الإسلام قبل أن يكون دعوة إلى الناس في عمومهم، فهو عقيدة آمن بها الأنبياء والرسل الكرام (عليهم صلوات الله وسلامه)، فجميع الأنبياء والرسل مسلمون، أي يعتقدون عقيدة واحدة خالصة من أية شائبة تشوبها، فنبي الله نوح عليه السلام مسلم، ونبي الله موسى مسلم، ونبي الله عيسى مسلم، كذلك بقية الرسل الكرام مسلمون عقيدة، ويبقى بعد ذلكم لكل قوم الشريعة التي تناسبهم، وتناسب زمانهم وأمكنتهم، لأن، لكل قوم ظروفهم الخاصة بهم وأزمنتهم التي قد تختلف عن الأقوام الآخرين، ولما حان وقت بعثة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، ختمت به النبوات توحدت الدعوات في دعوة الإسلام، واجتمعت الشرائع في شريعة الإسلام، وإذا كان في السابق حين يذكر الإسلام ينصرف المعنى إلى إسلام العقيدة التي يؤمن به جميع الأنبياء، أما بعد بعثة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) صار الإسلام عنوانًا على الرسالة الإسلامية التي كملت عقيدة وشريعة، وعلى هذا صار من كمال الدين، وتمام النعمة عند الأمم والأقوام الذين عاصروا رسول الله محمد (عليه الصلاة والسلام)، والذين جاءوا من بعده، يقول تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة / 3.
وهكذا إذا كان، قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (البقرة / 285).
إذًا صار لزامًا على أصحاب الرسالات الأخرى أن يؤمنوا برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلوات ربي وسلامه عليه) لأن برسالته اكتملت جميع الرسالات، وبشريعته تمت كل الشرائع، وأصبح الإسلام بعد بعثته صلى الله عليه وسلم عنوانًا على الرسالة الإسلامية، يقول تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) (الحج / 78).
إذًا، فًلم يكن اختيار الإسلام عنوانًا على رسالة نبي الله محمد من وضعنا نحن المسلمين، بل هو من اختيار الله تعالى لنا حين أكمل لنا الدين، وأتم لنا النعمة ورضي لنا الإسلام دينًا، وجاء رسول الله إبراهيم، أبو الأنبياء ليؤكد استحقاقنا لهذا الشرف العظيم، وليضع في أعناقنا نحن المسلمين عبئًا ثقيلًا، ويحملنا مسؤولية جسيمة من أجل نصرة هذه العقيدة العظيمة، ونكون نحن المسلمين الشهداء على الناس يوم القيامة، وأخذ منا العهود والمواثيق على ذلك، قال تعالى: (وكذلك جعلناك أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) سورة البقرة / 143.
وبهذا، وكما أن إسلام المسلمين لا يكمل إلا بالإيمان بجميع الأنبياء والرسل السابقين، وهكذا أصحاب الرسالات الأخرى، ويصبح بعد ذلك لا تعارض في قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران / 19)، وقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران / 85. والآيتان تشيران إلى إسلام العقيدة الذي يجتمع عليه جميع الأنبياء وأقوامهم، أما اختلاف الشرائع، فذلك أمر تفرضه ظروف كل عصر.
والعبادات هي قاسم مشترك بين الأمم إلا أنها اجتمعت بكمالها وتمامها في دين الإسلام، مصداقا لما ذكرته سورة المائدة، الآية 3.
إذًا، فيحق لنا نحن المسلمين أن نؤكد أن من عاصر رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومن جاؤوا بعده من اليهود والنصارى لا يصح دينهم ولا يكمل إلا بالإيمان برسالة الإسلام، والإيمان بنبوة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أكده وبعث من أجله نبي الله عيسى (عليه الصلاة والسلام)، وذلك في قوله تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) سورة الصف / 6.
إذًا، فقد كان التبشير ببعثة رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) هو جزء مهم، بل أهم ما جاء في رسالة المسيح (عليه الصلاة والسلام) وهو الدعوة إلى الإسلام، وأخذ العهود والمواثيق من أتباعه على الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والدعوة إليها - أي الدعوة إلى الإسلام - ولهذا وجب على أصحاب الديانات الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه وعن قضاياه بنفس الحماس الذي يفعلونه مع دياناتهم، وأن يستبدلوا بالدعوة إلى دياناتهم، الدعوة إلى الإسلام لأن فيه غنى عن غيره من الرسالات السماوية الباقية، وإذا كان هذا مطلوبًا من أتباع الرسالات السابقة على رسالة الإسلام، فحري بالمسلمين أن ينهضوا في جدٍ، ومثابرة ليعيدوا إلى الإسلام مجده وهيبته في العالمين، ولن يتحقق هذا إلا باستعادة المسلمين لإيمانهم الحق، ووعيهم الحضاري الذي كان مثلًا يحتذي به الآخرون، وتعود الأمة الإسلامية إلى مكانتها حين جعلها خير أمة أُخْرِجَتْ للناس لوسطيتها واعتدالها فيما تأخذ وتدع من أمور حياتها.
وعلى هذا، فحري لمن يؤمن برسالة موسى، ورسالة عيسى (علًيهما الصلاة والسلام) من أتباع هاتين الرسالتين أن يؤمن برسالة رسول الإسلام، لأنها مسك الختام في الرسالات السماوية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك