬يتغلب‭ ‬عليها‭ ‬بوهم‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وليس‭ ‬عبر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فمتى‭ ‬كان‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬يكون‭ ‬عبر‭ ‬الدولة‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأخير،‭ ‬الذي‭ ‬أسقط‭ ‬طلب‭ ‬فلسطين‭ ‬بالعضوية‭ ‬الكاملة،‭ ‬لأن‭ ‬القبول‭ ‬يفرض‭ ‬تفعيل‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬الميثاق‭ ‬لإنهاء‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬معه‭ ‬أمريكا‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الفيتو‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية،‭ ‬وهذا‭ ‬يجيب‭ ‬لنا‭ ‬على‭ ‬السؤال‭: ‬لماذا‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي؟

ومع‭ ‬أهمية‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفلسطين‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬الاعتراف،‭ ‬فهذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬نهاية‭ ‬احتلال‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لكنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بداية‭ ‬لطريق‭ ‬سياسي‭ ‬طويل،‭ ‬لكن‭ ‬أهميته‭ ‬أن‭ ‬طلب‭ ‬العضوية‭ ‬يقدم‭ ‬بالخرائط‭ ‬وبحدود‭ ‬مقرة‭ ‬ومعترف‭ ‬بها‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬242‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬ضم‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬ضمتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وغزة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الطلب‭ ‬يتضمن‭ ‬حدود‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬أي‭ ‬بمساحة‭ ‬تقارب‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تنازلا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وإضفاء‭ ‬صفة‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬احتلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬حرب‭ ‬1948،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ترفضه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحجج‭ ‬وذرائع‭ ‬وسرديات‭ ‬تفتقد‭ ‬الشرعية‭ ‬والحق‭ ‬التاريخي،‭ ‬مستندة‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬والدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالفيتو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أيضا‭ ‬تناقضا‭ ‬صارخا‭ ‬للميثاق‭ ‬وسببا‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة،‭ ‬وسببا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقوي‭ ‬من‭ ‬الطلب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬بتفعيل‭ ‬قانون‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬وعرض‭ ‬طلب‭ ‬العضوية‭ ‬على‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ثلثي‭ ‬الأصوات‭ ‬يصبح‭ ‬قرارا‭ ‬ملزما‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬ويتحقق‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬طلب‭ ‬العضوية‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا‭ ‬البديل،‭ ‬هناك‭ ‬مقاربة‭ ‬توسيع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬دولة‭ ‬خارج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬دبلوماسية‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬وصديقة‭ ‬لتوسيع‭ ‬الاعتراف،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬فلسطين‭ ‬حقيقة‭ ‬سياسية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬قانونية‭.‬

يبقى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬متطلبات‭ ‬ومعطيات‭ ‬فلسطينية،‭ ‬أولها‭ ‬إنهاء‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي،‭ ‬وإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬فلسطينية‭ ‬للتأسيس‭ ‬لنظام‭ ‬سياسي‭ ‬مدني‭ ‬توافقي‭ ‬برؤية‭ ‬سياسية‭ ‬واضحة‭ ‬لمقاربة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبخيارات‭ ‬المقاومة‭ ‬السلمية‭ ‬الشعبية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬غزة،‭ ‬وتفاعل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬عالميا،‭ ‬وخروج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسيرات‭ ‬المؤيدة‭ ‬للحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والمنددة‭ ‬بالاحتلال‭ ‬والحرب‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

مقاربة‭ ‬الدولة‭ ‬تشتمل‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقاربات،‭ ‬وحزمة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الكاملة‭ ‬وربط‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وإنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تخشاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬ويقلقها‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا