في 13 أبريل 2024، شنت «إيران»، بواسطة مئات الصواريخ والطائرات المسيرة، أول هجوم مباشر لها ضد إسرائيل، ردا على الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مجمعا دبلوماسيا إيرانيا بدمشق في الأول من أبريل، وأسفرت عن مقتل قائد كبير في الحرس الثوري، وبعض مساعديه، الأمر الذي جعل المراقبين الغربيين يعربون عن مخاوفهم من نشوب صراع كبير بين خصمين رئيسيين يمتلكان القدرات، قد تطال أثاره بقية المنطقة.
ودعما لهذا التقييم، وصف «جاك ديتش»، و«روبي جرامر»، في مجلة «فورين بوليسي»، هذه العملية بأنها «أخطر لحظة في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة». في حين حذر «جوليان بورجر»، في صحيفة «الجارديان»، من أن مصير المنطقة، «معلق بين شقي الرحى»، بينما ينتظر العالم ليرى ما إذا كان الائتلاف اليميني بزعامة «بنيامين نتنياهو»، سيرد بمزيد من الانتقام، وبدوامة تصعيد خارجة عن السيطرة أم لا».
وبعد ما يقرب من أسبوعين من الغارة الجوية الإسرائيلية -المذكورة أعلاه -على دمشق، والتي كانت في حد ذاتها جزءًا من حملة أوسع من الهجمات الخارجية لاستهداف كبار المسؤولين الإيرانيين أو المرتبطين بهم؛ لم يكن رد «طهران»، «مفاجئًا»، حيث أكدت مرارا أن هجوم دمشق لا يُمكن أن يمر دون رد. وأشار «جيريمي بوين»، من شبكة «بي بي سي»، إلى الكيفية التي تم بها التعبير عن نيتها في الرد بقوة من خلال «تصريحات قيادتها التي لا لبس فيها»، وهو الأمر الذي أعطى أيضا لإسرائيل وحلفائها «الكثير من التحذير»، وبالتالي الوقت للاستعداد. ومع ذلك، أشار إلى أن الهجوم النهائي، الذي شمل ما يقرب من 300 مسيرة وصاروخ تم إطلاقها -ليس فقط من الأراضي الإيرانية، ولكن أيضًا من اليمن، والعراق، ولبنان-كان «أكبر»، مما توقعه عديد من المحللين الغربيين.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل اعتراض جميع المقذوفات تقريبًا بمساعدة الأمريكيين، والبريطانيين، والفرنسيين، ودول إقليمية أخرى -مع وصف «دانييل بايمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» و«كينيث إم بولاك»، من معهد «أمريكان إنتربرايز»، مشاركة الأردن بأنها تحول «استثنائي» -فقد تم الاعتراف بأن آثار هذه الواقعة عميقة للغاية بالنسبة إلى الديناميكيات الأمنية المستقبلية في الشرق الأوسط.
ورأى «ويليام ويشسلر»، من «المجلس الأطلسي»، أن الرد الإيراني «كان يهدف بوضوح إلى ردع إسرائيل عن استهداف منشآتها الدبلوماسية مرة أخرى»، مع رغبتها «في عدم رؤية منشآتها الدبلوماسية جزءًا من ساحة المعركة». ووافق «بوين»، على أنها «أرادت استعادة شعور الردع الذي فقدته عندما هاجمت إسرائيل المجمع في دمشق». وامتدادًا لعنصر الردع هذا، أشار «ويشسلر»، إلى كيف أن هذا الرد يؤسس أيضًا «سابقة جديدة» لكيفية امتلاكها بالفعل القدرة على تهديد إسرائيل بشكل مباشر بمسيراتها وصواريخها، وهو ما اعتبره «سيغير طبيعة الصراع المستمر» لصالحها.
وعلى المدى القصير، أثارت الهجمات المتبادلة والانتقامية بين «إسرائيل»، و«إيران»، تحذيرات من تصعيد خارج عن السيطرة، يمكن أن يؤدي إلى صراع على مستوى المنطقة. وأعرب «مات دوس»، من «مركز السياسة الدولي»، عن أسفه لكيفية وجود المنطقة والعالم الأوسع في وضع بحيث «ينشد الجميع أن تتصرف إيران بمزيد من العقلانية وضبط النفس عن إسرائيل.»
علاوة على ذلك، تم تأكيد دور القوى الغربية التي ساعدت إسرائيل، وأبرزها «الولايات المتحدة» في تهدئة المخاوف التصعيدية من خلال حث «نتنياهو»، على عدم الرد بالقوة على هذه الهجمات. ورأى «بوين»، أنه على الرغم من أن «واشنطن»، لطالما ساعدت إسرائيل «بشكل كبير»، وأكدت دعمها اللامحدود لها؛ فقد طالبتها هذه المرة بضبط النفس».
وفي الوقت نفسه، أوضح «بورجر»، كيف كانت «إيران»، تأمل في توجيه «رد هجومي غير ناجع»، لاسيما وأنها أشارت بوضوح إلى نيتها الانتقام قبل أسابيع، ثم أرسلت صواريخ وطائرات مسيرة من مسافة طويلة، وفقا لتقييم «ويشسلر»، وهي تدرك تماما أن هجماتها «يمكن إحباطها بسهولة من خلال الدفاعات الإسرائيلية». ولعل حقيقة أنها «لم تستهدف بشكل واضح أي منشآت أمريكية»، تُظهر أنها «أرسلت إشارة لا لبس فيها»، أنها تريد تجنب المزيد من التصعيد، الذي يمكن أن يشعل حربًا إقليمية. وأوضح «بوين»، أيضًا أن طهران من الآن فصاعدا «لن تصعد مواقفها إلا إذا تعرضت لهجوم أكثر قوة مرة أخرى».
بالإضافة إلى ذلك، تمت الإشارة إلى الأصوات الغربية الداعمة لإسرائيل -على الرغم من تدميرها لقطاع غزة، وخلق أزمة إنسانية كبرى -والتي دعت إلى الانتقام من إيران دفاعا عن إسرائيل، بمساعدة واشنطن. وانتقد «ريتشارد غولدبرغ»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، والذي عمل سابقاً في مجلس الأمن القومي الأمريكي، «سياسات بايدن الرامية إلى استرضاء إيران»؛ بسبب السماح لها بشن هجوم واسع النطاق على إسرائيل دون مواجهة أي عواقب». وفي هذا الصدد، أوضح «ديتش«، و«جرامر»، أن كبار المسؤولين في كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، طالبوا بوضع تشريعات جديدة لتعزيز الإنفاق الدفاعي الأمريكي لمساعدة إسرائيل.
ومع ذلك، رفض العديد من المراقبين والخبراء الغربيين هذه الإجراءات، باعتبارها قد تؤدي إلى تفاقم التصعيد. ووصف «ويشسلر»، الدعوة إلى تعزيز المساعدة الأمريكية لإسرائيل عبر تنفيذ ضربات مسلحة ضد طهران، بأنها «متهورة، وحمقاء بقدر ما تفتقد إلى الحكمة».
ولا شك أن تفاقم التوترات الإقليمية بين إسرائيل وإيران لها عواقب إقليمية على كل البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لاسيما أنه مع تخطيط «نتنياهو»، لتنفيذ هجوم على رفح في غزة، فإن الكيفية التي سترد بها «إيران»، ووكلاؤها على هذا الهجوم العسكري الذي يستهدف المدنيين الفلسطينيين، قد يشكل عنصرًا آخر يؤدي إلى تفاقم التوترات.
وعلى نطاق أوسع، أصبحت قوة الردع الأمريكي في المنطقة «محل شك»؛ بسبب الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي شنتها إيران دون عواقب. وسلط «ويشسلر»، الضوء على كيف أثبتت الأخيرة أنها «قادرة على تهديد إسرائيل بشكل مباشر دون إثارة رد عسكري أمريكي»، وبالتالي فإن أفعالها تهدف إلى حث حلفاء أمريكا الآخرين، على «استخلاص درس مفاده أنه لا ينبغي لهم أن يعتمدوا على مظلة أمنية أمريكية غير موثوقة وغير فعالة».
ومع إشارة «بورجر»، إلى أن عملية اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي تم إطلاقها باتجاه إسرائيل كانت من خلال «تحالف تم تشكيله على عجل»، وليس آلية مواجهة كانت معدة جيدًا سابقًا؛ فقد أوضح «بايمان»، و«بولاك»، أن الديناميكية المهيمنة لضبط هذا التصعيد هي اعتقادهما بأن «المنطقة معرضة للخطر من دون الولايات المتحدة، ومن دون مشاركتها فإن أمان المنطقة والاستقرار الإقليمي سيكون «محاطا بالأخطار المحدقة بشكل لا يمكن التنبؤ به».
وبعيدا عن الشكوك التي تدور حول دور الولايات المتحدة في المنطقة، فإنه يبقى واضحا أن طهران، في تقييم «ويشسلر»، «أصبحت راضية تمامًا عن الوضع الراهن في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر»، وهو الوضع الذي يقول «إنها تستفيد منه بشكل كبير». ومع تقدم برنامجها النووي «دون عوائق»، تزامنًا مع «انسحاب واشنطن من المنطقة»، حتى تتمكن من تعزيز مجال نفوذها بشكل أكبر؛ أقر بأن «آخر شيء تريده» هو إثارة حرب إقليمية أوسع نطاقًا من شأنها المخاطرة بحدوث مواجهة عسكرية مباشرة بينها وبين أمريكا.
على العموم، يبرز الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، تحولا مهما في ديناميكية المنطقة، حيث إن تصاعد التوترات بين الطرفين يمكن أن يسفر عن تورط دول أخرى وزيادة التدخلات الخارجية، مما يزيد من التعقيدات والمخاطر على مستوى المنطقة بأسرها.
ومع أن مسار الرد القادم يبدو في أيدي «نتنياهو»، وائتلافه، فقد خلص «بوين»، إلى أنه إذا قرروا عدم الرد على هذا الهجوم وتجنب التصعيد؛ فإن «الشرق الأوسط قد يكون قادرا على استعادة أنفاسه مجددا». ومع ذلك، وإدراكا منه للمخاطر المستمرة الناجمة عن الأحداث والتوترات غير المتوقعة والعوامل المحفزة للعنف، فقد حذر من أنه «ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن يكون حالة عدم الرد نهاية هذه الحلقة الخطيرة من الاضطرابات الراهنة».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك