اتفق المراقبون الغربيون على أن التصعيد الأخير بين «إسرائيل»، و«إيران»، يشكل سابقة خطيرة للصراع المستقبلي بين البلدين المتنافستين في المنطقة. ومع انخراطهما فيما وصفه «جيريمي بوين»، من شبكة «بي بي سي»، بـ«اللعبة القاتلة»، التي تترك الشرق الأوسط برمته على شفا «التصعيد الكارثي»، فقد حث القوى الإقليمية والدولية على حد سواء على توخي «الحذر». وتحدث وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» عن ضرورة إظهار كل منهما «القوة والحكمة» لتجنب الكارثة. وفي الخليج، دعت السعودية، والإمارات إلى «ضبط النفس».
ومع ذلك، فإن مصالح المجتمع الدولي، أو الشرق الأوسط الأوسع، أو حتى أمن إسرائيل على المدى الطويل، على ما يبدو ليست من أولويات «بنيامين نتنياهو»، الذي يبقى تشبثه بالسلطة على رأس ائتلافه اليميني المتطرف، هو شغله الشاغل، خاصة وأن إقالته من منصبه من شأنها تمهيد الطريق لمحاسبته عن جرائم الفساد السياسي المنسوبة إليه. وعليه، رأى المحللون أن «الحرب على غزة»، فضلا عن «التصعيد الأخير مع إيران»، يأتيان كـ«طوق نجاة»، و«شريان حياة»، له للاحتفاظ بالسلطة، وتعزيز مكانته السياسية، حتى مع انهيار شعبيته بين المواطنين.
وبالإشارة إلى أنه يحاول الحفاظ على مكتسباته، ومصالحه الشخصية بشتى الطرق، فإن ذلك يعد «عاملا حاسما»، فيما إذا كان التصعيد الإقليمي سيتفاقم أم لا. وعلى الرغم من أن «إدارة بايدن»، قد نأت بنفسها عن دعم الرد الإسرائيلي المسلح على الانتقام الإيراني؛ فإن ضعف النفوذ الأمريكي خلال حرب غزة، ينذر بأن ائتلاف نتنياهو، قد يشن هجوما مرة أخرى دون أي اعتبار لتداعياته الأوسع نطاقا. ووصفه «واير ديفيز»، من شبكة «بي بي سي»، بأنه لطالما «نجا بحنكة» من الاضطرابات السياسية الداخلية.
وعلى الرغم من محاكمته بتهم الفساد التي كان من شأنها عرقلة المسيرة المهنية لأي سياسي آخر؛ فقد تمكن من تشكيل حكومة عقب الانتخابات الإسرائيلية في نوفمبر2022، وإن كان ذلك من خلال الشراكة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، بما في ذلك التي يقودها المستوطنون القوميون المتطرفون، مثل «إيتمار بن غفير»، و«بتسلئيل سموتريش». ورأى «شالوم ليبنر»، من «المجلس الأطلسي»، أنه قدم «استراتيجية متعددة الأبعاد»، «لاحتضان التحالف الصهيوني الديني كشريك»، حتى يتمكن شخصيا من «الخروج» بمنأى عن الفضيحة السياسية.
ومع ذلك، فإن فشل أجهزة «نتنياهو» الاستخباراتية في توقع هجوم السابع من أكتوبر، وأسلوب تعامله مع حرب غزة؛ كانا بمثابة الضربة القاضية لما بقي من مصداقيته على المستويين المحلي والدولي. وفي استطلاع للرأي أجري في نوفمبر 2023، رأى أقل من 4% من اليهود الإسرائيليين أنه لا زال يعد مصدرا موثوقا للكشف عما يجري في حرب غزة رغم إخفاقاته في إحراز أي نصر، وفي بداية عام 2024، أراد 15% فقط من الإسرائيليين أن يحتفظ بسلطاته بعد انتهاء الحرب. ومع قيام الداعمين العسكريين والاقتصاديين والدبلوماسيين الرئيسيين لإسرائيل في الغرب أيضًا بتكثيف انتقاداتهم العلنية لاستراتيجيته، وتزايد الدعوات إلى تقليص الدعم له، رأى «آرون ميلر»، و«آدم إسرائيليفيتز»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، أنه «محاصر»، ويواجه «اختبارا بشأن حياته السياسية»، للبقاء في السلطة.
وعلى الرغم من ذلك، أوضح «غرايم وود»، في «مجلة أتلانتيك»، أن سلسلة التصعيد الأخيرة مع إيران، والتي بدأت بالغارة الجوية الإسرائيلية على المجمع الدبلوماسي لطهران في دمشق في أوائل أبريل، كانت بمثابة «هدية» لرئيس الوزراء «البائس». وفي حين أشار «سنام فاكيل»، و«بلال صعب»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، إلى أن إطلاق إيران لحوالي 300 مسيرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، «غيّر شروط الاشتباك القائمة منذ فترة طويلة» بين البلدين، وأظهر «نهجًا أكثر حزما» من جانب طهران؛ فقد رأى «وود»، أن نتنياهو رغم ذلك، يمكن أن يُنسب إليه الفضل في «صد الهجوم الأكثر أهمية في تاريخ إسرائيل».
وتأكيدًا لهذا التحليل، رأت «ميراف زونسزين»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، أن التوترات بين البلدين كانت بمثابة «شريان حياة»، لنتنياهو على المستوى الدولي؛ حيث استعاد «دعم الغرب» مرة أخرى، ولو بشكل مؤقت، فضلًا عن أنها «صرفت الاهتمام العالمي»، بعيدا عن الكارثة الإنسانية المستمرة التي خلفتها حكومته في غزة، مضيفة أنه على الرغم من وجود إجماع داخل دوائر التحليل العسكري الإسرائيلية على أن الضربة الأولية على «دمشق»، كانت «سوء تقدير»، وأن نتنياهو «رأى فيها فرصة استغلها دون النظر في جميع تداعياتها»؛ فإن هذا كان له «جانب إيجابي واضح بالنسبة إلى إسرائيل»، لم يقتصر على تقليل «عزلتها الدبلوماسية» عن واشنطن فحسب، بل أيضًا استعادة أهمية التنافس مع إيران، كسبب لاستمرار احتلال غزة وتدميرها.
ومع تعزيز سلطته مرة أخرى في الداخل، وحصوله على دعم غربي متجدد؛ سلط «ديكستر فيلكنز»، في «مجلة نيويوركر»، الضوء على أن «السؤال الأهم» في هذه الأزمة، هو «كيف سترد إسرائيل» على هذا التصعيد مع إيران؟ وعلى الرغم من أن «واشنطن»، رفضت الانضمام إليها في أي هجوم مضاد، وحثتها على «التفكير مليًا» في عواقب ذلك؛ فقد حذر وزير الخارجية البريطاني اللورد «كاميرون»، من أن حكومة نتنياهو «سوف تتخذ قراراتها بنفسها»، و«ستفعل كل ما هو ضروري»، لمواجهة جميع التهديدات الإيرانية. وعليه، أوضح «ستيفن والت»، من جامعة «هارفارد»، أن الغرب لديه «نفوذ أقل» للسيطرة على تصرفات إسرائيل.
وفي حين استشهد «فيلكنز»، بالقاعدة الأساسية التي تبنتها إسرائيل منذ قيامها عام 1948، والتي تقضي بضرورة «الانتقام من كل هجوم عليها، وبأشد قوة ممكنة غالبا»؛ فإن العالم كان ينتظر ليرى ما ما هي طبيعة ردها على إيران، حتى من دون الحصول على إذن غربي. وأوضحت «كورتني كوبي»، و«مونيكا ألبا»، و«موشيه جاينز» من شبكة «إن بي سي»، أنه استنادا إلى شهادات مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية، فإن الجيش الإسرائيلي قادر على شن «ضربات للمصالح الإيرانية خارج حدود إيران»، وأن مثل هذا العمل قد يكون «وشيكاً». كما أن حقيقة تعهد «طهران»، نفسها بالرد على أي رد إسرائيلي، بشن عمل عسكري «أكبر بكثير وأشد قوة» من جانبها، هي دليل على حجم «العواقب الوخيمة»، التي لن تطال البلدين فحسب، لكن سيكون لها تداعياتها على كل الديناميكيات الأمنية الأوسع في المنطقة.
وحتى لو لم ترد إسرائيل بمزيد من القوة العسكرية، فقد أوضح «وود»، أن الهجوم الإيراني يعد «انتصارا»، لنتنياهو شخصيا. ومن وجهة نظره، فإن رفض الأمريكيين تقديم أي دعم له للانتقام من طهران يعفيه من «الالتزام» بالرد بمفرده. ومع استعادة الدعم الأمريكي والبريطاني لحربه مجددا، فلم يكن مضطرا إلى شن هجوم كبير على إيران، وذلك لإطالة أمد حربه المستمرة على غزة. واتفقت «زونسزين»، مع ذلك، وأكدت أن التصعيد الأخير سيساعده على «الاستمرار في التهديد بغزو رفح»، بالتزامن مع الحفاظ في الوقت نفسه على «مظهر الاستمرار بالمفاوضات لوقف إطلاق النار».
واستمرار، رأى «إميل حكيم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أنه في مقابل عدم الانتقام من إيران، يمكن لنتنياهو أن يتفاوض مع «واشنطن»، للسماح له بغزو رفح، على الرغم من وجود أكثر من مليون مدني فلسطيني يحتمون فيما تبقى من أطلال المدينة. ومن وجهة نظره، فإن الهجوم الإيراني برمته يمثل «انتصارًا مؤكدا لسياسة رئيس الوزراء اليمينية، لكنه حذر من أن الشعور «بهذا الانتصار»، من شأنه أن يجعله «أكثر رغبة في تجنب المزيد من المخاطرة في الرد». وبسبب هذه الديناميكية، حذر أيضا من أن «الخطوة الأكثر خطورة حتى الآن في هذا الصراع المعقد عالي المخاطر بين إسرائيل وإيران، لم تأت بعد».
ومع تلاشي انتقادات الحكومات الغربية لسلوك إسرائيل في غزة في الفترة الأخيرة، وتعهد «واشنطن»، و«لندن»، و«برلين»، وغيرها بمضاعفة دعمها العسكري لها؛ رأى «زونسزين»، أن العالم الآن «ينتظر ليرى ما إذا كانت ستشن هجوما مضادا على إيران. وفي حين أوضح أنها ليست بحاجة إلى الرد بالقوة على الهجمات التي تم إحباطها؛ إلا أن «وود»، استشهد بـ«عدم كفاءة» القادة الإسرائيليين طوال فترة حرب غزة، معتبرا أن نتنياهو وحلفاءه «يبحثون باستمرار عن مراوغات جديدة ومبتكرة»، لغض الطرف عن هذا الإخفاق»، ومن ثمّ، يمكن التذرع بأن عدم الرد يأتي من باب الرضوخ لرأي العقل والحكمة الاستراتيجية، مؤكدا أيضا أنه مع كون «نتنياهو»، «بارعا في الحفاظ على مصالحه الشخصية»، إلا أن تأثير نجاحاته السياسية المتمثلة في استهداف أحد القادة الإيرانيين رفيعي المستوى في سوريا، ثم اعتراض الردة الانتقامية الإيرانية بمساعدة حلفائه الغربيين، سيكون «قصيرًا».
من جانبه، أوضح «أوربان كونينغهام»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن الجيش الإسرائيلي لا يزال عالقا في «مأزق لا يمكن الدفاع عنه في غزة»، وأنه مع وجود حوالي 130 رهينة لا يزال مصيرهم في عداد المفقودين، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيجد نفسه قريبا تحت الضغط من أجل تحقيق نتائج ملموسة مرة أخرى على أرض الواقع. وفي مثل هذه الحالة، فإن خيار التصعيد مع «طهران»، هو بمثابة وسيلة بالنسبة إليه «للحفاظ على الدعم الشعبي، والحفاظ على ائتلافه متماسكًا، ومن ثمّ، ضمان بقائه السياسي في منصبه».
على العموم، يظهر التصعيد الحالي مع إيران، كشريان حياة آخر لنتنياهو للبقاء في السلطة، حيث إن إثارة مثل هذه التوترات الخارجية تمكنه من تخفيف حدة الضغوط الدولية والخارجية المتزايدة عليه بسبب حربه في غزة وتهديده بغزو رفح. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل المخاطر التي ينطوي عليها هذا التصعيد على الأمن الإقليمي، حيث من الممكن أن يفتح بابًا لموجة جديدة من العنف والصراعات في المنطقة بأكملها، فضلا عن تهديد الاستقرار العالمي.
ومع استخدام رئيس الوزراء الإسرائيلي لكل التكتيكات المتاحة مسبقًا للحفاظ على سلطته، فإنه سيستمر في مواصلة حماية نفسه، ومن ثمّ، لا يمكن استبعاد أي شيء قد يحدث في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك