اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
عصر الفتاوى
أثارت فتوي أدلى بها أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية الدكتور محمد عبد السميع حول وزن روح الإنسان جدلا واسعا حيث جاءت إجابته عن سؤال كيف يقبض ملك الموت أرواح الناس وأحيانا أكثر من روح في وقت واحد بأن الروح عبارة عن سر يسري في جسد الإنسان كما يسري الماء في العود الأخضر، مشيرا إلى أن هناك تجربة قام بها عالم فرنسي عن وزنها وتأكد أنها تعادل واحد جرام، مؤكدا أن الروح تخرج من القدم أولا ثم في النهاية تخرج من الرأس والعقل حتى تزول عن صاحبها الحياة ولا يمكن أن يعيده أحد إلى الوجود.
شخصيا لست من هؤلاء الذين يفتون في الفتاوى التي تخرج علينا بشكل يومي في هذا العصر، ولا ممن يملكون مؤهلات ذلك، ولكن في رأيي المتواضع ومع احترامي للدكتور محمد عبد السميع ولمنصبه الحساس لا أرى منطقا في فتواه هذه، الأمر الذي طرح في ذهني عدة تساؤلات أهمها:
كيف للعالم الفرنسي أن يقيس وزن الروح وهي الشيء الخفي غير الملموس؟!
وبأي وسيلة أو ميزان قام بذلك؟
ولو كان الأمر هكذا أين علماء المسلمين من هذا الإنجاز؟ ولماذا لم يقوموا بهذه التجربة منذ عصور طوال؟!
وأسئلة أخرى كثيرة ترد إلى عقل أي مطلع على هذه الفتوي ليس لها إجابات محددة أو شافية سوى الإيمان بمقولة الله سبحانه وتعالي: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
المدهش في هذا الخبر الذي تناول تلك الفتوى وتم تداوله عبر وسائل التواصل هو كم تلك التعليقات العجيبة عليه، والتي وصلت بدورها إلى حد الفتاوى، وذلك من قبل أناس لا يحملون حتى أدنى قدر من المعرفة أو الثقافة الدينية، حيث وجدنا كل من هب ودب يدلي بدلوه وكأنه داعية وعلامة عصره.
نعم، نقولها وبكل أسف، نحن اليوم نعيش عصر الفتاوى، في كل شيء، في الدين، والسياسة، والطب، والعلم، والطبخ و... وأي مجال، حتي تحول الإفتاء إلى صناعة، وإلى وسيلة لتحقيق الشهرة، وإلى جسر لركوب الترند، وإلى باب للاسترزاق ، وهذا ما أسهمت فيه بصورة خطيرة وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع بإصدار أول ميثاق للفتوى في التاريخ الإسلامي بمكة المكرمة والذى نأمل الالتزام به بشدة حتى ولو بقوة القانون إن تطلب الأمر.
اليوم هناك جدل على الساحة المصرية حول مشروع قانون مطروح على البرلمان المصري يقضي بتجريم الافتاء من دون رخصة، وذلك للتصدي إلى ما تفعله تلك الفتاوى العشوائية والظلامية في كثير من الأحيان من تهديد لاستقرار المجتمع من خلال ما تبثه من ثقافة التخويف واستدامة التجهم ونشر مظاهر الكآبة وتضييق أبواب الأمل وسيطرة حالة التيئيس والكراهية علي البشر حتي درجة تدمير الذات أو قتل النفس بالانتحار.
نعم، قوة القانون هي فقط القادرة في هذا الزمان علي إيقاف آلة الفتاوى الشرهة التي باتت لا تتوقف عن الدوران على مدار الساعة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك