العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العنصرية الغربية عارية: اقتلوا الفلسطينيين ولكن ليس المواطنين «البيض»!

بقلم: فراس أبو هلال

الجمعة ١٢ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬الساخر‭ ‬البريطاني‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬إيان‭ ‬هيسلوب‮»‬،‭ ‬الإعلامي‭ ‬الغربي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أشار‭ ‬للمفارقة‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬الغرب‭ ‬مع‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬سبعة‭ ‬من‭ ‬عمال‭ ‬الإغاثة‭ ‬الأجانب‭ ‬التابعين‭ ‬لـ‮«‬المطبخ‭ ‬المركزي‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬بمقابل‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬غالبيتهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬الجريمة‭ ‬وطريقة‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬فرصة‭ ‬لنظر‭ ‬الغربيين‭ ‬في‭ ‬المرآة،‭ ‬ليدركوا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬عنصرية‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬بل‭ ‬عنصرية‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬أيضا‭.‬

بطريقته‭ ‬المميزة‭ ‬قال‭ ‬هيسلوب‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬السياسي‭ ‬الساخر‭ ‬الأشهر‭ ‬والأطول‭ ‬عمرا‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬‮«‬Have‭ ‬I‭ ‬Got‭ ‬News‭ ‬For‭ ‬You‮»‬؛‭ ‬‮«‬إنه‭ ‬أمر‭ ‬قاتم‭ ‬ولكنه‭ ‬حقيقي‭. ‬إذا‭ ‬قتلت‭ ‬أناسا‭ ‬ليسوا‭ ‬فلسطينيين،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬سيصبح‭ ‬فجأة‭ ‬أمرا‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭.‬

المفارقة‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬الساخر‭ ‬البريطاني،‭ ‬بحسب‭ ‬بعض‭ ‬المتابعين،‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬انتقاد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭!‬

نوع‭ ‬الجريمة‭ ‬إذن‭ ‬ونوع‭ ‬ضحاياها،‭ ‬يحدد‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬إدانتها‭.‬

بالطبع‭ ‬ليس‭ ‬هيسلوب‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬البريطانيين‭ -‬كمثال‭- ‬الذين‭ ‬رفعوا‭ ‬صوتهم‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬بعد‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬عمال‭ ‬الإغاثة‭ ‬الغربيين،‭ ‬بينما‭ ‬صمتوا‭ ‬أو‭ ‬دافعوا‭ ‬عن‭ ‬جرائمهم‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬الماضية‭. ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الإذاعيين‭ ‬البريطانيين‭ ‬‮«‬نيك‭ ‬فراري‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬جريمة‭ ‬للاحتلال‭ ‬إلا‭ ‬ودافع‭ ‬عنها‭ -‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬تنكر‭ ‬جنود‭ ‬الاحتلال‭ ‬بلباس‭ ‬أطباء‭ ‬واقتحام‭ ‬أحد‭ ‬المستشفيات‭ ‬في‭ ‬جنين،‭ ‬وقتل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬فيها‭- ‬وجد‭ ‬أخيرا‭ ‬جريمة‭ ‬‮«‬مختلفة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬مقتل‭ ‬العمال‭ ‬الأجانب‭ ‬بأنه‭ ‬خطأ‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه‮»‬‭.‬

نوع‭ ‬الجريمة‭ ‬إذن‭ ‬ونوع‭ ‬ضحاياها،‭ ‬يحدد‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬إدانتها‭.‬

الإذاعة‭ ‬المحلية‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬‮«‬LBC‮»‬،‭ ‬بدأت‭ ‬تكثف‭ ‬نشر‭ ‬مقاطع‭ ‬من‭ ‬النقاش‭ ‬بين‭ ‬مذيعيها‭ ‬والمشاهدين،‭ ‬التي‭ ‬يرد‭ ‬فيها‭ ‬المذيعون‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬متصلين‭ ‬مؤيدين‭ ‬للاحتلال،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬لا‭ ‬تنشر‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬المقاطع‭ (‬الإذاعة‭ ‬فيها‭ ‬مذيعون‭ ‬معظمهم‭ ‬مؤيدون‭ ‬للاحتلال،‭ ‬ولكنها‭ ‬تضم‭ ‬أيضا‭ ‬مذيعين‭ ‬لهم‭ ‬مواقف‭ ‬إيجابية‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭).‬

مؤسس‭ ‬المطبخ‭ ‬المركزي‭ ‬العالمي‭ ‬نفسه،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬مؤيدا‭ ‬شرسا‭ ‬للاحتلال،‭ ‬ولكنه‭ ‬تحول‭ ‬بعد‭ ‬الجريمة‭ ‬للهجوم‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬ليقول‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬ABC الأمريكية‭ (‬سيبث‭ ‬قريبا‭)‬؛‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يتعلق‭ ‬بمقتل‭ ‬العمال‭ ‬السبعة‭ ‬الأجانب،‭ ‬بل‭ ‬بالجريمة‭ ‬المستمرة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭.‬

بالتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬مرحب‭ ‬بها‭ ‬ومهمة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬سببها،‭ ‬وهو‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭ ‬مقتل‭ ‬مدنيين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬البيضاء،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭!‬

هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬القليلة‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬تعامل‭ ‬‮«‬النخب‮»‬‭ ‬الإعلامية‭ ‬والنجوم‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬والعالم‭ ‬مع‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬عمال‭ ‬المطبخ‭ ‬الغربيين،‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬شيئا‭ ‬مقابل‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬الرسمية‭ ‬الغربية،‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬إلى‭ ‬كانبرا‭ (‬العاصمة‭ ‬الأسترالية‭) ‬إلى‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬العالم،‭ ‬التي‭ ‬أصدرت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭ ‬تحذيرات‭ ‬حقيقية‭ ‬للاحتلال،‭ ‬جعلت‭ ‬حكومته‭ ‬تقدم‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬التنازلات‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتحقيق‭ ‬‮«‬الصوري‮»‬‭ ‬للجيش‭ ‬بالجريمة،‭ ‬وإدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

العنصرية‭ ‬البيضاء‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الغربي،‭ ‬إذ‭ ‬مثّل‭ ‬مقتل‭ ‬سبعة‭ ‬أشخاص‭ ‬غربيين‭ ‬حدثا‭ ‬أهم‭ ‬وأخطر‭ ‬من‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬من‭ ‬عمال‭ ‬الإغاثة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬137‭ ‬صحفيا‭ ‬فلسطينيا،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬منظمات‭ ‬دولية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أطباء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬من‭ ‬الطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬المحلية،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يفوق‭ ‬مثيله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬لا‭ ‬يكترث‭ ‬لهم‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬‮«‬المتحضر‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬البعض؛‭ ‬إن‭ ‬تفسير‭ ‬هذا‭ ‬الانقلاب‭ ‬الرسمي‭ ‬و«النخبوي‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬بالعنصرية‭ ‬‮«‬البيضاء‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬ضاقت‭ ‬ذرعا‭ ‬بجرائم‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬المطبخ‭ ‬العالمي‭ ‬مبررا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭. ‬يا‭ ‬سلام‭! ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬هذا‭ ‬التحليل،‭ ‬فهو‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬يؤكد‭ ‬شيئا،‭ ‬فهو‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬العنصرية‭ ‬البيضاء»؛‭ ‬لأن‭ ‬عواصم‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬مبررا‭ ‬خلال‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬القتل‭ ‬وارتكاب‭ ‬جميع‭ ‬الجرائم‭ ‬الموصوفة‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬لتضغط‭ ‬على‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ولكنها‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬المبرر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬إعلامها‭ ‬وشعوبها‭ ‬واللوبيات‭ ‬السياسية‭ ‬فيها،‭ ‬هو‭ ‬مقتل‭ ‬سبعة‭ ‬مواطنين‭ ‬غربيين‭. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬عنصرية‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬العنصرية‭ ‬إذن؟‭!‬

على‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬الغربيون‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬يحتاجون‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬إلى‭ ‬المرآة‭ ‬ليروا‭ ‬عنصريتهم‭ ‬‮«‬عارية‮»‬‭ ‬دون‭ ‬ورقة‭ ‬توت،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬إلى‭ ‬المرآة‭ ‬أيضا‭ ‬ليدركوا‭ ‬مدى‭ ‬استرخاص‭ ‬العالم‭ ‬لأرواحهم‭ ‬ودمائهم،‭ ‬وأن‭ ‬يعلموا‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬سياسات‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬منهم‭ ‬‮«‬فائضا‭ ‬بشريا‮»‬‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬صورتنا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لنا،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نطالب‭ -‬بحق‭- ‬الغربيين‭ ‬بالتوقف‭ ‬عن‭ ‬عنصريتهم‭ ‬البيضاء‭ ‬تجاهنا،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نحرر‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬سياسات‭ ‬فاشلة‭ ‬عنا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬فينا‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬سوى‭ ‬أرقام‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭!‬

{ كاتب‭ ‬ومحلل‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا