في ظل استمرار انزلاق العالم نحو أزمات متفاقمة من صراعات وحروب وخاصة حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة التي تهيمن على عناوين الأخبار، يقترب تنفيذ العملات الرقمية للبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على الصفحات المالية الخلفية.
تمر الآن الصين، التي كان اليوان الرقمي الخاص بها هو العملة الرئيسية للبنك المركزي، بتجربة هائلة تغطي أكثر من 25 مليون شخص حيث أصدروا مؤخراً إرشادات جديدة للسياح الذين يستخدمون العملات الرقمية للبنوك المركزية لأول مرة. لدى هونج كونج برنامج CBDC الخاص بها، والذي تم إطلاق المرحلة التجريبية الثانية حالياً. إنهم يطورون القدرة على استخدام «الودائع الرمزية» لإضافة 160 مليار دولار إلى ناتجهم المحلي الإجمالي. وفي أوروبا، في أعقاب «مؤتمر اليورو الرقمي لعام 2024» الذي انعقد في أواخر فبراير، أعلن البنك المركزي الأوروبي عن تطوير «كتاب قواعد اليورو الرقمي».
وفي السويد، نشر برنامج e-Krona التابع لبنك Riksbank تقريره النهائي عن برنامج CBDC التجريبي بينما تفيد بعض المصادر بأنها تعمل على إتاحة العملة الرقمية للبنك المركزي CBDC الخاصة بها من دون اتصال بالإنترنت!
وخليجياً أعلن البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة أنه سيطلق برنامجه التجريبي الخاص بالعملة الرقمية للبنك المركزي في مارس الماضي!
تحدث كل هذه التطورات التقنية، ولكن من دون ذكر أي شيء عن الحملة الدعائية المستمرة في إطار ذلك.
وكما ذكرت في مقالات سابقة، إنه في تقدير كثير من الخبراء أن تتابع إصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية العالمية سوف يكون مقدمة ومؤشرا قويا على قرب انتهاء نظام العمل المصرفي الراهن، ولن تتمكن البنوك والمصارف المحلية من التنافس مع الجهات التنظيمية أي )البنوك المركزية). هذه هي الجهة التنظيمية للبنوك المحلية والعادية التي لن تستطيع أن تقول إنني سأصعد إلى الساحة وأتنافس مع الجهة التنظيمية الخاصة بي! فالواقع إنها الإمبراطورية التي تدخل اللعبة وتتنافس فجأة وتستخدم فعليًا جميع القوى المتاحة.
ووفقًا لتقارير صادرة عن بنك التسويات الدولية، نستنتج أنهم يجادلون بأنه نظرًا لأن أي عملة رقمية للبنوك المركزية افتراضية ستكون أكثر أمانًا من الودائع المصرفية التقليدية، وأسهل في الحصول عليها من النقد، لأنه من المتوقع أن الناس سيختارون استخدامها في حالة حدوث تهافت على البنوك، وبالتالي فإن تهافت البنوك على الودائع سيكون أكثر احتمالًا وشائعاً.
ما هو المعنى الواضح لكل ذلك؟ المؤكد أنه بمجرد ظهور العملات الرقمية للبنوك المركزية، وهو أمر «اختياري» في البداية بالطبع، يمكن للبنوك المركزية من الناحية النظرية زيادة استيعابها من خلال هندسة عدم الاستقرار المالي بشكل مصطنع والتسبب في انهيار البنوك المحلية أو الإقليمية. لن يجعلوها إلزامية، بل سيجعلونها «آمنة» فقط.
إحدى الحملات التسويقية للعملات الرقمية للبنوك المركزية تقول إنها ستساعد العالم على «التخلص من الدولار» وستساعد الدول النامية على «الازدهار وإنعاش اقتصادات أمريكا اللاتينية». فهل ستكون الولايات المتحدة هي العائق الطفيف الوحيد لهذه التحولات؟ إذ تظل العملات الرقمية للبنوك المركزية مثيرة للجدل إلى حد ما. فقد تعثر الدولار الإلكتروني في تقدمه مقارنة ببقية دول العالم، مع ظهور تقارير متناقضة من المسؤولين طوال الوقت.
قد تكون هذه معارضة حقيقية من الأمريكيين بسبب التهديد بإلغاء الدولار، أو يمكن أن تكون استجابة طبيعية لاقتصاد يعتمد على النقد بشكل أكبر بكثير من معظم دول العالم المتقدم، أو يمكن أن تكون حملة دعائية متعمدة مصممة للترويج للعملات الرقمية للبنوك المركزية.
بالطبع، إنه عام انتخابي في أمريكا على مستوى كل الولايات، وقد عارض كل من المرشحين الرئاسيين دونالد ترامب وروبرت كينيدي جونيور فكرة إصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية. ورغم أن روبرت كينيدي جونيور صادق في طرحه، إلا أن هذه لن تكون المرة الأولى التي تحاول فيها «الدولة العميقة» تشويه «رأي ما» من خلال إقناع ترامب بتأييده. لكن من الواضح أن طرح العملة الرقمية للبنك المركزي العالمي قادم.
وفقًا لمتتبع CBDC التابع للمجلس الأطلسي، فإن 135 دولة تمثل 98% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تعمل حاليًا على الإعداد لإصدار عملتها الرقمية الخاصة. في حين يؤكد تقرير المجلس الأطلسي الصادر في 14 مارس على أهمية «قابلية التشغيل المتبادل» في فرض العملات الرقمية بين البنوك المصرفية والمؤسسات المالية الدولية بين الحدود. وفقًا للمجلس الأطلسي، إن قابلية التشغيل المتبادل ليست مجرد جزء مهم من خطة إصدار العملة الرقمية للبنوك المركزية، بل هي النقطة الأساسية!
وفي مارس الماضي، وفقًا لما أورد موقع بزنس واير، نشرت SWIFT النتائج التي توصلت إليها حول حلول «قابلية التشغيل المتبادل» لتمكين التحويلات عبر الحدود وربط الأصول الرمزية والعملات الرقمية للبنوك المركزية على شبكات مختلفة مع بعضها البعض، وكذلك مع العملات الورقية.
وبينما نسير نحو النظام العالمي الجديد الذي تتشكل فيه الحكومة العالمية، فإن «قابلية التشغيل المتبادل» هي اسم اللعبة. فلا يوجد فرق عملي حقيقي بين 195 عملة رقمية قابلة للتشغيل المتبادل وعملة عالمية واحدة. هي العملة العالمية قادمة. إنها ليست على الصفحات الأولى، لكن هذا ليس مفاجئًا!
يرى بعض الخبراء في المجال المصرفي أن الخبر السار هو أن العملات الرقمية للبنوك المركزية سوف تدمر نفسها بنفسها. إلا أنه لا أحد يعرف كم من الوقت سيستغرق حدوث ذلك. فهل كانت العملة الرقمية الصادرة عن البنك المركزي ستنقذ الدولار الزيمبابوي، أو البوليفار الفنزويلي، أو البيزو الأرجنتيني، أو الليرة اللبنانية؟ أنا لا أعتقد ذلك. ولن يتم إنقاذ الدولار الأمريكي أو اليورو أيضًا. من المؤكد أننا سوف نشهد ظهور أنظمة موازية وأسواق جديدة بشكل طبيعي في ظل تعلم المجتمع السباحة في تلك المياه لتجنب استعباد العملات الرقمية للبنوك المركزية في العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك