الذهب البحريني، قد لا نبالغ إذا ما قُلنا إن الذهب البحريني علامة فارقة في عالم المجوهرات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، حيث يمتاز الذهب البحريني بسمعة وشهرة عالمية كبيرة يكفي أن تجار الذهب في دول الجوار يُروجون لذهبهم فيطلقون عليه ذهبا بحرينيا لإقناع زبائنهم بجودة الذهب وحثهم على الشراء.
هذه العلامة والسمعة التي اشتهر بها البحرين كأحد أفضل البلدان في صياغة وبيع الذهب ذات الجودة العالية والمصنعية المحترفة مع الأسف لم يتم استثمارها بشكل صحيح خلال العقود الماضية لتعزيز موقع البحرين في تنمية هذا القطاع وجذب السياح الراغبين في اقتناء المجوهرات الثمينة التي تعد أحد أكبر مصادر الدخل الوطني لأي بلد، كثير من دول الجوار جذبت إليها تجار ومصنعي الذهب ومنحتهم تسهيلات كبيرة للاستحواذ على هذا القطاع التجاري الكبير وأولتهم اهتماماً كبيراً، فحققت مبيعات هائلة ساهمت في دعم الناتج المحلي وضاعفت عمليات التداول بالعملة الصعبة التي بدورها تنعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل كونه أحد الصناعات الإبداعية.
«ذهب بحريني» هذه العبارة التي تجعل لهذا المعدن قيمة مضاعفة في سوق المجوهرات الثمينة، ونظراً إلى عدم الاستغلال الأمثل لهذه العلامة التجارية العالمية وهذه السمعة تسعى في الوقت الحالي بعض الدول لإحلال اسم بلدها كمصنع للذهب بدلاً من أن يُروج له بأنه ذهب بحريني وفي هذا المقام لعلي أسقط إحدى النظريات الاجتماعية التي تقول: «كل فراغ في المجتمعات الإنسانية لا بد أن يأتي من يشغله فلن يبقى فراغاً دائماً» هكذا الحال بالنسبة إلى الذهب البحريني الذي بات يصارع في ظل عدم وجود مبادرات لدعمه والاستثمار فيه والترويج له إقليمياً ودولياً وجذب الاستثمارات للعمل في هذا المجال.
لقد أطلقت وزيرة السياحة في أبريل 2023م النسخة الثانية من مهرجان «ذهب المنامة» وصرحت بأن ذهب المنامة يشكل مساهمة لافتة في تدعيم أهداف استراتيجية السياحة 2022-2026 وإبراز مكانة مملكة البحرين كمركز سياحي عالمي وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي، ونحن نأمل أن تقترن هذه التصريحات بمبادرات فعلية وخطة شاملة لدعم سياحة الذهب من خلال استهداف مواطني الدول الأكثر إنفاقاً في شراء الذهب الذي يُعد أحد أهم الصناعات التي تميز البحرين عن سواها جنباً إلى جنب مع اللؤلؤ البحريني، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما المانع من أن تُصبح البحرين مركزاً رئيسياً بالشرق الأوسط لتجارة الذهب والمجوهرات، وإنتاج مشغولات المعادن الثمينة واللؤلؤ الطبيعي والأحجار الكريمة وموطنا لمصممي المجوهرات والارتقاء بهذه الصناعة إلى العالمية؟!
سوق المنامة جوهرة بحرينية ثمينة لم يُحسن استغلالها حتى الآن بالقدر الكافي، كواجهة سياحية لمملكة البحرين كأحد أعرق الأسواق الإقليمية والعالمية في صناعة وبيع الذهب والمجوهرات المرتبطة بالموروث البحريني والثقافة الوطنية، سوق المنامة وتجارة الذهب وجهان لعملة واحدة فالاهتمام بالسوق ينعكس إيجاباً على تجارة الذهب والعكس صحيح، وبالتمعن في سوق المنامة مقارنة بالأسواق الخليجية القديمة التي تمثل هوية وطابع للبلد نجد أنه بحاجة إلى مبادرة متكاملة تتمثل في إنعاشه وجعله الوجهة الأولى للمواطنين والمقيمين والسياح، ولن يتحقق ذلك مالم يتم توفير مرافق وخدمات عامة كمواقف للسيارات ودورات مياه عامة ومطاعم ومحال بيع القهوة ومحال لبيع مختلف السلع والتحف والمصنوعات البحرينية حتى يجد كل زائر ما يشبع رغباته الشرائية أسوة بباقي الأسواق التاريخية العريقة في دول مجلس التعاون الخليجي التي يتم الاهتمام بها كونها أحد أهم الروافد السياحية والاقتصادية وهوية تعكس تاريخ الوطن وحضارته، وهناك حاجة إلى التركيز على السائح الخليجي بالدرجة الأولى كونه المستهلك الأول عالمياً بعد مواطني جمهورية الهند في اقتناء الذهب، فالملاحظ أن هناك نوعا من التركيز على السائح الغربي الذي يكتفي بالتقاط صور لباب البحرين والمحلات القديمة ويرحل دون أن يُنفق دولاراً واحداً في شراء أبسط سلعة أو حتى يرتشف كوب قهوة في إحدى مقاهي المنامة العريقة، في حين أن السائح أو المستهلك الخليجي هو الأكثر إنفاقاً في اقتناء الذهب البحريني.
لسنوات طويلة اكتسب الذهب البحريني سمعة عالمية بجودته العالية ودقة وجمال تصاميمه بينما لم نلمس حملات متكاملة تروج لهذا المنتج وتستقطب المستثمرين في هذا القطاع وتمنح تسهيلات للمصممين ومصنعي المجوهرات لتصبح المنامة مركزاً عالمياً لبيع وتصميم الذهب والمجوهرات، وعليه نأمل أن تتبنى وزارة السياحة والتجارة وهيئة البحرين للسياحة والمعارض وحتى غرفة تجارة وصناعة البحرين وهيئة البحرين للثقافة والآثار برنامجاً شاملا يدعم سياحة الذهب في البحرين أسوة بباقي السياحات المختلفة التي تتبناها الدول لدعم اقتصاداتها وزيادة ناتجها المحلي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك