إن من كمال الدين، ومن تمام النعمة أن الله تعالى جعل للأمة الإسلامية مستشارًا مؤتمنًا ترجع إليه في جميع شؤونها، فيسدد رأيها، ويرشد عقلها، فلا تصدر فيما تأخذ، وتدع عن هوى، أو عن رأي واحد خطؤه أكثر من صوابه، بل تستخلص من مجموعة الآراء رأيًا صائبًا، فتكون حركتها في الحياة راشدة، وإجماعها على رأي واحد مسددا، وكثير من المسلمين من الذين تكثر الأخطاء في تصرفاتهم لا يسترشدون بفقه الإسلام الصحيح إلا بعد أن يضلوا الطريق، عندها فقط يسعون جاهدين إليه، طالبين رأيه ومشورته في المشكلة التي يعانون منها، ويكون وقت الاستشارة قد فات، وأصبح ما يسألونه هو الفتيا وليس المشورة ذلك لأن وقت الاستشارة يكون قبل الفعل، وليس بعده، أما حين لا يتذكر المسلم أن له مستشارًا مؤتمنا وكله الله تعالى لهداية أتباعه ، وتوسيع مجالات الرؤية والرأي حتى يكونوا على بينة من أمرهم ، وهنا سوف نتذكر بعض الحالات لما يرتكبه المسلمون من أخطاء في فهم معنى الشورى أو الاستشارة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أكثر الناس مشورة لأصحابه، وكان في غالب أوقاته يعمل بمشورتهم ما لم يكن هناك وحي من الله تعالى، فكانوا حين يأمرهم بفعل، أو ينهاهم عن فعل، كانوا يسألونه فيما إذا، كان أمره ونهيه وحي لا يستطيعون أن يتقدموا عليه أو يتأخروا أم هو الرأي والحرب والمكيدة، فإن قال وحي قالوا: سمعنا وأطعنا، وأما إن لم يكن وحيًا، اقترحوا ما يشاؤون، وكان صلى الله عليه وسلم في غالب استشاراته يأخذ بما يرونه في الواقعة التي تطلب المشورة بخصوصها كما حدث في غزوة بدر حين اقترح أحد الصحابة موقعًا آخر غير الموقع الذي اختاره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فعمل بمشورته، وتحققت المصلحة للمسلمين بسبب هذه المشورة المباركة،
وأيضًا حين أشار الصحابي سلمان الفارسي (رضي الله عنه) على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، ووافقه الرسول (صلوات ربي وسلامه عليه) وكان ذلك من أسباب انتصار المسلمين على كفار قريش.
وفي غزوة أحد استشار رسول الله صلى الله عليه سلم أصحابه في اختيار المكان الذي يحاربون عدوهم فيه، فأشار الشباب بالقتال خارج المدينة بينما اختار الشيوخ القتال داخل المدينة، فغلب رأي الشباب رأي الشيوخ، ورغم الهزيمة التي حلت بالمسلمين، ونال الكفار من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أن القرآن الكريم أكد استمرار الشورى لتكون مبدأ لا يمكن التفريط فيه مهما كانت الأخطاء أو الفشل الناتج عن تحقيق مبدأ الشورى، وصار احترام الشورى كمبدأ هو الأصل ، وهو الأساس ، يقول تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران / 159.(
إذًا، فالإسلام قد جعل للأمة مستشارًا مؤتمنًا، وهذا المستشار هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليه يرجع المسلمون قبل أن يخطوا أية خطوة لينالوا بركة الرسول (صلى الله عليه سلم)، ويتفادوا الكثير من المشاكل التي قد تواجههم بسبب التفريط في هذا المبدأ العظيم، مبدأ الشورى.
لقد كثرت المشاكل الزوجية، وارتفع منسوب الطلاق، وتجد أن من أسباب تفشي هذه الزيجات الفاشلة، والتي تكون نهايتها الطلاق هو اعتداد المقبلين على الزواج باختياراتهم الشخصية وعدم استشارة تعاليم الإسلام، والأخذ برأيه في هذا الشاب أو تلك الشابة، ولم يأخذوا بهدي الرسول (صلى الله عليه وسلم) كقوله صلى الله عليه وسلم حين وجه الشباب إلى حسن الاختيار، فقال لهم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» رواه الإمام البخاري في صحيحه. وكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم، لأهل البنت أو الشاب، قوله: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، وحذر صلوات ربي وسلامه عليه من الزواج بالمرأة الحسناء في المنبت السوء،
وحذر كذلك من زواج الأقارب حتى لا تكون الأمراض الوراثية إرثًا تتوارثه الذرية، فيضعف بذلك النسل.
فإذا فرط المسلمون في هذه الوصايا، واعتد كل ذي صاحب رأي برأيه، وتعصب كل إنسان لموقفه، فإذا كثرت حالات الطلاق، وضعف النسل، وارتفع منسوب الطلاق، فلا تلوموا الإسلام، بل لوموا أنفسكم، وراجعوا موقفكم من الإسلام، وأعيدوا للشورى مكانها ومكانتها، وبغير ذلك لن يصلح حال الأمة، واعلموا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما يلح في إعطاء الشورى حقها من التقدير والتعظيم إنما يؤسس للمرجعية التي يجب أن يرجع إليها المسلمون في حياتهم، وأن لا نجاة لهم، ولا نهوض ولا نهضة لهم إلا بالإسلام: عقيدة ، وتشريعًا، وأخلاقًا.
لا يعني هذا أن الأسرة المسلمة معصومة من الزلل، مستعصية على الأمراض.. لا نقول هذا، ولكن انظروا كيف يعالج الإسلام المشاكل التي تحدث في المجتمع المسلم، يقول تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون) (البقرة / 229).
انظروا إلى سماحة الإسلام ورفقه، لا أقول بالزوجة ولا بالزوج فقط، بل أقول رفقه بالأسرة المسلمة، لأنه قد يمتد هذا الخصام بالمجتمع المسلم، أما حين يعلم الزوج وتعلم الزوجة أنهما سيتحاكمان إلى قاضٍ عدل سوف يقبلان بحكمه الخالي من التحيز لهذا الطرف أو ذاك الطرف.
ذلكم هو الإسلام، المستشار المؤتمن على الحقوق والواجبات، الساعي إلى ما فيه مصلحة أتباعه، واختيار الحلول المناسبة والمتجردة من أي هوى أو حيف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك