تعكس التقارير الدولية، كل في مجالها، وحسب المقاييس والمعايير التي تضعها؛ صورة الدولة، كما توضحها البيانات الصادرة أو المجمعة عنها، ولهذا فهي كثيرًا ما يأخذها الاستثمار الأجنبي المباشر في الحسبان، حين يتخذ قراره بالتوجه إلى هذه الدولة، وفي العام الماضي استقبلت مملكة البحرين (1.7 مليار دولار)، استثمارات أجنبية مباشرة، وجاءت هذه الاستثمارات لتشارك في النجاح وتقطف بعض ثماره، وزاد هذا التدفق عن السنة السابقة بنسبة 55% حيث كان التدفق (1.1 مليار دولار)، وكان من العوامل الداعمة والمحفزة لهذه الاستثمارات، ما أدخلته البحرين من إصلاحات لتيسير أنشطة الأعمال، فيما نجحت البحرين في فبراير 2024، في جمع (ملياري دولار) من أسواق الدين العالمية، ما يعني ارتفاع الثقة في الاقتصاد البحريني، وجزء كبير من مؤشرات هذه الثقة تعكسه التقارير الدولية، غير أن نجاح الاقتصاد البحريني في تنويع مصادر الدخل، وانحسار دور قطاع الهيدروكربونات إلى ما دون 17%، من الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق القطاع غير النفطي أعلى معدلات نمو، مُنذ عقد، تجاوزت 6%؛ مثّل فرصًا جيدة لجذب هذه الاستثمارات، حيث أصبح الاقتصاد البحريني أكثر مرونة، وينمو بثبات، ولم يعد تحت رحمة تذبذب أسعار النفط، وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية.
ويقيس تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي مُنذ 2003، سنويًا، ويغطي 190 دولة حول العالم؛ 10 مجالات هي: بدء النشاط التجاري واستخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المساهمين أصحاب حصص الأقلية، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار، وفيما يجمع فريق إعداد التقرير بياناته من استبانات يجريها، فإنه قبل النشر يتحقّق من صحة النتائج من الحكومة ذات الصلة، ويصدر تقريره في أكتوبر من كل عام، ولكنه أوقف إصداره في 2021، بعد الإبلاغ داخل البنك عن وجود مخُالفات، في البيانات المتعلّقة بتقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعامي 2018، و2019.
وفي آخر إصدار له في 2020، حلّت البحرين بين أفضل 10 بلدان في العالم، تحسينًا لمناخ الأعمال، وجاء ترتيبها 43 عالميًا، واحتلت المركز الأول عالميًا، من حيث وقت الامتثال الضريبي، بتحقيق عدد من الإصلاحات بلغ 9 إصلاحات، كما حقّقت أهم تحسينات في مجال إنفاذ العقود، إذ وسع المجلس الأعلى للقضاء ولاية الأقسام التجارية، لتشمل جميع القضايا التجارية، ووضع الأساس القانوني للإخطارات الإلكترونية، عبر البريد الإلكتروني، أو الرسائل القصيرة، ودشنت البحرين منصة جديدة عبر الإنترنت «بنايات»، لتبسيط إجراءات استخراج تراخيص البناء، متاحة مجانًا من خلال خريطة تفاعلية، ولا تستغرق الإجراءات المتعّلقة بالتراخيص، سوى 71 يومًا، مقارنةً بـ 147 يوما العام السابق، كما تمّ تبسيط إجراءات نقل الملكية، ولم تعد تستغرق سوى يومين، مقابل 31 يوما في العام السابق، وحلّت البحرين في المركز 17 عالميًا على مؤشر تسجيل الملكية، وأصبح الحصول على الكهرباء في البحرين، أسرع من الاقتصادات مرتفعة الدخل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما قلصت البحرين من احتمال التصفية المبكرة، للشركات المساهمة.
ويصدر البنك الدولي أيضًا في مارس من كل عام، تقرير المرأة وأنشطة الأعمال، والقانون لـ 190 بلدًا حول العالم، ويهدف إلى تحليل القوانين واللوائح، التي تؤثّر في الفرص الاقتصادية للمرأة، عن طريق قياس 8 محاور رئيسية: «التنقل، والعمل، والأجر، والزواج، والأمومة، وريادة الأعمال، والأصول، والمعاشات التقاعدية»، وفي تقرير 2024 وهو العاشر، حصلت البحرين على 68.1 نقطة في الأطر القانونية، و92.5 نقطة حول آراء الخبراء في بيانات المرأة وأنشطة الأعمال والقانون، فقد تدنت نسبة العنف الأسري الواقع على المرأة البحرينية، من إجمالي العدد الكلي للمواطنات، بنسبة أقل من نصف في المائة، لتأتي البحرين بين الدول الأقل انخفاضًا عالميًا في مؤشرات العنف ضد المرأة، ما يعكس حالة الاستقرار الاجتماعي ومكانة المرأة داخل أسرتها، فيما ارتفع متوسط العمر المتوقّع للمرأة البحرينية عند الولادة إلى 82 عاما، بينما كان 78 عاما في 2001، وتراجعت وفيات الأمهات عند الولادة إلى 16.9 حالة، لكل 100 ألف مولود، بعد أن كانت 22 حالة في 2001، وتشارك المرأة بنسبة 43% من إجمالي القوى العاملة البحرينية، وتشكّل 48% من إجمالي الوظائف التنفيذية العليا في القطاع الحكومي، و64% من الوظائف التخصصية في القطاع العام، وغدت تمثّل 25% من عضوية مجلس الشورى، و20% من عضوية مجلس النوّاب، و18% من عضوية المجالس البلدية وأمانة العاصمة، كما برزت المرأة البحرينية في الحقائب الوزارية، وقفزت نسبتها في هذه الوظائف من 5% في 2001، بنحو 4 أضعاف، إلى 22% في 2022، وبلغت نسبة تمثيلها في المجال الدبلوماسي 37% وفي السلطة القضائية 11% من مجموع القضاة، وارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في القطاع الخاص، من 24% في 2001، إلى 35% في 2023، فيما حصدت البحرين 100% في مؤشرات المعاش التقاعدي والأجور، وبيّن التقرير أن البحرين من الدول الأسرع تنفيذًا للإصلاحات، في المؤشرات ذات الصلة بالمشاركة الاقتصادية.
وفيما يصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقرير مستقبل النمو، الذي يسلّط الضوء على اتجاهات النمو، وإعادة تقييم مقاييس النمو الاقتصادي التقليدية، وتقديم إطار عمل جديد متعدد الأبعاد لتحقيق جودة النمو الاقتصادي، في 170 دولة حول العالم، اعتمادًا على 4 أسس رئيسية لقياس النمو: «الابتكار، والشمول، والاستدامة، والمرونة»، ولقد ركّز تقرير 2024 على استعراض 7 نماذج مميزة للنمو، من شأنها تحفيز السياسات، ودعم تطوير مجالات التحسن الشاملة، بما يتضافر مع تحليل البيانات، وفي هذا التقرير حصدت مملكة البحرين نقاطًا أعلى من المتوسط العالمي، على صعيد توافر المواهب، والمواهب الرقمية والتقنية، مسجلة 66 نقطة، و67 نقطة على الترتيب، في المؤشرين من أصل 100 نقطة، ضمن فئة البيئة الداعمة للمواهب، وحلّت البحرين الثانية خليجيًا في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وفي مقاييس المرونة أظهر اقتصاد البحرين أداءً قويًا، في المؤشرات المرتبطة برأس المال البشري، لما تتميّز به المملكة من تركيبة سكانية شابة «90.1 نقطة»، وقدرة على ملئ الشواغر بقوى عاملة عالمية «75.6 نقطة»، والاستثمار في إعادة تأهيل المواهب «70.2 نقطة»، وفي كل هذه المؤشرات تجاوزت المتوسط العالمي، كما سجلت نقاطًا فاقت المتوسط العالمي في جودة البنية التحتية، ومرونة النظام المالي، والتكيف الحكومي على المستوى المؤسسي، وتركيز إمدادات التكنولوجيا، والبيئة المالية الداعمة للمدفوعات الرقمية والمشاريع الاستثمارية، وتوافر التمويل للمشروعات المتوسطة والصغيرة، والبيئة الداعمة للتكنولوجيا، وثقافة الأعمال والمنافسة، وحازت المملكة 100% في صادرات الخدمات المتقدمة، وتجاوزت المتوسط العالمي في شمول وتنوع القوى العاملة، والوصول إلى الخدمات المالية.
وقد حلّت مملكة البحرين في المرتبة الأولى، على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الحرية المالية والتجارية والاستثمار، للسنة الثالثة على التوالي، وِفقًا لمؤشر الحرية الاقتصادية 2024 السنوي، الصادر عن مؤسسة «هيرتدج»، ويغطي 134 اقتصادا حول العالم، وتقدّمت عالميًا 14 مركزًا عن العام السابق، وعلى مدى عقدين من الزمن حقّق اقتصاد المملكة نموًا سنويًا قويًا، بمتوسط 8%، متجاوزًا المتوسط العالمي البالغ 5%، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، من نحو (10 مليارات دولار) في 2002، إلى أكثر من (44 مليار دولار) في 2022، وحقّق في حرية الأعمال والحرية النقدية، أعلى من المتوسط العالمي.
وفيما يعزّز من مكانتها التجارية والوصول السريع إلى الأسواق، حلّت مملكة البحرين في المركز الثاني عربيًا، والتاسعة عالميًا في المؤشر الفرعي الخاص بتوقيت ضمن مؤشر الأداء اللوجستي العام الماضي، ما يعكس ما تمتلكه من بنية تحتية لوجستية متقدّمة، كما تصدّرت المملكة دول العالم في مؤشر الجاذبية المالية الفرعي، وِفق قائمة «جلوبل 150» في العام الماضي، ما أهلها أن تكون ضمن أفضل 20 دولة عالميًا، في جذب الاستثمارات المباشرة، وِفقًا لمرصد الاستثمارات المباشرة التابع لـ«الفايننشيال تايمز»، وفي العام الماضي أيضًا تصدرت البحرين تصنيف أنظمة التمويل الإسلامي، كما احتلّت المرتبة العاشرة عالميًا في مؤشر الابتكار العالمي 2023، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وغطى 132 دولة، وارتباطًا بضمان وأمان الاستثمار والمستثمر، جاءت البحرين بين 10 دول الأفضل عالميًا، والأكثر أمانًا، والأقل جريمة طبقًا لمؤشر الجريمة، الصادر عن موسوعة قاعدة البيانات العالمية «توميو»، وفي مؤشر «أجيلتي» اللوجستي للأسواق الناشئة، جاءت البحرين ضمن أفضل 10 دول عالميًا، في توفير مناخ الأعمال في الأسواق الناشئة، وفي مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، حلّت البحرين في المرتبة 34 عالميًا، والثانية عربيًا من بين 139 دولة، وفي مسح أجرته «الأونكتاد» غطى 166 دولة، حلّت البحرين ضمن أفضل 60 دولة، لديها جاهزية للتعامل مع تكنولوجيا المستقبل، وفي مؤشر الأمان الصادر عن «جلوبال فايننس» العام الماضي، حلّت المملكة في المرتبة 12 عالميًا بين 134 دولة، شملها التقرير ضمن الدول الأكثر أمانًا.
جاءت هذه التقارير وغيرها إذن، تعكس أداء داخليا قويا في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي «2022-2026»، ويُعد استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، أحد أهم ممكنات تنفيذها، حيث يرتبط كثير من مشروعاتها بدور هذا الاستثمار، فيما مهدت الحكومة البحرينية، بما أحدثته من إصلاحات تشريعية، وتنظيمية، وإدارية، وفرص؛ البيئة الداعمة لقدومه والمحفزة لاستمراره، وهو ما يخدم أحد أهم العناصر الإستراتيجية لـ «رُؤية البحرين الاقتصادية 2030»، لجهة خلق فرص عمل نوعية ذات أجور مرتفعة للعمالة الوطنية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك