أول فتاة من ذوي الهمم تحصل على الثانوية العامة عند عمر 37 عاما.. صاحبة مشروع خاص الأول من نوعه.. حائزة على الكأس الذهبي في ماراثون السيدات الأمريكيات والفضي في ماراثون الأولمبي والمركز الأول في مسابقة مدينة الشباب.. تم تكريمها في البطولة البارالمبية.. مثلت وطنها في مؤتمرات محلية وخارجية.. بصدد إصدار أول كتاب من تأليفها.. عضو مركز البحرين للحراك الدولي.. ياسمين محمد سعد لـ«أخبار الخليج»:
يقول عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ (لا تجعلوا إعاقتكم تمتد إلى أرواحكم كما وصلت إلى أجسادكم)!
بالفعل، مخطئ من يظن أن الابتلاء بالإعاقة نقمة.. بل هو نعمة من الله ترفع من منزلة صاحبها، وطالما توفرت الإرادة فلا توجد إعاقة، ومهما تكن احتياجات ذوي الهمم فهم دائما قادرون، لما يحملونه من قوة تصنع منهم أشخاصا ناجحين ومميزين.
لقد ابتلاها القدر بإعاقة حركية منذ ولادتها، فعاشت عمرها قعيدة كرسي متحرك لم يحل بينها وبين وصولها إلى محطة الإنجاز والعطاء انطلاقا من قناعتها بأنه بين كل خير وخير مسافة مرهقة تسمى الابتلاء مليئة بالأجر، وبرغم ما مرت به من ظروف صحية قاسية عطلت مسيرتها العلمية لسنوات طوال، إلا أنها بالإرادة والإصرار استأنفت المشوار، وحصلت على شهادة الثانوية العامة مؤخرا عند عمر 37 عاما.
ياسمين محمد سعد، صاحبة تجربة إنسانية من طراز خاص، حققت الكثير من النجاحات على مختلف الأصعدة الأدبية والمجتمعية والرياضية، اتخذت من إعاقتها دافعا لإثبات وتحقيق الذات، فسارت في طريقها بكل قوة وإصرار، ومازال في جعبتها الكثير من الطموحات والأحلام.
حول هذه التجربة الإنسانية الخاصة جدا كان الحوار التالي:
ماذا وراء قوتك؟
-يمكن القول إن إعاقتي كانت وراء ما حققته اليوم بشكل عام، فقد صنعت مني شخصية إيجابية قوية، وكانت دافعا لي للسير قدما في طريقي نحو العلم والعطاء وبكل حماس، فلقد أراد لي الخالق الابتلاء منذ ولادتي، الأمر الذي أقعدني على كرسي متحرك طوال حياتي، ولكني بكل إيمان ورضا عزمت على مواجهة كل التحديات، وعلى عدم التوقف عند أي عثرات قد تعترض مسيرتي وما أكثرها، ولعل أهمها تلك الظروف الصحية الصعبة التي منعتني من مواصلة تعليمي وتحقيق حلمي بالحصول على شهادة الثانوية العامة.
وكيف تحقق ذلك الحلم؟
-كنت قد تعرضت بعد حصولي على الشهادة الإعدادية لأزمة صحية شديدة توقفت على أثرها عن مواصلة مشواري الدراسي ولسنوات طوال، وظل حلم العودة إلى رحلة التعليم والحصول على الثانوية العامة يراودني ولم يفارقني لحظة واحدة، حتى استعدت عافيتي، فقررت استئناف المسيرة ولله الحمد تغلبت على كل الصعوبات التي واجهتني.
صعوبات مثل ماذا؟
-في المرحلة الابتدائية والإعدادية لم أواجه صعوبات كبيرة، ولكن أثناء الدراسة الثانوية صادفتني الكثير من التحديات، مثل عدم وجود منحدرات أو مصاعد أو مواصلات ولكن الإدارة المدرسية استجابت لتوفير معظم الخدمات والتسهيلات التي يحتاج إليها فئة ذوي الهمم، ولن أنسى مطلقا مساندة والدي ووالدتي لي وبذلهما أقصى جهدهما من أجل مواصلة مشواري العلمي وخاصة فيما يتعلق بالبحث عن روضة تقبل بحالتي في البداية، كما أنني حين قررت العودة إلى التعليم بعد سنوات من الانقطاع كان ذلك مع نهاية جائحة كورونا ومن ثم أكملت مشواري العلمي عبر النت، وأخطط حاليا للالتحاق بالجامعة ودراسة تخصص الإعلام.
وكيف تم مواكبة المستجدات التكنولوجية عند العودة؟
-لقد تعلمت ذاتيا دون أي مساعدة من أحد وأصبحت قادرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة في التحصيل العلمي بكل مهارة، وخاصة التعامل مع اليوتيوب في هذا الصدد، وواصلت مشواري من المنزل أون لاين، وبتشجيع الوالدين والأهل ذللت كل العقبات ولم أواجه أي مشاكل تذكر، حتى أصبحت محل فخر واعتزاز جميع من حولي حين حصلت على شهادة الثانوية العامة في هذه السن المتأخرة، هذا فضلا عن ممارستي للعديد من الهوايات وإدارة مشروعي الخاص.
وما هو ذلك المشروع؟
-أنا أمارس عدة هوايات أهمها الرسم والتصوير، إلى جانب إدارة مشروعي الخاص الذي أطلقته منذ حوالي عامين من المنزل وأمارس تجارته عبر حسابي على الإنترنت، وهو يتعلق بصناعة الإكسسوارات والميداليات، وقد حرصت على أن يكون مختلفا وجديدا، حيث أدخلت فيه استخدم الخيوط ومادة الرزين، وذلك لتحقيق عنصر التميز وعدم التكرار، وشجعني على هذه الخطوة بشدة الوالدين إلى جانب القائمين على مركز الحراك الدولي الذي انضممت إلى عضويته.
مِن ماذا حرمتك الإعاقة؟
-واقعيا لا أشعر بأن إعاقتي قد حرمتني من شيء، اللهم إلا التمتع بالألعاب المتاحة في الحدائق العامة والتي لم يتم صنع بعضها لتناسب ذوي الاحتياجات الخاصة، وكم أتمنى أن يتم مراعاة هذا الأمر في أماكن الترفيه، وبصفة عامة أنا أنظر دائما إلى الإعاقة على أنها ليست جسدية، بل فكرية في المقام الأول، لذلك أرفض نظرات الشفقة من قبل البعض لعدم شعوري بأي نقص أو حرمان ولله الحمد.
رسالتك لذوي الهمم؟
أقول لأي شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة حاول أن تبحث عن شغفك وتكتشف هواياتك وتمارسها، ولا تجعل أي شيء يوقفك عن استكمال مسيرتك مهما واجهتك من تحديات، فليس هناك مستحيل في الحياة طالما توفرت الإرادة، وللأسف الشديد هناك الكثيرون قد استسلموا وأحبطوا من قبل الأهل الذين ينظرون نظرة غير عادلة ومظلمة لأبنائهم من ذوي الهمم وخجلهم منهم وعدم الخروج بهم إلى المجتمع وتعمدهم إبعادهم عن أي مشاركة في الأنشطة والبرامج المختلفة التي تتناسب مع قدراتهم، رغم أنهم في رأيي نعمة كبيرة وعظيمة من الخالق ومن ثم عليهم الفخر والاعتزاز بها.
حكمتك في الحياة؟
-هناك حكمة تقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، وشخصيا أؤمن بعكسها، ففي رأيي فاقد الشيء قد يعطيه وبسخاء لأنه الأكثر قدرة على الشعور باحتياجات غيره، فكثيرا من التجارب الشخصية السلبية تدفع بأصحابها إلى أن يصبحوا أناسا إيجابيين من خلال عطائهم وحرصهم على منح الأشياء التي حرموا منها للآخرين، وهذا ما حدث معي على أرض الواقع عبر مشاركاتي ومساهماتي المجتمعية.
أهم المشاركات الاجتماعية؟
لقد شاركت في مدينة الشباب بالبحرين منذ عام 2016 من خلال لجان وبرامج موجهة للشباب والأطفال، وكنت ضمن المشاركين في أنشطة عدة منها مجال التصوير، حيث فزت بالمركز الأول في دورة في هذا المجال، كما شاركت في عدد من الماراثونات الرياضية وحصلت على عدة ميداليات وكؤوس وكلها في رياضة الجري على مستوى البحرين، وقد حصلت على الكأس الذهبي في ماراثون السيدات الأمريكيات والفضي في ماراثون الأولمبي، حيث تدربت على ذلك في مركز البحرين للحراك الدولي، وكذلك لي مساهمات في اليوم الرياضي، وفخورة بشدة لتمثيلي لوطني في مؤتمرات داخلية ودولية أفضل تمثيل، فضلا عن نشاطي المتنوع في مجال العمل التطوعي.
أنشطة مثل ماذا؟
-أنا عاشقة للعمل التطوعي بشكل عام ولتحقيق السعادة للآخرين والأخذ بيدهم، ولم تحل إعاقتي بيني وبين عمل الخير مطلقا، بل كانت دافعا قويا للقيام بدور مجتمعي أخدم من خلاله وطني، ومن أهم الأنشطة في هذا المجال تنظيم فعاليات لدار الأيتام منها تحت عنوان (أسرتي حبيبتي) وذلك خلال عامي 2016 و2017 بالتعاون مع جمعيات وفرق تطوعية، وفخورة بعضويتي في فريق فزعة شباب وجمعية المستقبل الشبابية، كما شاركت في مسابقة الطبخ لذوي الإعاقة وفي مسابقة الغادي (فرحة إنجاز) وغيرهما، وأحاول دائما السعي لتقديم خدماتي للمجتمع في مختلف المجالات.
حدثينا عن تجربة تأليف كتابك الأول؟
-لقد انتهيت مؤخرا من تأليف أول كتاب لي، والذي حاولت من خلاله رصد قصة حياتي ومشواري وتجربتي في الحياة، إلى جانب عرض قصص نجاح لغيري من ذوي الهمم من مملكة البحرين وخارجها، والآن بصدد طبعه ومن ثم نشره علما بأن هذا المشروع قد بدأت فيه منذ عام 2017.
ما رسالتك عبر هذا الإصدار؟
-لقد أردت توجيه رسالة للمجتمع من خلال هذا الكتاب باسم ذوي الاحتياجات الخاصة مفادها أنهم قادرون على تحقيق أي هدف أو طموح، وفي أغلب الأحيان يكونون مختلفين ومتميزين، وأنه ليس هناك مستحيل في الحياة طالما توفرت الإرادة والعزيمة، والأهم هو النظرة للمستقبل بكل تفاؤل.
حلمك الحالي؟
-أتمنى تطوير مشروعي الخاص والتوسع فيه وأن يصبح نموذجا وقدوة لغيري، وأن أشارك من خلاله في معارض محلية ودولية، فهو بالنسبة إلي ليس مجرد مصدر دخل بل منبر للعطاء والإبداع وتحقيق الذات، ودليل على أن ذوي الهمم لا ينقصهم شيء وأنهم قادرون على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وعلى تحقيق الاستقلالية المادية لأنفسهم تماما مثل الأسوياء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك