في زمن يفترض أن يكون للمرأة فيه أجنحة تحلق بها نحو العلا، يأتي المسلسل الاجتماعي «ع أمل» الذي تم عرضه في شهر رمضان على منصة شاهد، كصدمة قوية توقظ الواقع المرير الذي تعيشه النساء في بعض مجتمعاتنا العربية. هذا العمل الدرامي، الذي ينسج قصصه من صميم حياة هذه المجتمعات، يقدم لنا شخصية «يسار»، المذيعة الشجاعة التي تجسد دورها الممثلة اللبنانية المتألقة ماغي بو غصن، لتتحول إلى رمز للنضال ضد الظلم الذي يطول النساء.
ففي زحمة الأعمال الدرامية، برز لنا هذا العمل الفريد بلا منازع كشعاع نافذ يضيء زوايا المجتمعات المعتمة بقصصها الجريئة التي تلامس المحرمات الاجتماعية بعمق وصدق. هذه الجرأة لا تأتي من فراغ؛ بل تنبع من رغبة أصيلة في هز الوجدان وإلهاب العقول نحو تساؤلات جوهرية قد تكون مفتاح التغيير الذي نصبو إليه.
يسار، الروح المليئة بالأمل، تخوض حربها بالكلمة والصوت، محاولة إلقاء الضوء على الظلم الاجتماعي الذي يقبع خلف جدران الصمت. تلك الجدران التي تخفي قصصا مؤلمة لنساء تشوهت حياتهن تحت وطأة العنف المنزلي والتمييز والكبت. على الرغم من معاناة يسار الشخصية، وتعرضها للظلم من أقرب المقربين، تقف صامدة كالجبل في وجه العواصف التي تحاول أن تقتلع آمالها وأحلامها وتتمرد على واقعها الأليم، فهي تعي تماما أن كل كلمة تنطق بها قد تكون مصدر إلهام أو شعلة تضيء دربا مظلما لامرأة أخرى.
«ع أمل» ليس مجرد مجموعة من القصص المثيرة؛ إنه رحلة شجاعة تغوص في أعماق القضايا المغيبة. كما يلقي المسلسل الضوء على العنف ضد المرأة، سيطرة الأنظمة الاجتماعية البطرياركية، الزواج من دون الرضا، وزواج القاصرات، ويبين كيف تمثل هذه الممارسات صورًا جديدة لوأد البنات. يتعامل هذا الإنتاج الدرامي بشجاعة مع المواضيع المستورة والمتجاهلة في المجتمع، حيث يكشف النقاب عن قضايا غالبًا ما تُغفل عنها أو تنسى. يتيح هذا الإبداع الفني البارز للقضايا أن تبرز إلى العلن وتُناقش بشكل مؤثر.
وسائل الإعلام كمحرك للوعي الاجتماعي
الإعلام، وخصوصا الدراما الحديثة، تلعب دورا حيويا كمحرك للوعي الاجتماعي. فهي لا تقتصر على التسلية فحسب، بل تقوم بتسليط الضوء على قضايا جوهرية كحقوق المرأة. تجسد شخصية البطلة كمقدمة برنامج بحماسها وإلهامها، الطريقة التي يمكن بها للإعلام أن يحدث تأثيرا عميقا من خلال تبني القضايا الجدلية وتشجيع النقاش حول الموضوعات المغفل عنها في المجتمع.
الأثر الذي تتركه هذه الأعمال يتجاوز الإشباع الشخصي إلى بناء فهم أعمق للمجتمع وتحدياته. فالدراما تدفع المشاهدين إلى تجاوز التماهي مع القصة إلى تحليل ذواتهم ومراجعة محيطهم بنظرة استقصائية، مما يثير التساؤلات حول دور كل فرد في دعم التغيير الاجتماعي وبناء مجتمع يتمتع بحرية تداول الأفكار.
تحتضن هذه الأعمال الحوار وتغذي المناقشات الصريحة التي قد تكون صعبة، ولكنها ضرورية للنمو والتقدم. الدراما ليست مجرد قصص تروى، بل هي دعوة للمتابعين لتجاوز دور المستهلك السلبي والتحول إلى مبادرين فاعلين يسهمون في رسم مسار التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم.
صوت العدالة: من أجل المرأة ومستقبل المجتمع
ونحن نطوي صفحات مسلسل (ع أمل)، ونتأمل معاني العدالة في مجتمعاتنا العربية، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق مليء بالتحديات والآمال. نشهد اليوم بزوغ فجر جديد، ينبغي أن يكون مشرقا بحقوق المرأة ومضيئا بمكانتها اللائقة في قلب المجتمع، كالندى الذي يروي زهرة قاحلة، ينبغي للعدالة المستدامة أن تكون بصيص الأمل لكل امرأة. فالمرأة ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي اليد التي تنسج أحلام الأجيال وتكتب التاريخ بأحرف من نور وإبداع. لا يوجد طريق للتقدم في أي مجتمع يكبل أجنحة نسائه بقيود الجهل والتمييز. فلتعامل المرأة بعدل مشرق ولتمنح حقها في حياة كريمة، بعيدًا عن استغلال القوانين وتوظيفها كأداة للضغط والانتقام كما يحدث في متاهة معضلة الزوجات المعلقات في دهاليز المحاكم الشرعية.
لا يمكن تحقيق العدالة ما دامت النصوص القانونية مبهمة والتشريعات التي تحمي حقوق المرأة في الزواج، الطلاق، والميراث غير كافية. ينبغي أن تكون حقوق المرأة في صميم المجتمعات الساعية للعدالة والمساواة والرقي، لا أن تظل مجرد كلمات معلقة في فضاء القانون وبتطبيق هزيل.
الوقت قد حان للقطع مع الممارسات التي تجبر المرأة على العيش ضمن أطر مفروضة، ولنقف ضد العادات التي تميز ضدها. يتعين علينا أن نرفض بشدة المواقف التي تحرم المرأة من قوامة تشاركية تعترف بمساهماتها وتعزز مكانتها.
نحن اليوم نهتف بصوت مدوٍ من أجل المرأة، ليست فقط كركن أساسي في البنيان الاجتماعي، بل كحارسة للقيم ومنيرة لدرب العدالة والحرية. لننحاز جميعا إلى رؤية مستقبل يعانق فيه الاحترام والتكافؤ كل أركان المجتمع، ويبدأ هذا المستقبل بخطوة جريئة نحو تحقيق عدالة لا تستثنى منها المرأة. في تحريرها من قيود الظلم، سنرى فجرا جديدا يلوح في الأفق، عندما يتحرر دور المرأة من القيود الظالمة، ينعم المجتمع بتقدم شامل ورقي متجدد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك