شهدت الأسابيع القليلة الماضية حدثين يبدوان غير مترابطين وهو ما جعلني أفكر في الرحلة الطويلة من أجل تمكين العرب الأمريكيين. تمثل الحدث الأول في وفاة السيناتور الأمريكي الأسبق جوزيف ليبرمان، في يوم 27 مارس الماضي. أما الحدث الثاني فهو يتمثل في الذكرى الثامنة والعشرين للوفاة المأساوية لوزير التجارة الأمريكي الأسبق رونالد براون يوم 3 أبريل.
لقد أتيحت الفرصة للأمريكيين العرب لدخول السياسة الأمريكية كمجتمع منظم في الحملات الرئاسية لجيسي جاكسون في عامي 1984 و1988. ولأنها كانت الحملة الأولى التي أتاحت الترحيب بالأمريكيين العرب وإشراكه بشكل فعلي، فقد استجابت الجالية العربية بكل حماس.
لقد تم تسجيل ناخبين جدد من العرب الأمريكيين وتنظيمهم للمشاركة في الانتخاب بعدد قياسي من المندوبين في المؤتمر الوطني (أكثر من 80، في حين أنهم كانوا يعدون على الأصابع في السنوات السابقة)، مع مشاركة مئات آخرين في مؤتمرات الحزب الرسمية وتمرير قرارات الدولة الفلسطينية في عام 2013 في عشر ولايات أمريكية.
على الرغم من النجاحات، أو على الأرجح بسببها، تزايدت سطوة الجماعات المؤيدة لإسرائيل والمناهضة للمشاركة العربية الأمريكية بشكل كبير. لقد شوهوا سمعة العرب الأمريكيين وضغطوا على المرشحين والمسؤولين المنتخبين لرفض دعمهم.
ففي عام 1984، على سبيل المثال، أعادت الحملة الرئاسية لوالتر مونديل المساهمات العربية الأمريكية؛ وفي عام 1988، رفضت حملة مايكل دوكاكيس تأييدًا من الديمقراطيين العرب الأمريكيين.
بعد حملة عام 1988، عندما كان رون براون على وشك أن يبدأ رئاسته للحزب الديمقراطي، تعهد بإنهاء هذا الإقصاء للعرب الأمريكيين، وكان أول اجتماع له معي كرئيس للحزب، قال إنه يريد أن يبعث برسالة مفادها أن الأمريكيين العرب لديهم موطن في الحزب الديمقراطي.
وعندما قدمني رون براون إلى كبار الموظفين أعلن يومها للجميع أن هذا هو يوم جديد للأمريكيين العرب في الحزب الديمقراطي، وقد كان كذلك فعلا.
وبعد بضعة أشهر أصبح رون براون أول رئيس حزب يلقي كلمة أمام مؤتمر عربي أمريكي. أخبرني أحد موظفيه أنه قبل مجيئه إلى اجتماعنا تناول «قهوة طارئة» مع أحد كبار المانحين المؤيدين لإسرائيل الذي قال له: «إذا دخلت تلك الغرفة، فسوف أسحب تبرعاتي وأطلب من الآخرين الانضمام إليها». لقد سألت رون براون عما سيفعله فأجاب قائلا: «سأتحدث إلى العرب الأمريكيين».
لم تنته المشاكل التي واجهها العرب الأمريكيون بل إنها تفاقمت. وتم فرض الضغوط على المرشحين الآخرين والمسؤولين المنتخبين على المستويات المحلية لاستبعاد الأمريكيين العرب، وقد فعل كثيرون منهم ذلك.
وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 1992، كان المجتمع العربي الأمريكي محبطًا بسبب العرقلة التي واجهوها في محاولة العمل ضمن حملة بيل كلينتون.
خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في تلك السنة، اتصل بي ديفيد إيفشين، الذي عمل مستشارًا قانونيًا للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ومسؤولًا في حملة كلينتون.
لقد قال لي: «أفهم أن العرب الأمريكيين يحاولون الدخول في الحملة». ثم استخدم كلمة بذيئة قائلًا إنه لا يوجد مكان لنا وأنه يجب علينا نحن العرب الأمريكيين أن نذهب إلى مكان آخر.
لقد تملكني عندها الغضب وأخبرت رون براون بما حدث للتو فقال لي إنه كان يعمل على هذه المسألة، لكنه أيضًا واجه صعوبة في تحقيق أي اختراق يصب في مصلحة العرب الأمريكيين، حيث كان هناك مسؤولون آخرون يصرون على منع مشاركتنا. لقد اقترح علي أن أحاول أيضًا عبر طرق أخرى.
وبما أنه كان لدي اجتماع مع السيناتور ليبرمان لمناقشة مسألة أخرى، فقد فكرت في أن أخبره أيضًا عن اللقاء الذي جمعني بديفيد إيفشين. كنت أعرف السيناتور ليبرمان ولم أتفق معه كثيرًا، لكنني وجدته مفكرًا ومنفتحًا على الحوار. لقد كنت على حق عندما أخبرته بالأمر.
لقد كان غاضبًا جدًا مما أتاه ديفيد إيفشين لدرجة أنه اتصل على الفور بمقر حملة بيل كلينتون وطالبهم باستقبال الأمريكيين العرب ودعوتهم للعب دور في الحملة الانتخابية.
وفي اليوم التالي تمت دعوتنا للقاء العرب الأمريكيين وإيجاد مكان لنا في الحملة الانتخابية. وخلال الأشهر القليلة التالية، أظهر العرب الأمريكيون قدرتهم على العمل ولم يتم استبعادهم مرة أخرى من أي حملة رئاسية ديمقراطية.
عندما دخل بيل كلينتون البيت الأبيض بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، رحب بنا ومنحنا مقعداً على الطاولة، مما أتاح للعرب الأمريكيين إمكانيات غير مسبوقة وفرصاً للمشاركة في مناقشات سياسية حول جملة من قضايا السياسة الخارجية والداخلية ذات الاهتمام.
خلال هذه الرحلة الطويلة شعرت باليأس في بعض الأحيان من رؤية العرب الأمريكيين وهم يتغلبون على اعتراضات أولئك الذين أرادوا استبعادنا من المشاركة في التيار السياسي السائد. وفي مرحلة ما، أخبرت جيسي جاكسون أنني مستعد للاستقالة.
عندما قلت له ذلك نظر إلي يومها بصرامة وقال لي: «لا تفعل ذلك أبدًا، لأن هذا بالضبط ما يريد أعداؤك أن تفعله. أكثر ما يخشونه هو أنك ستبقى وتقاتل.»
وهذا هو بالضبط ما حققه العرب الأمريكيون على مر الأعوام الماضية. أما اليوم، وعلى الرغم من أهوال الحرب في غزة، فيجب ألا ننسى أبدًا أننا مازلنا نملك القدرة على إحداث التغيير.
انظروا إلى ما تم إنجازه: حشد جماهيري متنوع إلى حد مدهش يدعو إلى وقف إطلاق النار وينتقد شحنات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل، كما أن أكثر من 150 مدينة أمريكية تطالب بإنهاء الحرب الإسرائيلية؛ وها حركة وطنية ملحوظة تثبت للرئيس الأمريكي جو بايدن أن سياساته ستكون لها عواقب انتخابية وخيمة؛ دون أن ننسى التحول المتزايد للرأي العام الأمريكي في اتجاه مناهض لإسرائيل ومؤيد للفلسطينيين.
لا شك أن التغيير ليس سهلاً أبدًا، ولا يأتي من تلقاء نفسه أبدًا؛ فالتغيير يتطلب العمل الجاد واستقطاب الحلفاء. وهذا ما احتاجه المجتمع العربي على مدى الأعوام الماضية ليصل إلى ما هو عليه اليوم. وهذا ما يفعله الناشطون العرب الأمريكيون اليوم لتحدي السياسات الأمريكية الفاشلة تجاه الشعب الفلسطيني.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك