بعد ظهر أحد أيام الأحد، كان والد زوجتي على طريق لونغ آيلاند السريع في الولايات المتحدة يقود العائلة لحضور إحدى المناسبات. كانت حركة المرور يومها قليلة في طريق سريعة تكون عادة مزدحمة جدا. كان والد زوجتي يقود بسرعة جيدة.
ذات مرة، سألت حماتي: «عزيزتي، هل لديك أي فكرة إلى أين أنت ذاهبة؟» ضحكت وأجابت قائلة: «لا، لكننا نقضي وقتًا ممتعًا».
ضحك الجميع.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح «ليس لدي أي فكرة إلى أين نحن ذاهبون، لكننا نقضي وقتًا ممتعًا» تعبير يستخدم في عائلتنا لوصف جملة من المواقف التي كان فيها الناس يبحرون بشكل أعمى ومن دون اتجاه. وفي بعض الحالات، كان الأمر لا ينطوي على أي خطورة أو ضرر، وفي حالات أخرى، كانت النتائج كارثية.
لقد استخدمت هذا التعبير لوصف الحرب التي أشعل فتيلها جورج دبليو بوش في العراق أو عمليات القصف والغارات التي أمر باراك أوباما بتنفيذها في ليبيا. واليوم، يمكن تطبيق ذلك أيضاً على العدوان المدمر الذي تشنه إسرائيل على غزة ومواجهتها المتهورة مع إيران.
في مثل هذه المواقف، وفي غيرها نتذكر «مبدأ باول» الذي يتم الاستدلال به كثيرًا ولكن لم يتم اتباعه مطلقًا، والذي يحذر في جوهره من بدء حرب لا تعرف تكلفتها ولا عواقبها أو شروطها، وما لم تكن لديك استراتيجية للنهاية أو الخروج من الحرب.
لا بد أن نذكر في هذا الصدد بحقيقة أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول قد انتهك هو نفسه هذا المبدأ في الفترة التي سبقت الحرب الكارثية التي أشعلت فتيلها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.
بعد السابع من أكتوبر 2023، وبالإضافة إلى تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم كل أشكال الدعم اللازمة لإسرائيل، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من ارتكاب الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث نصحه بألا يدع غضبه يعميه عن إدراك العواقب أو العنف الذي سيزيد في مزيد تأجيج الكراهية.
لقد كانت تلك طريقة جو بايدن للتعبير عن المبادئ التي تكمن في صميم وجوهر مبدأ باول. لكن بعد ستة أشهر من تحذيره، من الواضح أن نتنياهو لم يستمع إلى تلك النصيحة أو يقيم لها وزنا وأن بايدن لم يحصل على الإجابة التي ترضيه.
لقد أزهقت إسرائيل حتى الآن أرواح أكثر من 34 ألف فلسطيني وأصابت أكثر من ضعف هذا العدد، كما دمرت معظم المباني والبنى التحتية في قطاع غزة، وحولت مدناً بأكملها إلى أنقاض.
ونتيجة لهذه الفظائع فقد اتُهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية والتسبب في مجاعة وشيكة. ومع ذلك، وعلى الرغم من المواقف الضعيفة المنتقدة التي تبديها الولايات المتحدة، فإنها تواصل بالمقابل تقديم كل الدعم لإسرائيل للمضي قدما في عدوانها على قطاع غزة.
يقول بعض المعلقين الإسرائيليين بشكل متزايد إنه حتى مع أهوال وفظائع الموت والدمار الذي أحدثته هذه الحكومة الإسرائيلية، فقد خسرت إسرائيل هذه الحرب ولم تهزم حماس.
وإذا كان من نتيجة حققتها إسرائيل فإنها ساهمت في نشأة حماس في نسختها الثانية. ويبدو أن انعدام الثقة تجاه إسرائيل قد ازداد ليس فقط بين الفلسطينيين وفي جميع أنحاء العالم العربي، ولكن أيضًا على مستوى العالم.
ولا تزال إسرائيل لا تعرف الكيفية التي يمكن أن تساعدها في الخروج من هذا الكابوس الذي خلقته ووضع حد لهذه الكارثة، وما الفائدة التي حققتها من الضرر الذي أحدثته.
ومع ذلك لا تزال إسرائيل تصر على مواصلة عدوانها.
منذ أشهر، ظل الرئيس جو بايدن يطرح على إسرائيل السؤال الذي كانت قد طرحته حماتي على وجه المزاح: «هل لديك أي فكرة إلى أين أنت ذاهب؟» لقد صاغ الأمر بشكل مختلف، وسأل نتنياهو عن «لعبته النهائية» أو «اليوم التالي» لحربه المدمرة في قطاع غزة.
لم يصل الرئيس جو بايدن إلى حد مطالبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتقديم إجابة شافية أو التهديد بوقف الدعم ما لم يتم التوصل إلى رد مرضٍ – لذلك فقد مض في عدوانه الذي قد لا يقوده إلى أي طريق.
وبعبارة أخرى يمكن أن نستخدم استعارات مختلفة في توصيف هذا الوضع الراهن نقول إن الحفرة قد أصبحت أكثر عمقا وأن ذلك لم يثن إسرائيل التي تواصل الحفر وهي لا تلوي على شيء.
وبالتزامن مع عدوانها على الفلسطينيين، كانت إسرائيل تهاجم إيران دون هوادة - من خلال الاغتيالات والتفجيرات السرية في البلاد والهجمات الاستفزازية ضد الإيرانيين في سوريا - مما أدى إلى رد طهران الخطير ورد إسرائيل المضاد.
لا بد مرة أخرى من التوقف وطرح السؤال الآتي: «هل لديك أي فكرة إلى أين أنت ذاهب؟».
يبدو أن هناك خللاً في تفكير بعض العرب بشأن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. في كثير من الأحيان، يفترض بعض المعلقين العرب أن كلا البلدين يعرفان بالضبط ما يفعلانه ولديهما مخطط كبير وراء تصرفاتهما التي تبدو غير عقلانية.
إن هذا الموقف المتمثل في إسقاط العقلانية على ما يعتبر سلوكًا غير عقلاني موضوعيًا يتولد من عقدة النقص لدى بعض الأشخاص الذين يفكرون بهذه الطريقة. ومن المفترض أن الغرب أذكى مما هو عليه ويحسب دائما. غالبًا ما يؤدي هذا التفكير إلى ظهور نظريات المؤامرة الجامحة.
في الواقع، وفي أغلب الأحيان، تتصرف كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بناءً على ما يزيد قليلاً عن حقيقة أنهما يريدان العمل ولديهما القدرة على القيام بذلك، دون أي خطة أو تفكير فيما يتعلق بالعواقب النهائية.
إن الخطر الذي يفرضه هذا السلوك، إذا ترك دون رادع، قد يؤدي إلى الاستنتاج التالي: إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة أو غير قادرة على التصرف كشخص بالغ في الغرفة وكبح جماح إسرائيل أو نفسها، فيجب على الدول الأخرى أن تتحرك.
فبدلاً من السماح لإسرائيل بالانجراف في حالة من الفوضى والسماح لحكومتها، وحكومة إيران، بإحداث الفوضى وخطر نشوب حرب أوسع نطاقاً في منطقة الشرق الأوسط، فإن التدخل مطلوب.
تحتاج الدول الأخرى، سواء في المنطقة أو على مستوى العالم، إلى طرح ذات السؤال الذي كانت حماتي قد طرحته: «هل لديك أي فكرة إلى أين أنت ذاهب؟» وإذا لم يتم التوصل إلى إجابة مناسبة، فيجب عليهم أن يطالبوا بإيقاف السيارة وتسليم المفاتيح - قبل أن ينتهي بنا الأمر جميعًا إلى الهاوية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك