ما أطلق عليه الضربة الإيرانية لإسرائيل لم تكن ضربة بالمعنى الحقيقي بل كانت تمرينا بالأسلحة الحية، الجميع كان يعلم مسبقا بكل تفاصيله، بتوقيته ومدته الزمنية والأسلحة التي ستستخدم ومراحله خطوة بخطوة. وكأن الجميع عمل من غرفة العمليات العسكرية نفسها. ومع ذلك هناك حدث حصل بغض النظر أنه حدث تكتيكي بامتياز، فإن هناك من هو رابح ومن هو خاسر، وهو ربح وخسارة نسبية بطبيعة الحال، أكبر الرابحين هي الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها أولا: أثبتت أنها المايسترو الذي تحت مظلته يعزف الجميع، فهو الذي يضبط إيقاع تحركات الأطراف ولا غنى للجميع عنه، بمن فيهم إيران، فالشرطي الأمريكي، هو من يحدد هوامش مناورات كل طرف، وثانيا: إن كل من هو تحت مظلة الحماية الأمريكية، يتلقى الحماية، بالطبع في طليعة هؤلاء إسرائيل التي يعتبر أمنها مسألة إستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما.
أما الرابح الثاني فهي إسرائيل التي أولا، تمتلك بلا شروط مظلة الحماية الأمريكية، بالإضافة إلى أنها أثبتت أن المتطور تكنولوجيا هو من يتحكم بالمشاهد، وثانيا: إسرائيل استفادت سياسيا لأنها استعادت التضامن القوي معها، بالإضافة إلى أنها باتت تمتلك شرعية الرد إذا ما أرادت وسمحت لها واشنطن، والأهم أنها، ولو إلى حين تخلصت من الضغوط المتعلقة بحرب الإبادة التي تقوم بها في غزة. وثالثا: لم تنجح الضربة بإجبار إسرائيل على منع تفردها بقطاع غزة. من الرابحين تأتي الدول التي شاركت في التصدي وهي بريطانيا، فرنسا والأردن وربما دول أخرى كان لها دور ولكن لم تظهر بالمشهد مباشرة.
تبقى إيران هي في موقع بين الرابحين والخاسرين، فهي قامت بالرد لكن ردها لم يغير الكثير في المعادلات وموازين القوى، فمن جانب بإمكانها أن تدعي أنها ردت وتقول إنها تخطت أحد الخطوط الحمر عبر مهاجمة إسرائيل مباشرة من أراضيها، بالرغم من أن الهجوم جاء ضمن ترتيبات تم الاتفاق بشأنها مع واشنطن، كما أنه لم يسبب أي أذى لإسرائيل. أما باقي أطراف محور المقاومة فحاله مثل حال إيران لم تربح ولم تخسر، ولكن مع ذلك هم في مأزق لأن الرد الإيراني لم يخرج من تحت عباءة المايسترو الأمريكي، وبالتالي ليس هناك محور مقاومة حر القرار أو مطلق اليدين يمكنه أن يفعل ما يشاء.
أما الخاسرون فيأتي في المقدمة قطاع غزة، الذي قبل الهجوم الإيراني كانت إسرائيل ونتنياهو شخصيا في عزلة ويواجه ضغوطا حقيقية لوقف الحرب، فاليوم انتقل التضامن مع إسرائيل، فالدول السبع الكبرى، بالإضافة إلى عدم تحمس روسيا للضربة، فما حصل قلب عمليا المزاج الدولي المتعاطف مع غزة إلى مزاج مجند للدفاع عن إسرائيل ورفض أي اعتداء عليها، يأتي من ضمن الخاسرين العرب بشكل عام، فالرد الإيراني ومن واجهوه كلهم تقاتلوا في الأجواء العربية. أما الفلسطينيون وبشكل عام ليس من مصلحتهم أن ينشغل العالم في أزمة كبيرة في وقت هناك حكومة فاشية في إسرائيل قد تستغل الفرصة إما لإطلاق يد المستوطنين لممارسة الوحشية ضد الفلسطينيين في الضفة، وإما أنها قد تحاول تهجير المواطنين الفلسطينيين من قطاع غزة.
وبغض النظر كيف ومتى سيأتي الرد الإسرائيلي على إيران، فإن اندلاع حرب إقليمية شاملة في المنطقة هو أمر خطير ليس فقط لشعوب المنطقة وإنما قد تتدحرج الأمور إلى حرب عالمية ثالثة. حرب إقليمية ستلحق بدول وشعوب المنطقة دمارا كبيرا، وخسائر بشرية واقتصادية هائلة. وقد تعود معظم الدول مئات السنوات إلى الوراء مع مثل هذا التطور إن حصل فالجميع سيكون خاسرا حتى لو انتصر في الحرب. كما أن الاقتصاد العالمي سيتأثر بشكل خطير، خصوصا أن المنطقة هي مصدر الطاقة الأهم، بالإضافة إلى كونها تستحوذ على الممرات المائية الأكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية سواء للتجارة العالمية أو للأغراض العسكرية. ربما لكل ذلك، وللخطورة الكبيرة فإن أحدا لا يسعى فعليا إلى الذهاب إلى حرب إقليمية لن يكون فيها رابح حقيقي.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك