العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تجربة أهديها لبعضكم (1)

في‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ابريل‭ ‬المنصرم‭ ‬خضعت‭ ‬لعملية‭ ‬جراحية‭ ‬بسيطة‭    ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تمت‭ ‬تحت‭ ‬التخدير‭ ‬الموضعي‭ ‬ولم‭ ‬استغرق‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬المخيفة‭ ‬حيث‭ ‬الكشافات‭ ‬العنيفة،‭ ‬وأصل‭ ‬الحكاية‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬عانيت‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإبصار‭ ‬وعمري‭ ‬16‭ ‬سنة،‭ ‬وبمراجعة‭ ‬طبيب‭ ‬العيون‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬ان‭ ‬عيني‭ ‬اليمنى‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬معاناة‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬‮«‬النظر‮»‬،‭ ‬وفرحت‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬لكوني‭ ‬سأستخدم‭ ‬النظارات‭ ‬الطبية‭ ‬بحسبان‭ ‬أنها‭ ‬ستضفي‭ ‬علي‭ ‬هيبة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يحسبني‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الشخصيات،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬استخدام‭ ‬النظارات‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬النظر‭ ‬شائعا‭ ‬الا‭ ‬بين‭ ‬طبقات‭ ‬المثقفين‭ ‬وكبار‭ ‬الموظفين‭ ‬ولحسن‭ ‬حظي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حكومة‭ ‬قلبها‭ ‬على‭ ‬شعبها‭ ‬وترعى‭ ‬المدارس‭ ‬والطلاب‭ ‬وتوفر‭ ‬النظارات‭ ‬الطبية‭ ‬بلا‭ ‬مقابل‭ ‬لطلاب‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات،‭ ‬ولتكتمل‭ ‬الهيئة‭ ‬دخلت‭ ‬دنيا‭ ‬المدخنين‭ ‬وأحسست‭ ‬بـ«العظمة‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتقنت‭ ‬نفث‭ ‬الدخان‭ ‬عبر‭ ‬الأنف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تدمع‭ ‬عيناي‭.‬

وعلى‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬ظللت‭ ‬اكشف‭ ‬قوة‭ ‬إبصار‭ ‬عيني‭ ‬كلما‭ ‬احسست‭ ‬بأن‭ ‬نظارة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تؤدي‭ ‬وظيفتها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬المنشود،‭ ‬وفي‭ ‬خزائن‭ ‬الطاولة‭ ‬التي‭ ‬أجلس‭ ‬اليها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬نحو‭ ‬ست‭ ‬نظارات‭ ‬قديمة‭ ‬تخصني‭ ‬وهنا‭ ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬بضع‭ ‬نظارات‭ ‬أخرى‭ ‬أستخدم‭ ‬بعضا‭ ‬منها‭ ‬مؤقتا‭ ‬كلما‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬نظارات‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬واحدة‭ ‬جديدة‭ ‬وهو‭ ‬امر‭ ‬يستغرق‭ ‬بعض‭ ‬الوقت،‭ ‬ونصحني‭ ‬كثيرون‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بالخضوع‭ ‬لعملية‭ ‬تشطيب‭ ‬القرنية‭ ‬بالليزر‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬النظارات،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خصالي‭ ‬الحميدة‭ ‬القليلة‭ ‬الوفاء،‭ ‬والنظارات‭ ‬كانت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬لسنين‭ ‬عددا‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬واردا‭ ‬ان‭ ‬اهجرها،‭ ‬والأمر‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬عيناي‭ ‬‮«‬تكسف‭ ‬وتفشِّل‮»‬،‭ ‬ولولا‭ ‬لون‭ ‬بشرتي‭ ‬لحسبني‭ ‬البعض‭ ‬صينيا‭ ‬او‭ ‬كوريا‭ ‬والنظارات‭ ‬مع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬التظليل‭ ‬فيها‭ ‬تستعر‭ ‬عيوب‭ ‬عيني‭.‬

ثم‭ ‬وقبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬طبيبة‭ ‬روسية‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬العيون‭ ‬إنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬العين،‭ ‬فلجأت‭ ‬الى‭ ‬طبيب‭ ‬عربي‭ ‬ليفتيني‭ ‬في‭ ‬امر‭ ‬تلك‭ ‬المياه‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬أيضا‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬تلك‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬عينيه،‭ ‬وشرح‭ ‬لي‭ ‬كيف‭ ‬أنها‭ ‬تسبب‭ ‬الرؤية‭ ‬الضبابية‭ ‬عندما‭ ‬تصل‭ ‬درجة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الكثافة،‭ ‬ثم‭ ‬أضاف‭: ‬المصاب‭ ‬بها‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬متى‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬شفطها‭ ‬طبيا،‭ ‬وهكذا‭ ‬لم‭ ‬أحفل‭ ‬بتلك‭ ‬المياه‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬نسف‭ ‬قدرة‭ ‬شخص‭ ‬اسمر‭ ‬على‭ ‬الإبصار،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتبهت‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬الى‭ ‬انني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬وأنا‭ ‬اقود‭ ‬سيارتي‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬الإشارة‭ ‬المرورية‭ ‬حمراء‭ ‬أو‭ ‬خضراء‭ ‬إلا‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أمتار‭ ‬قليلة‭ ‬منها،‭ ‬وصرت‭ ‬كلما‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬إشارة‭ ‬مرورية‭ ‬انتبه‭ ‬إلى‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬أمامي‭ ‬لأقف‭ ‬إذا‭ ‬وقفت‭ ‬وأعبر‭ ‬الإشارة‭ ‬إذا‭ ‬عبرت،‭ ‬ثم‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يعرضني‭ ‬للخطر‭: ‬ماذا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬امامي‭ ‬سيارة‭ ‬واحدة‭ ‬عند‭ ‬تقاطع‭ ‬الإشارات‭ ‬وكان‭ ‬سائقها‭ ‬مستهترا‭ ‬‮«‬وقطع‮»‬‭ ‬الإشارة‭ ‬الحمراء؟‭ ‬لو‭ ‬حذوت‭ ‬حذوه‭ ‬أما‭ ‬قاتل‭ ‬أو‭ ‬مقتول‭! ‬وأصلا‭ ‬أنا‭ ‬وعيني‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬البيضاء‭ ‬وبسبب‭ ‬عمى‭ ‬الألوان‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬ألوان‭ ‬الإشارات‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬شيئا‭ ‬البتة،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬المصباح‭ ‬العلوي‭ ‬في‭ ‬الإشارة‭ ‬يعني‭ ‬قف‭ ‬والاوسط‭ ‬يعني‭ ‬تأهب‭ ‬للوقوف‭ ‬أو‭ ‬الانطلاق‭ ‬بينما‭ ‬الأسفل‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله‭.‬

وهكذا‭ ‬قلت‭ ‬لنفسي‭ ‬بالمصري‭ ‬‮«‬العمر‭ ‬مش‭ ‬بعزقة‮»‬،‭ ‬ولجأت‭ ‬إلى‭ ‬طبيب‭ ‬عيون‭ ‬نصحني‭ ‬بالخضوع‭ ‬لعملية‭ ‬إزالة‭ ‬المياه‭ ‬البيضاء‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة،‭ ‬لأن‭ ‬إهمالها‭ ‬يجعلها‭ ‬تتصلب‭ ‬ويجعل‭ ‬استئصالها‭ ‬اكثر‭ ‬تعقيدا،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬أجريها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬لأنني‭ ‬ظللت‭ ‬ولسنوات‭ ‬أتعاطى‭ ‬أقراص‭ ‬‮«‬حاصرات‭ ‬ألفا‭/ ‬ألفا‭ ‬بلوكرز‮»‬،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬استخدامها‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬نزف‭ ‬في‭ ‬العين‭ ‬أثناء‭ ‬الجراحة‭.‬

ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬جاهزا‭ ‬للعملية،‭ ‬وطمأنني‭ ‬جراح‭ ‬العيون‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬بسيطة‭ ‬وان‭ ‬نسبة‭ ‬نجاحها‭ ‬عالية‭ ‬جدا،‭ ‬ولكن‭ ‬وخلال‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬موعد‭ ‬العملية‭ ‬كدت‭ ‬ان‭ ‬اتخذ‭ ‬قرارا‭ ‬بعدم‭ ‬اجرائها‭: ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬طبيب‭ ‬التخدير‭/ ‬تحليل‭ ‬دم‭/ ‬تخطيط‭ ‬القلب،‭ ‬و،‭ ‬و‭. ‬ولكنني‭ ‬لعنت‭ ‬ابليس‭ ‬وخضعت‭ ‬للعملية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭ ‬جدا‭ ‬وغدا‭ ‬نواصل‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا