زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لا يحترمون حرمة الموتى
لا ينكر إلا مكابر جمائل أهل الغرب على بني البشر عموما، فقد كانوا الرواد في مجالات الكشوفات العلمية والجغرافية والمخترعات، وأنت تقرأ هذه السطور على شيء من صنع الغرب، ولكن ما أرفضه تماما هو أن ينصب الغربيون أنفسهم أوصياء على كوكب الأرض بشراً وحيوانات ونباتات وجمادات، وينسبوا كل الفضائل إلى أنفسهم، ومؤكد أنهم متفوقون علينا في كثير من الميادين العلمية والمعرفية، ولكن ذلك لا يعطيهم حق الوصاية علينا مهما تشدقوا بالقيم والمثل وصاغوا اللوائح والمواثيق، وألبسونا شتى أنواع التهم: تخلف على إرهاب على كباب.
أستحضر الآن ما حدث لمراسل بي بي سي المخضرم في واشنطن ألستر كوك الذي مات عن 95 سنة، ثم اكتشفت ابنته لاحقاً أن المستشفى الذي أسلم فيه الروح قام ببتر ساقيه ويديه وبيعهما لمستشفى آخر لزرعها في بعض ضحايا الحوادث المرورية، وقبل نحو بضع سنوات أيضاً اكتشفت الشرطة الألمانية أن ثلاثة من عمال محرقة للجثث ظلوا وعلى مدى عشر سنوات يكسبون شهرياً نحو سبعة آلاف دولار من بيع الأسنان الذهبية للموتى، وكشف تحقيق الشرطة أنهم كانوا يستخدمون الكماشات لخلع الأضراس (بدون بنج.. تخيّل) قبل حرق الجثث، بل كانوا في بعض الأحيان يستخدمون المنخل/الغربال للبحث عن أسنان ذهبية وسط رماد الجثث (ربما لم ينتبهوا لوجودها قبل الحرق).
المضحك والمبكي في آن، هو أن أمر هؤلاء الثلاثة انكشف لأن سيدة (بلا قلب) تذكرت أن زوجها الراحل كان لديه عدة أسنان مكسوة بالذهب وقالت: خسارة أن تحرق تلك الأسنان وأنا أولى بها، فقررت استردادها، ودخلت المحل الذي كان فيه التابوت الذي يضم جثمانه، توطئة للتوجه به الى المحرقة، وفوجئت بأن أسنانه الذهبية (طارت) فأحضرت الفواتير الصادرة عن طبيب الأسنان والتي تؤكد أن الراحل العزيز كان قد تزود بعدة أسنان ذهبية على فترات متباعدة، فتم القبض على الرجال الثلاثة وتم تقديمهم للمحاكمة حيث تم تغريمهم مبالغ طائلة.
وربما يذكر من قرأ لي هنا بانتظام مقالا لي قديم بعنوان «بابا خاتم» المتعلق بحكاية الأرملة البريطانية التي اتفقت مع ابنتها على الاحتفاظ بجثمان الزوج/ الأب على «أحسن» حال، واتفقوا مع شركة على حرقه ثم هرس رماد عظامه تحت ضغط شديد جدا بدرجة محسوبة، ونجحت الفكرة وحصلوا على فص ماس/ ألماظ، (وهو حجر كريم ينجم عن انضغاط الكربون الشديد)، ووضعت الأم الفص على خاتم وصارت تتباهى بالمجالس عارضة الخاتم وهي تقول بالمصري «دا جوزي».
وربما كتبت عن الحكاية التالية من قبل ولكن لا بأس من إيرادها مجدداً علها تكون عظة لمن لا يحترم حرمة الموتى: ففي مدينة **** في وسط السودان والتي قضيت بها معظم سنوات صباي وشبابي الباكر (يعني ما زلت في مرحلة الشباب المتأخر)، كان هناك رجل مجنون يسير في الشوارع وفجأة ينفض يده اليمنى ويرفعها إلى أعلى وهو يصيح: فك (أترك).. كان الرجل فيما مضى ممرضاً في مستشفى المدينة، وذات يوم أتى الإسعاف إلى المشرحة بجثمان شخص كان قد توفي في حادث مروري، وانتبه الممرض إلى أن المتوفى يرتدي ساعة جميلة، فقرر التسلل إلى المشرحة بعد هبوط الظلام لسرقة الساعة، وكان بالمدينة متشرد سكير قادته قدماه إلى المستشفى وأحس بالنعاس فقرر دخول المشرحة وكانت غرفة كئيبة تبعد كثيراً عن بقية مباني المستشفى، ولم يجد المتشرد سوى نقالة عليها ذلك الميت، فألقى به أرضاً وتمدد على النقالة بعد أن غطى جسمه بالملاءة (الشرشف) البيضاء، وبعد قليل تسلل الممرض إلى المشرحة وحرص على عدم استخدام الإضاءة وتحسس يد الشخص الممدد على النقالة بحسبانه الميت (أبو ساعة حلوة).. فإذا بـ (الميت) ينتزع يده من يد الممرض بعنف وهو يصيح: فك.. وهكذا ازداد عدد المجانين في المدينة واحداً لأن الممرض ظل منذ يومها يمشي في الشوارع وتنتفض يده اليمنى هلعاً (وهو يصيح: فك) لأن شخصاً ميتاً لمسها!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك