قل رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا» حديث شريف.
إن دراسة السلوك التنظيمي من الجوانب العالية الأهمية في المنظمات لارتباطه بدراسة سلوكيات وتفاعلات العنصر البشري والذي يعتبر أهم عنصر من عناصر الإنتاج، فنجاح المنظمة أو المؤسسة مرتبط بنجاح العنصر البشري وتحسين أدائه، فيجب أن تكون للمديرين والقادة القدرة على معرفة الجوانب السلوكية للعاملين من قدرات واتجاهات ودوافع وحاجات، ومكونات شخصية للوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة ونجاح المنظمة أو الشركة ويعتبر الاختلاف في الأفكار ووجهات النظر والقيم والمعتقدات والثقافات من الجوانب المرتبطة بالسلوك الإنساني والمتسبب الرئيسي في حدوث الصراعات داخل منظمات ومؤسسات العمل والذي يجب توظيفه بكفاءة وفعالية عالية لضمان نجاح واستمرار المنظمة أو مؤسسة العمل.
الصراع هو التضارب والتناقض والاختلاف والتصادم في وجهات النظر والأفكار والقيم والمعتقدات بين فردين أو مجموعتين من الموظفين ويؤثر هذا الصراع حسب نوعه ودرجته وأهدافه في أداء المنظمة إيجابياً أو سلبياً.
وتطور الفكر الإداري لدراسة الصراع فمن وجهة الاتجاه التقليدي أن الصراع شيء غير مرغوب فيه ويجب التخلص منه من خلال الاختيار الجيد للموظفين وتدريبهم وإعادة هيكلة الوظائف وتوصيفها لتقليل ومنع كل أشكال الصراع.
أما الاتجاه الحديث فيرى أن الصراع ظاهرة طبيعية نتيجة التفاعل والاحتكاك بين الموظفين داخل المنظمة يجب إدارته والاستفادة منه.
ويرصد جيرالد جرينبرج «وروبرت بارون» في كتابهما»: «إدارة السلوك في المنظمات» والذي قام بترجمته «د. رفاعي محمد رفاعي» و«د. إسماعيل علي بسيوني» هذه الظاهرة عن علاقات التعاون والصراع في مواقع العمل.
وقد جاء في الكتاب إن الصراع يحدث داخل المنظمات لأسباب عديدة منها: تداخل المهام الوظيفية والاختلاف في تحديد مهمة كل فرد أو مجموعة، والاختلاف في كيفية إنجاز المهام الوظيفية، ومحدودية الموارد داخل المنظمة التي تتنافس عليها المجموعات، واختلاف الأهداف، والاختلاف في أنظمة الرواتب والحوافز والمكافآت بين الموظفين وشعور الموظف بعدم التكافؤ مما يؤدي إلى التوتر والإحباط والكراهية، الاختلاف في الأمور الشخصية بين الموظفين من معتقدات وقيم، والتنوع الثقافي بين الموظفين، ضعف وسوء التواصل بين الموظفين والمسؤولين أو بين الموظفين والمجموعات داخل منظومة العمل .
وقد يكون الصراع إيجابيا مثمرا وهو التنافس والتسابق بين الموظفين والمجموعات على تقديم أفضل الأفكار والمقترحات التي تهدف إلى تحسين وتطوير جودة العمل والإنتاج والتي تصب في مصلحة منظمة العمل.
أما الصراع السلبي الهدام بين الموظفين والمجموعات فهو الصراع الشخصي على موارد المنظمة والصراع على المناصب ويهدف إلى تحقيق المصالح الشخصية على حساب مصالح المنظمة.
هنا يجب على الإدارة والمديرين التخلص من هذا النوع من الصراعات لأنه يستنزف طاقات الموظفين وموارد المنظمة ويحولها إلى صراعات وتصفية حسابات بدلاً من تحقيق أهداف المنظمة.
وللصراع التنظيمي سواء كان إيجابيا بناء أو سلبيا هداما الكثير من الآثار التي تظهر جلياً في محيط العمل فإن كان صراعا سلبيا انتشرت الإشاعات والمعلومات الكاذبة لإيقاع الضرر بالآخرين، ظهور تصرفات غير مرغوبة من الموظفين، وتبديد الجهود والطاقات، وضعف في علاقات العمل .
أما إن كان الصراع إيجابياً فهنا تتوفر فرص الحوار والنقاش البناء بين الموظفين لوجود الثقة المتبادلة بينهم والرغبة الصادقة في التطوير والارتقاء، وتبرز الطاقات والقدرات الكامنة، وتزيد فرص المنافسة الشريفة والابتكار والإبداع. ومن نتائج الصراعات الإيجابية التوصل إلى حلول عادلة ترضي جميع الأطراف المختلفة في الرأي، وتقوية العلاقات بين الأفراد والمجموعات داخل المنظمة، والتعلم على حل المشاكل وتجنب الأخطاء.
كما لا ننسى دور وتأثير الصراعات على أداء وإنتاجية المنظمة فإن كان الصراع إيجابيا بناء ارتفع مستوى أداء المنظمة وزادت إنتاجية الأفراد والعكس لو كان الصراع سلبيا ينخفض مستوى الأداء والإنتاجية.
وقد يلجأ الأفراد أو المجموعات المتصارعة إلى عدة أساليب وسلوكيات لتسوية هذه الصراعات منها الانسحاب والتهرب من المواقف التي يحدث فيها الصراع وهذا يعني أن الطرف المنسحب لن يشارك في عملية اتخاذ القرارات، أو أسلوب التنازل عن الحق لحساب الطرف الآخر بهدف الحفاظ على علاقة جيدة معه، أو أسلوب الإجبار بأن يُجبر الطرف الآخر على التنازل عن حقه في المشاركة وهذ أيضاً أسلوب سلبي لشعور الطرف المُجبر بالظلم فيتكرر الصراع.
في الجانب الآخر هناك بعض السلوكيات والتسويات الإيجابية التي تهدف إلى التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف ويكون فيه الجميع متفقين، وذلك بالتعاون والمناقشة المفتوحة وتبادل المعلومات البناءة المثمرة.
كما ذكرنا في المقدمة إنه لا يوجد منظمة مهما كان نوعها خالية من الصراعات وهذه ظاهرة طبيعية ولكن على المدير والقائد الفعال أن يسارع في القضاء على هذه الصراعات بمجرد أن تظهر مؤشراتها من زيادة الخلافات بين الأفراد وانعدام الثقة والاحترام وانخفاض الروح المعنوية للموظفين وتفشي الإشاعات والمعلومات الخاطئة وضعف الاتصال.
القائد الناجح يلعب دور الوسيط لحل الصراع عن طريق التفاوض والمناقشة المفتوحة وتبادل المعلومات مع الأطراف المتصارعة للوصول إلى أنسب الحلول والتي تضمن تضافر الجهود لمصلحة العمل والتواصل الفعال مع الأفراد وفرق العمل، وتعزيز القيم التنظيمية، وتحديد الأهداف والتركيز على العدالة في توزيع مهام العمل والمكافآت والحوافز وذلك من أجل تحقيق أهداف المنظومة ومواصلة مسيرتها وتقدمها.
nshowaiter98@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك