عشنا خلال الأيام الماضية أجواء من التصعيد في المنطقة بسبب العدوان الصهيوني الغاشم والهمجي على غزة والمناوشات بين الكيان الصهيوني وإيران وهي مناوشات اتخذت في الغالب شكل الحروب الكلامية والتهديدات المضادة وكان ما يسمى بمحور المقاومة يهلل ويمجد الموقف الإيراني والقوة الإيرانية الساحقة والتي ستحرق إسرائيل ولكن ما شاهدناه في الواقع كان مجرد تصريحات وتصريحات مضادة وتهديدات وتهديدات مضادة كما أسلفنا إلى أن استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق فكان على الجمهورية الإيرانية أن ترد حفاظا على ماء الوجه على الأقل خاصة وإنها سوقت نفسها خلال السنوات الماضية على أنها زعيم المقاومة والممانعة وبعد تردد وتمهل وحرب نفسية استمرت حوالي أسبوعين أرسلت إيران ولأول مرة في تاريخها رشقة من الصواريخ والطائرات المسيرة على مواقع في إسرائيل وكانت النتيجة إن 90% منها قد دمر في الجو بل الجزء الأكبر منها قد دمر وهو في طريقه إلى إسرائيل أي فوق أراض عربية ولم يصل إلى الأراضي الإسرائيلية إلا عدد بسيط جدا لا يتجاوز 10% مما تم إطلاقه وهذا في الحقيقة يثير تساؤلات عديدة منها على وجه الخصوص:
أولا: هل هذا الرد الإيراني على الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق يتناسب مع هذا الهجوم المخالف للقوانين الدولية؟ والجواب عن هذا التساؤل هو أن هذا الرد كان ذات طبيعة استعراضية فهو وإن استهدف إسرائيل فإنه لم يؤثر فيها بأي شكل من الأشكال ولم يحقق أي نتائج على الأرض هذا ما قالته الجهات العسكرية المختصة في أكثر من بلد مما يؤكد أو يوحي على الأقل بأنه لم يكن الهدف أصلا إلحاق أي ضرر أو إيذاء حقيقي بإسرائيل وإنما كان لحفظ ما الوجه كما أسلفنا في الداخل والخارج وبين الجماعات المحافظة التي هللت لهذه الضربة غير الموجعة وغير المؤثرة.
ثانيا: الموقف الأمريكي الحقيقي من هذه الأزمة لم يكن منسجما أو متناسقا أو متوازنا وقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية إدانة الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق بالرغم من إنه اعتداء خطير وغير مسبوق في العلاقات الدولية حيث إن الجسم الدبلوماسي في أي بلد لا يجب بأي شكل من الأشكال الاعتداء عليه في المقابل بادرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية إلى إدانة الهجوم الإيراني الذي لم يسفر عن أي ضرر فعلي أو مادي أو بشري وهذا النوع من المنطق والتصرف بات يضع مصداقية الدولة العظمى الأولى في العالم ومعظم الدول الأوروبية محل شك وتساؤل ولو أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بادرت بإدانة الكيان منذ بداية الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق لكانت إيران امتنعت عن الرد كما جاء في تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين.
ثالثا: ما الآثار لمثل هذا الهجوم والجواب في تقديري إن الخاسر الأكبر من هذا الهجوم هو القضية الفلسطينية فقد نقل الهجوم الاهتمام من غزة ومأساتها إلى إسرائيل نفسها بعد أن خسرت إسرائيل خلال الأشهر الستة من صورة المعتدية إلى صورة الضحية التي كرستها إسرائيل سنوات طويلة بعد أن اتجه الضمير العالمي في مجمله نحو التعاطف مع القضية الفلسطينية ومع غزة وضحاياها ولكن هذا الهجوم الإيراني غير هذه الحقيقة ونقل إسرائيل مجددا إلى دائرة الضحية ولذلك كسبت تعاطفا واسعا من حلفائها التقليديين وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي عادت لتقف مع إسرائيل بأكثر قوة بالرغم من الخلاف المتصاعد بينهما بسبب الحرب على غزة ولذلك نعتقد بأن هذه العملية الإيرانية قد خدمت إسرائيل مجددا بدلا من أن تلحق الضرر بها وعليه فإن تنفيذها ما هو إلا زوبعة في فنجان أكثر منها عملية انتقامية وذلك لأن إيران دولة برغماتية ليس لها أي مصلحة في توسيع دائرة الصراع أو الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل لأن إسرائيل معها الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية وهي تعلم أن مواجهة من هذا النوع سوف تنتهي بهزيمتها على الأرجح ولذلك اختارت أن تطلق هذه العملية كنوع من المناورة وليست كعملية عسكرية حقيقية تستهدف المراكز والمواقع في إسرائيل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك