يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مهزلة الهجوم الإيراني
كتبت أكثر من مرة من قبل أنه خلف التصعيد الظاهر بين أمريكا وإيران هناك لعبة كبرى تجري في الخفاء بين البلدين جوهرها التوافق حول أمور كثيرة في مصلحة إدارة بايدن وفي مصلحة النظام الإيراني في الوقت نفسه.
ما جرى في الفترة القليلة الماضية وصولا إلى الهجوم الإيراني على إسرائيل يأتي في هذا السياق.. سياق اللعبة الكبرى.
ما علينا سوى أن نتأمل التطورات التالية:
الكيان الصهيوني شن عدوانا دمر فيه القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل قيادات كبرى في الحرس الثوري في ضربة موجعة للنظام الإيراني.
النظام الإيراني أعلن بالطبع أنه سوف ينتقم ويرد على العدوان وأن الرد سوف يكون موجعا مثلما كان الهجوم الإسرائيلي.
في أعقاب ذلك جرت مفاوضات غير مباشرة امتدت عدة أيام في سلطنة عُمان شارك فيها وزير الخارجية الإيراني ومسئولين أمريكيين كبار.
في هذه المفاوضات كانت أمريكا حريصة على أن تبلغ إيران بداية أنها لم تكن على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي، أي أنها ليست راضية عنه. وكانت هذه مقدمة للتوافق الذي تم عبر هذه المفاوضات.
بحسب المعلومات المنشورة تم الاتفاق في مفاوضات مسقط على عدة أمور أهمها ما يلي:
1 – إن من حق إيران أن ترد على الهجوم الإسرائيلي حفظا لماء الوجه ونظرا إلى ما يمثله الاعتداء على أرض إيرانية من إهانة للإيرانيين.
2 – إن هذا الرد يجب أن يكون في إطار الحرص على عدم تصعيد الصراع في المنطقة. وأعلنت إيران وأمريكا بالفعل أثناء المفاوضات أنهما لا يريدان تصعيدا.
ولهذا تم الاتفاق على أن يكون الرد الإيراني «منضبطا» كما قالت مصادر أمريكية. ويعني هذا أن يكون الرد محدودا وبحيث لا يلحق خسائر للإسرائيليين تدفع الكيان الصهيوني إلى التصعيد أكثر.
3 – واتضح لاحقا أنه تم الاتفاق تفصيلا على كيف يكون الرد الإيراني وتوقيته وكل ما يتعلق به. وهذا ما تأكد بعد ذلك.
بعد ذلك فوجئنا بإعلان الإدارة الأمريكية الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل وقالت إنه سيحدث في خلال 36 ساعة وقدمت معلومات تفصيلية عن أعداد الطائرات المسيرة التي سوف تستخدم.
بالطبع هذه المعلومات إيران هي التي قدمتها لأمريكا. وزير الخارجية الإيراني نفسه اضطر بعدما انكشف الأمر إلى أن يعلن بالأمس أنه تم إبلاغ أمريكا مسبقا بالهجوم، وبدورها أبلغت إسرائيل بالطبع.
إدارة بايدن هوَّلت من شأن الهجوم المتوقع ودفعت بسفن عسكرية إلى المنطقة وقالت إنها ستحمي إسرائيل وتدافع عنها.. إلخ.
كان واضحا أن إعلان أمريكا مسبقا عن الهجوم وموعده بهذا الشكل أنه مصمم لخدمة النظام الإيراني. كان مقصودا بهذا إظهار جدية النظام في مهاجمة إسرائيل والانتقام لتدمير القنصلية.
ثم جاء الهجوم الإيراني على نحو ما تابعنا في إطار هذا التوافق.
إيران أطلقت مئات المسيرات والصواريخ تجاه إسرائيل. كلها تم إسقاطها ولم تحدث أي خسائر على الإطلاق لا مادية ولا بشرية باستثناء ما أعلنه متحدث إسرائيلي من إصابة بعض الإسرائيليين بصدمة عصبية.
ولأن الهجوم جاء بحسب الاتفاق بالضبط سرعان ما أعلنت إدارة بايدن أنها طلبت من إسرائيل عدم الرد. ومن جانبه أعلن الكيان الصهيوني أنه سوف يرد في الوقت المناسب.
كما نرى، هذا الهجوم الإيراني هو مهزلة بمعنى الكلمة. لم يكن غريبا أن كثيرين من المعلقين وصفوه بالفعل بالمسرحية الهزلية. مسرحية الأطراف الثلاثة لعبوا أدوارهم فيها بنجاح، النظام الإيراني، وأمريكا، والكيان الصهيوني، والثلاثة مستفيدون.
مرة أخرى نقول نحن إزاء لعبة كبرى تجري على الأرض العربية وعلى حساب الدول العربية النظام الإيراني هو المستفيد الأكبر منها.
والكارثة أن هذا الهجوم الإيراني الأخير قدم خدمة كبرى للكيان الصهيوني وألحق أذى شديدا بالشعب الفلسطيني.
وهذا حديث آخر بإذن الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك