يحل عيد الفطر المبارك هذا العام في ظل ظروف قاسية وتحديات خطيرة تشهدها الأمة العربية والإسلامية، فتمازج فيه الفرح والسعادة والإقبال، حيث أتم المسلمون صيام شهر رمضان المبارك من جانب، ومن جانب آخر، الخوف والترقب والتحسب والانتظار لما ستسفر عنه قوادم الأيام نتيجة إصرار قيادة إسرائيل على استثمار أوضاع أمتنا العربية والإسلامية، ونفاق القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، والاستمرار في عدوانها الهمجي حتى تدمير آخر ملاذ آمن لنحو مليون ونصف المليون مواطن في فلسطين. وأما فرحنا بالعيد فهو ناجم عن بُعد روحي، فقد انتصرنا على كل التحديات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي رافقت شهر رمضان المبارك، وصمنا الشهر الفضيل، واستثمرنا وقتنا بالعبادة والخير والبركة والاجتهاد بالطاعات والدعاء لأنفسنا وأهلينا وبلادنا ولأشقائنا في فلسطين، فكانت عباداتنا خالصة لوجه الله الكريم، متنوعة من عمرة واعتكاف بالمساجد، وتلاوة وختم للقرآن الكريم، ودعوته سبحانه وتعالى أن يجعلنا من عتقائه والفائزين بفضل وجوائز شهره الكريم، وينعم علينا برضاه وقبوله ومغفرته، فيأتي العيد بمثابة الجائزة، كما قال في محكم كتابه العزيز في سورة يونس آية 58: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). كما لم ننس التضرع إلى الله جل في علاه أن يحفظ بلادنا وبلاد الإسلام والمسلمين، وأن يثبت على قلوب أهلنا في فلسطين ويرحم شهداءهم و يشفي جرحاهم وأن ينعم عليهم بالسلام والأمن في اسرع وقت، فليس لهم إلا الله، فهو وحده الناصر والمعين، وهم الذين صاموا رمضان تحت وابل الرصاص ودوي القنابل ورعد الصواريخ، ومنحونا دروسا في الصبر والإيمان لابد أن ينعكس أثرها في سلوك وقرارات المسلمين، لذا لابد أن نتعمق في التأمل والتفكر وأن نستكشف حالنا ونشحذ الطاقة الروحية النابعة من هذه المناسبة العظيمة «صيام رمضان في ظل التحديات الرهيبة» ونسعى إلى إصلاح الحال وتجاوز الهنات وذلك لا يتحقق إلا بالصدق مع أنفسنا، فبه تحل السكينة، فإذا حلت فيه السكينة والطمأنينة انعدم الاضطراب وتجاوز الخوف من المجهول متسلحا بالإيمان والإصرار على تحقيق أهدافه، مدركا وواثقا من رعاية الله ورحمته وعونه، فلا تهزه الأحداث الدنيوية الراهنة ولا تفزعه الأهوال، مستذكرا قوله تعالى في سورة الرعد (آية 28): (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ، ألَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). كما أنها لفرصة عظيمة أن نراجع علاقاتنا مع الآخرين دولا وشركات، لاسيما التي كنا نعتقد أنهم أصدقاء موثوقون، ففتحنا لهم القلوب قبل الحدود، وعند الشدائد تظهر أحقادهم على ديننا وأمتنا.
نقول ذلك وندعو إليه وقبلنا دعا إليه المغفور له بإذن الله غازي القصيبي وزير العمل السعودي الأسبق رحمه الله، وإننا على ثقة من أن حكوماتنا الخليجية حريصة كل الحرص على مستقبل بلدانها وعلى دماء أشقائها العرب والمسلمين في كل مكان، وأنها لابد أن تعيد النظر في كثير من الحسابات والمواقف في ضوء الدروس والعِبر التي اكتسبناها من تداعيات العدوان الإسرائيلي على الشعب العربي الفلسطيني.
ختاما وبمزيد من الولاء والوفاء نقدم أصدق التهاني وأسمى التبريكات لقيادتنا الرشيدة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ولعموم الأسرة الخليفية الكريمة وشعب البحرين العربي الأبي الوفي الأمين، داعيا الله العلي القدير أن يعيد على الجميع شهر رمضان بالخير والمسرات، وأن يمتعنا بعيد الفطر المبارك أعواما عديدة وأزمنة مديدة وأن يجعلنا من الفائزين الغانمين برضوان الله وعونه وبركته ويعين قيادتنا الحكيمة على مواصلة مسيرة البناء والإصلاح والتنمية المستدامة، ويحفظ بلادنا وأمتنا العربية والإسلامية من شر الأشرار ويرد كيدهم إلى نحورهم. وكل عام ومملكتنا الحبيبة بخير وتقدم ونهوض.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك