يعود عيد الفطر المبارك هذا العام على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وفي مختلف أنحاء العالم ولكنه لا يبدو أنه سعيد، ولذلك يصعب أن نتحدث عن العيد مثلما نفعل ذلك في الأعوام الماضية، وهذا ليس تشاؤما وإنما انعكاس للواقع المؤلم الذي يعيش فيه إخوتنا وأشقاؤنا في فلسطين المحتلة وخاصة إخوتنا في قطاع غزة الذين لا يعرفون ليلا ولا نهارا ولا عيدا ولا فرحا بل يفتقرون إلى أبسط ضروريات العيش في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الصهيونية الغاشمة على هذا الشعب الأعزل أمام مرأى ومشهد هذا العالم الذي يسمي نفسه عالما مدافعا عن حقوق الإنسان، في عالم يسمي نفسه عالما مدافعا عن العدالة عالما محافظا على السلام، حيث عجز هذا العالم عن إنقاذ هذا الشعب المظلوم الذي يتعرض للإبادة ليس من اليوم بل منذ عام 1948.
إنه عيد جديد يأتي معه الحزن ويأتي معه الشعور باليأس لما يتعرض له أبناء غزة من مجاعة مبرمجة تنفذها قوات الاحتلال الصهيوني المجرمة التي لا تعطي أي اعتبار للقيم الإنسانية وللأخلاق برعاية القوة العظمى في العالم حامية الكيان الصهيوني الولايات المتحدة الأمريكية وبتواطؤ واضح من قبل الدول الأوروبية التي تشارك في حرب الإبادة الجماعية تحت عنوان محاربة حركة حماس.
لقد مر اليوم أكثر من ستة أشهر على هذا العدوان الهمجي الظالم والوحشي الذي مارس أبشع أنواع القتل والإبادة والهمجية وآخر أفعاله غير المسبوقة استخدام حرب التجويع حيث يتعرض أبناء غزة إلى مجاعة حقيقية ولم تنفع كل الضغوطات والنداءات والقرارات الدولية في لجم الكيان الصهيوني ومنعه من تنفيذ هذه الجريمة النكراء، ويمكننا في هذا السياق أن نستذكر فقط ثلاثة جوانب من هذه المأساة ستظل علامة سوداء في تاريخ البشرية جمعاء.
الأولى: إن عدد القتلى في هذا العدوان الوحشي قد بلغ حوالي 40 ألف قتيل وهو عدد مهول وكبير جدا بكل معايير الحروب باستثناء حروب الإبادة التي تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، ومن بين هذا العدد الهائل من القتلى تؤكد الإحصائيات الأممية الرسمية أن 44% من هؤلاء الضحايا هم من الأطفال، إضافة إلى أكثر من 80 ألفا من الجرحى والمصابين نصفهم على الأقل من ذوي الإصابات الخطيرة والكبيرة الذين يدخلون حالة الإعاقة الكاملة.
الثانية: تشير ذات الأرقام الأممية إلى أن حوالي 68% من المساكن والبيوت الخاصة بأهل غزة قد تم تسويتها مع الأرض بصورة كاملة وتامة بما يعني أن أكثر من نصف سكان غزة قد أصبحوا بلا مأوى وعددهم حوالي مليون و200 ألف نسمة يعيشون اليوم تحت الخيام أو تحت أنقاض بيوتهم المهدمة، وهذا في حد ذاته مؤشر آخر على رغبة الاحتلال الصهيوني في تحويل غزة إلى أرض غير قابلة للسكن فيها ولا للعيش مما يدفع السكان إلى الهروب والهجرة وهذا هو هدف إسرائيلي معلن من قبل السياسيين والأمنيين والعسكريين الإسرائيليين صراحة ولا يخفونه وهذه جريمة أخرى من الجرائم التي تسجل في تاريخ هذه الحرب غير العادلة وغير الإنسانية وغير الأخلاقية بالمرة.
ثالثا: يتعلق وبوضوح بحرب التجويع ضد هذا الشعب وحرب التعطيش لهذا الشعب المظلوم، وهي حرب لم تتحرك لها جماعات وجمعيات حقوق الإنسان في الغرب الديمقراطي الذي يرى الأطفال الجوعى يموتون وهم عطاشى، ولم يتحرك لهم ساكن ولو أن الأمر يتعلق بالحيوانات لكانت القلوب الرحيمة في الغرب تتحرك وقامت بحملات لإنقاذ هذه الحيوانات في حين أن هذا الشعب يموت جوعا على مرأى من الجميع وحتى المحاولات المحدودة التي قامت بها بعض الجماعات من أصحاب القلوب الرحيمة مثل جمعية المطبخ العالمي فقد تم قصفها وتدميرها لمنع وصول الطعام إلى هؤلاء المساكين وهذه الجريمة الإضافية هي ما أثارت حفيظة عدد من الغربيين لأول مرة لأن الضحايا من البيض ومن الدول الغربية ولأول مرة نسمع صوت إسرائيل الرسمي يعتذر ومجلس الأمن يجتمع والأصوات ترتفع بالاحتجاج.
ولكن بعض المؤشرات وليست جميعها تجمع على أن حرب الإبادة الممنهجة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاحتلال يعيش مأزقا غير مسبوق في عمر دولته وإنه لم يتمكن رغم آلة الدمار الرهيبة والدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية مجتمعة من إلحاق الهزيمة بهذا الشعب الذي ما زال صامدا رغم الجوع والقتل والهدم وحرب الإبادة التي تمارسها قوات الاحتلال، وهذا يدفعنا إلى الإحساس الموجع بهذه النكبة الجديدة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المظلوم، ولذلك لا نستطيع أن نفرح معه بالعيد هذه المرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك