العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

إبليس مع ولد العبابيس

على‭ ‬الأقل‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬يوسوس‭ ‬لي‭ ‬إبليس‭: ‬ليش‭ ‬ما‭ ‬تحاول‭ ‬تصير‭ ‬رئيسا‭ ‬لبلادك؟‭ ‬وما‭ ‬يشجع‭ ‬ابليس‭ ‬على‭ ‬الوسواس‭ ‬الخناس‭ ‬المتكرر‭ ‬معي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استدرج‭ ‬كثيرين‭ ‬للجلوس‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬ولم‭ ‬يخيبوا‭ ‬ظنه‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬ومارسوا‭ ‬كل‭ ‬صنوف‭ ‬العك‭ ‬التي‭ ‬أوصلت‭ ‬البلاد‭ ‬الى‭ ‬حال‭ ‬الحرب‭ ‬الراهنة،‭ ‬ولكن‭ ‬إبليس‭ ‬يحاول‭ ‬استدراجي‭ ‬الى‭ ‬سدة‭ ‬الرئاسة‭ ‬بتذكيري‭ ‬بأن‭ ‬لي‭ ‬المواصفات‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬الحكام‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬البركات‮»‬‭ ‬وأنني‭ ‬فعلا‭ ‬‮«‬سي‭ ‬دي‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬سيدي‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭.‬

ومصداقا‭ ‬لما‭ ‬يقوله‭ ‬إبليس‭ ‬الخسيس،‭ ‬تقول‭ ‬مصادر‭ ‬شبه‭ ‬موثوق‭ ‬بها‭ ‬إن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬كان‭ ‬مصابا‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬بالتهاب‭ ‬حادّ‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬أذنيه‭ ‬لأشهر‭ ‬طويلة،‭ ‬وبفضل‭ ‬الرعاية‭ ‬الطبية‭ ‬الممتازة‭ ‬بدأت‭ ‬الأذن‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الحمم‭ ‬والبراكين‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬وأدى‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬نفور‭ ‬الأطفال‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬الروائح‭ ‬المنفرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬الأذن‭ ‬المصابة،‭ (‬والله‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬سمعتها‭ ‬مرارا‭ ‬من‭ ‬أمي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬حدثت‭ ‬المعجزة،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أداعب‭ ‬قطة‭ ‬صغيرة،‭ ‬وأمسكت‭ ‬بقدمها‭ ‬الأمامية‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬حك‭ ‬أذني‭ ‬المهترئة‭ ‬بمخالبها‭ ‬حتى‭ ‬نزفت‭ ‬دما‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬لذكرها،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القارئ‭ ‬قد‭ ‬فرغ‭ ‬على‭ ‬التو‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬وجبة،‭ ‬وحرام‭ ‬أن‭ ‬أتسبب‭ ‬في‭ ‬اندفاع‭ ‬ما‭ ‬أكله‭ ‬عبر‭ ‬فمه،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬شفيت‭ ‬أذني‭ ‬تماما‭. ‬أي‭ ‬والله‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران‭. ‬اختفى‭ ‬الالتهاب‭ ‬واختفت‭ ‬معه‭ ‬‮«‬السوائل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الأذن،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬اعتبرني‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران‭ ‬مبروكا‭ ‬ومن‭ ‬أصحاب‭ ‬الكرامات،‭ ‬ولازمني‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬جعفر‭ ‬الطيار‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬بلوغي‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة‭ ‬من‭ ‬مسيرتي‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬المحرومات‭ ‬من‭ ‬الإنجاب‭ ‬كنّ‭ ‬يقدمن‭ ‬لي‭ ‬الحلوى‭ ‬ويتمسحن‭ ‬بي‭ ‬طلبا‭ ‬للمعجزات،‭ ‬وإن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬تطلقت‭ ‬من‭ ‬زوجها،‭ ‬وفقدت‭ ‬بذلك‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الإنجاب‭ ‬نهائيًا،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬بررن‭ ‬عدم‭ ‬الإنجاب‭ ‬بأنهن‭ ‬لم‭ ‬يقدمن‭ ‬لي‭ ‬هدايا‭ ‬عليها‭ ‬القيمة‭.‬

ما‭ ‬عزز‭ ‬مكانتي‭ ‬الإعجازية‭ ‬والكرامية‭ ‬والبركاتية‭ ‬أن‭ ‬جدّي‭ ‬لأمي‭ ‬كان‭ ‬معلما‭ ‬للقرآن‭ ‬ويداوي‭ ‬الناس‭ ‬به،‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقسمون‭ ‬بـ«تُرْبته‮»‬‭ ‬أي‭ ‬قبره،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يقدمون‭ ‬إليه‭ ‬النذور،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أسلاف‭ ‬جدي‭ ‬ذاك‭ ‬مدفونون‭ ‬في‭ ‬قباب‭ ‬وأضرحة‭ ‬يزورها‭ ‬العوام‭ ‬ويتمسحون‭ ‬بترابها‭ ‬طلبا‭ ‬للبركة‭ ‬والعافية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬تفترض‭ ‬تلك‭ ‬الجماهير‭ ‬الوفية‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬مبروك‮»‬‭ ‬بالوراثة،‭ ‬طالما‭ ‬أنا‭ ‬فرع‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬‮«‬مباركة‮»‬‭ ‬ولكنها‭ ‬صدمت‭ ‬عندما‭ ‬التحقت‭ ‬بالمدارس‭ ‬النظامية‭ ‬لدراسة‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والتاريخ‭ ‬والكيمياء،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬قررت‭ ‬دخول‭ ‬الجامعة‭ ‬حتى‭ ‬أشاعوا‭ ‬أنني‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬شيوعيا‮»‬‭ ‬وجردوني‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الكرامات‭ ‬والبركات،‭ ‬وصرت‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬جعفر‭ ‬الطيار،‭ ‬وانتهى‭ ‬بي‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬صرت‭ ‬‮«‬حتة‭ ‬موظف‮»‬‭ ‬أتلطش‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬طلبا‭ ‬للرزق‭.‬

وقد‭ ‬قررت‭ ‬الآن‭ ‬مراجعة‭ ‬موقفي‭ ‬وإحراق‭ ‬شهاداتي‭ ‬الأكاديمية‭ ‬واسترداد‭ ‬بركاتي‭ ‬الوراثية‭ ‬وسجادة‭ ‬جدّي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬السوق‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أمثالي‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يجمعون‭ ‬بين‭ ‬عنصري‭ ‬الوراثة‭ ‬والدراسة،‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنجيم‭ ‬وإعداد‭ ‬‮«‬العمل‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬حالة‭ ‬باستخدام‭ ‬جيناتي‭ ‬الوراثية‭ ‬والانترنت،‭ ‬مما‭ ‬سيضفي‭ ‬عليّ‭ ‬هيبة‭ ‬إضافية‭ ‬ويؤهلني‭ ‬لأكون‭ ‬دجالا‭ ‬عصريا‭ ‬يرتدي‭ ‬الجاكيت‭ ‬والكرافتة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬الجن‭ ‬و«السوفت‭ ‬وير‮»‬‭ ‬والضب‭ ‬الأعور‭ ‬و«الماوس‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬شجعني‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الغرب‭ ‬باتوا‭ ‬يتبعون‭ ‬لملل‭ ‬ونحل‭ ‬وطوائف‭ ‬شرقية‭ ‬تبشر‭ ‬بنهاية‭ ‬الكون‭ ‬في‭ ‬تواريخ‭ ‬معلومة‭ ‬‮«‬متكررة‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬قررت‭ ‬استثمار‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭.‬

وقد‭ ‬أوردت‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬تقريرا‭ ‬صادرا‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬محترم‭ ‬للدراسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬ينفقون‭ ‬نحو‭ ‬18‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويا‭ ‬على‭ ‬الدجالين،‭ ‬وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬صحيفة‭ ‬عملت‭ ‬بها‭ ‬كلفتني‭ ‬لحين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬بكتابة‭ ‬عمود‭ ‬الأبراج‭ (‬فسببت‭ ‬للقراء‭ ‬هلعا‭ ‬جعلهم‭ ‬ينصرفون‭ ‬الى‭ ‬صحف‭ ‬أخرى‭ ‬تبشر‭ ‬أبراجها‭ ‬بالسعد‭ ‬والرغد‭).. ‬يعني‭ ‬عندي‭ ‬‮«‬خلفية‮»‬،‭ ‬ولو‭ ‬اختفيت‭ ‬عن‭ ‬الانظار‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬ونزلت‭ ‬السوق‭ ‬خبيرا‭ ‬في‭ ‬تكتيف‭ ‬الأزواج‭ ‬ذوي‭ ‬العيون‭ ‬الزائغة،‭ ‬وفكّ‭ ‬العنوسة،‭ ‬واختصاصيا‭ ‬في‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬بزعم‭ ‬ان‭ ‬لي‭ ‬قدرات‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬المرأة‭ ‬تنجب‭ ‬وهي‭ ‬فوق‭ ‬الستين،‭ ‬فسيكون‭ ‬نصيبي‭ ‬‮«‬بالميت‮»‬‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المليارات،‭ ‬وعلى‭ ‬بال‭ ‬ما‭ ‬يكتشف‭ ‬الناس‭ ‬أنني‭ ‬آدمي‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الـ«وسواس‭ ‬خناس‮»‬،‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬هاجرت‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭ ‬كمستثمر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا