حينما تعاظمت التقنيات الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة، أطلق الباحثون والمهتمون بصناعة السفن، دعوات إلى أهمية تطوير تقنيات بناء السفن وفقًا لما تمخضت عنه الثورة الصناعية الرابعة لاسيما في مجال التصميم، والتصنيع والتشغيل والشحن والخدمات وأنظمة الإنتاج والصيانة وسلاسل القيمة وغيرها من قضايا ذات علاقة بجميع جوانب صناعة بناء السفن. خاصة وأن منجزات الثورة الصناعية الرابعة قد امتدت خلال السنوات القليلة الماضية إلى مختلف فروع الصناعة في العالم، وأدت إلى تحسينها باستمرار باستخدام الآلات والبرامج الجديدة، فضلا عن إعادة الهيكلة التنظيمية. علاوة على أن صناعة بناء السفن تعاني من عدة انشغالات رئيسية هي: كفاءة الإنتاج، وسلامة السفن، وكفاءة التكلفة وحفظ الطاقة وحماية البيئة. خاصة وأن السنوات (2010-2022) م شهدت نشاطا واسعا للقرصنة البحرية في بحار عديدة حول العالم، إلا أن أكثرها كان في البحر الأحمر، وقد أظهرت تقديرات لدراسة أجراها البنك الدولي، إلى أن القرصنة البحرية تكلف الاقتصاد العالمي نحو (18) مليار دولار سنويا خلال العقد الماضي، فضلا عما تؤدي إليه من خسائر بشرية واضطرابات في أسواق الشحن والتأمين البحري. وعلى الصعيد العالمي تم الإبلاغ عن (120) حادثة قرصنة بحرية وسطو مسلح ضد السفن في عام 2023، مقارنة بـ(115) حادثة في عام 2022، وفقاً لتقرير القرصنة والسطو المسلح السنوي الصادر عن المكتب البحري الدولي التابع لغرفة التجارة الدولية (IMB). كما وجد المكتب البحري الدولي أيضاً تهديدات متزايدة لسلامة الطواقم، مع ارتفاع عدد الطواقم المحتجزة كرهائن من 41 إلى 73 في عام 2023، واختطاف الطواقم من اثنين إلى 14.
ومن أجل خلق قيمة جديدة لصناعة بناء السفن، يتم تأكيد أهمية أن تصبح السفن، سفن ذكية قادرة على التفكير والاعتماد على نفسها قدر الإمكان في كشف وتحديد الخطر وسرعة التعامل معه، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء. إلى جانب النظام الفيزيائي السيبراني (CPS)، والحوسبة السحابية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وأجهزة الاستشعار، وتحديد تردد الراديو (RFID) ويرتبط ويتكامل تطوير وتنفيذ هذه التقنيات مع بعضها البعض، فمثلا يعتمد النظام السيبراني الفيزيائي على البيانات غير المتجانسة وتكامل المعرفة، بينما يتم جمع البيانات باستخدام أجهزة الاستشعار، وتخزينها باستخدام البيانات الضخمة وتقنيات الحوسبة السحابية. خاصة وأن البيانات الضخمة هي إحدى التقنيات الرئيسية للتصنيع الذكي، إذ إنها تدعم تبادل المعلومات لربط شبكات الإنسان والروبوتات في النظام السيبراني الفيزيائي. وقد استخدمت شركات عديدة ومنها شركة Raytheon Corp البيانات الضخمة لتمكين المصانع الذكية ذات القدرة العالية على إدارة المعلومات من مصادر مختلفة، مثل أجهزة الاستشعار والمعدات ومعاملات الإنترنت وعمليات المحاكاة والسجلات الرقمية، وقد تزايدت الدعوات لاعتماد هذه التقنيات في صناعة السفن في السنوات الأخيرة، وحققت الصين موقعا عالميا متقدما في مجال صناعة السفن الذكية، ومن المقرر أن تسلم المصانع الصينية في هذا العام أول سفينة ذاتية القيادة يمكن استخدامها للبحث العلمي والتدريب، وتحتوي على (15) ألف نقطة تحكم آلية، كما أنها تتمتع بوظائف ذكية مثل الرسو الآلي، وتجنب الاصطدام الذكي، والاستشعار التلقائي لبيئة الإبحار والسفن المحيطة بها، وهو مستوى متقدم من الذكاء. كما تسعى الصين إلى تسريع التحول نحو صناعة السفن الخضراء وتقليص الاعتماد على الوقود التقليدي عالي الكربون، وتشير الإحصائيات الصادرة عن جمعية صناعة بناء السفن الصينية إلى أن الصين في عام 2023 استحوذت على نحو (57%) من الحصة الدولية لطلبيات السفن الخضراء .
فما هي الآثار المتوقعة لتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة وانعكاساتها على الملاحة في البحر الأحمر، على صناعة بناء السفن بجوانبها التقنية؟ بداية لا بد من تأكيد أن الدعوات إلى أن تصبح السفن أكثر ذكاء قد وجدت مبررا قويا يتجاوز التكاليف العالية التي كانت تحول دون الوصول السريع إلى السفينة الأكثر ذكاء، والتي قد تحمل معدات وتجهيزات دفاعية وهجومية إلى جانب صفتها الملاحية التجارية. وبالتالي فإن مرحلة حرب غزة وما بعدها من المتوقع إن لم يكن من المؤكد والمجدي أن يشهد قطاع صناعة بناء السفن على مستوى العالم، موجة جديدة من التقنيات الذكية الهادفة إلى تحسين صناعة بناء السفن وزيادة مرونة وذكاء السفينة، وبما يمنحها المزيد من القدرة على مواجهة التحديات والتهديدات المسلحة ويحقق لطواقمها متطلبات الأمن والسلامة ، بما في ذلك التوسع في إنشاء السفن ذاتية الحركة، إلى جانب احتمالية ارتفاع عدد القبب الحديدية البحرية المفجرة للطائرات المسيرة والزوارق المسيرة، المحمولة على ظهر السفن، وغيرها من المبتكرات التقنية المعززة لأمن السفن .
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك