كثر في الآونة الأخيرة تداول مصطلح (الذباب الإلكتروني)، فأصبحنا نطلقه على كل أمر له علاقة أو ليس له علاقة، ولكن هل تساءلنا عن مفهوم الذباب الإلكتروني؟ ومن أين جاء؟ وكيف جاء؟
في الموقع الإلكتروني (أراجيك) يشرح الذباب الإلكتروني على اعتبار أنه نوع من الحسابات الافتراضية التي عادة ما تستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتواها، ويتم تشغيلها بواسطة برامج متخصصة، أو من قبل مجموعة من الأفراد، وتعمل هذه الحسابات على تكثيف نشر منشورات معينة أو تغريدات وبأعداد هائلة، والتي تتضمن معلومات عادة تكون غير كاملة أو كاذبة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى صعوبة الوصول إلى المنشورات الحقيقية، كل هذا بهدف تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام، وذلك خدمة لمصالح بعض الدول أو الكيانات أو الأشخاص. ومن جهة أخرى فإن بعض الدراسات تشير إلى أن الذباب الإلكتروني عبارة عن روبوتات أو برامج مصممة لتظهر كأشخاص حقيقيين على وسائل التواصل الاجتماعي أي كمستخدمين حقيقيين يدافعون عن أمر أو قضية معينة.
وأما الموقع الإلكتروني (ألفا ويب) فإنه يعرف الذباب الإلكتروني أنه مجموعة من الأشخاص الذين يتم تجنيدهم للتأثير في الرأي العام عبر عدد كبير من الحسابات الوهمية، ويتم ذلك عن طريق كتابة عدد كبير من التغريدات والمنشورات والوسوم بشكل مكثف لتصبح ذات شهرة، ويمكن لهؤلاء الأفراد أن يحولوا أي قضية إلى حديث الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي بتصدير الوسم (الهاشتاج) المطلوب للقائمة الأكثر تداولاً على المنصة في المنطقة المعنية. ويقوم الأمر بإنشاء عدد كبير من الحسابات الوهمية والتي قد تكون بالآلاف أو التي لا يملكها أشخاص حقيقيون فعلاً، تبرمج هذه الحسابات عن طريق سكربتات برمجية المنشأة للقيام بمهام معينة كإعادة التغريد أو الإبلاغ أو الإعجاب بتغريدة حقيقية، أو يتم برمجتها للتغريد بأي كلام أو وسم أو رأي معين ليتم تصديره، ليضر وكأنه رأي عام حقًا.
ومصطلح (الذباب الإلكتروني)، كناية عن كثافة الهجوم على موضوع معين يصل إلى مئات الآلاف من الحسابات الوهمية، للتشهير وتلطيخ سمعة الطرف الآخر، أو بث مواد تخريبية محددة لنشر الفوضى وتقليب الشعوب على بعضها، حيث تتم عمليات في غاية الإتقان لتصميم حملات (تلطيخ سمعة) مبنية على معلومات وصور مفبركة على درجة عالية من التزوير المتقن لإيهام المتلقي بمصداقيتها.
والغريب في الموضوع أن مصطلح (الذباب الإلكتروني) ليس وليد هذا العصر، وإنما كما تشير دراسة (نصر الدين بو زيان) أنها من الممارسات القديمة جدًا، إذ تشير الدراسة أن أباطرة الرومان مثلاً كانوا يعانون من تداول المعلومات الزائفة والمغلوطة التي كانت تؤثر سلبًا في الإمبراطورية ومماليكها، الأمر الذي دفعهم إلى تعيين ما يعرف (بحراس الإشاعات) الشائع تسميتهم باسم (ديلاطورس)، وهم مجموعة من الأفراد الذين يندسون بين العامة ويقومون بمخالطتهم ويعيشون بينهم وغايتهم في ذلك تأدية وظيفة حيوية تتمثل في نقل الإشاعات في الوقت المناسب وبالطرق المناسبة.
وكذلك فعل (جنكيزخان) وغيرهم من السلاطين والطغاة.
ومن تجليات الاندفاع إلى هذا المصطلح فإن صحيفة (نيويورك سان) في عام 1835 نشرت مقالاً منسوبًا إلى عالم الفلك الشهير آنذاك (جون هرشل) حول استخدامه لتلسكوب متطور تمكن من خلاله من رصد سطح القمر واكتشف مخلوقات مشابهة للماعز تمتاز بلون أزرق، وهو المقال الذي رفع المبيعات من 8000 إلى 16 ألف نسخة في اليوم، ليتضح لاحقًا أن كاتب المقال هو رئيس تحرير الصحيفة وليس عالم الفلك، فقد كان يسعى إلى استقطاب الجماهير فحسب والمعلومة عارية من الصحة.
واستمر الذباب الإلكتروني في نشر الأكاذيب والأخبار الزائفة عبر وسائل الإعلام المتاحة المختلفة على مدار السنون، واليوم تستخدم الفضاء الافتراضي على أنه الرحب وسريع الانتشار، كل هذا لتخدم أهدافا معينة، والتي منها:
ما أهداف الذباب الإلكتروني؟
يلخص الباحث (علي جبير) في بحثه المعنون باسم (أثر الذباب الإلكتروني على توجهات الرأي العام)، بعض أهداف الذباب الإلكتروني، سنحاول هنا أن نلخص بعضًا من تلك الأهداف، منها:
1. صناعة الرأي العام؛ وظيفة هذه الحسابات نشر وإعادة نشر التغريدات في العالم الافتراضي بصورة كبيرة ومتكررة، حتى تصل إلى مرحلة أنها تصبح رأيا عاما في المجتمع، إذ يبدو وكأن هناك إجماعا على موضوع معين، ومن المؤسف أن بقية المغردين الطبيعيين وأفراد المجتمع ينساقون بصورة طبيعية نحو تبني الموضوع.
2. التأثير في المجتمع؛ هذه الإشاعات – حتمًا– ستؤدي إلى بعض التأثيرات السلبية في المجتمع وفي أفراده، وهذه تسير جنبًا إلى جنب مع النقطة الأولى، فلو مثلاً: قام الذباب الإلكتروني بعمل هاشتاج وحملة على بضاعة معينة، على أنه منتج سيئ، وقامت كل وسائل التواصل الاجتماعي بتدوير هذا الهاشتاج، مرات ومرات على مدى شهر كامل، ترى ماذا يمكن أن يحدث؟
3. نشر الفتن وتفكيك الوحدة الوطنية؛ تبغض جيوش الذباب الإلكتروني المجتمعات المتحدة التي تتعايش بطريقة سليمة وخاصة إن كانت تلك المجتمعات ذات ألوان وأطياف مختلفة في الفكر والدين والعقيدة، لذلك تحاول بما لديها من إمكانيات وطرق لمحاولة تفكيك تلك الروابط بغض النظر عن النتيجة التي تحاول أن تصل إليها، فيمكنها أن تستخدم طريقة (فرق تسد)، إذ تقوم تارة بالتحدث عن تلك الفئة من المجتمع على اعتبار أنها من الفئة المغايرة، ثم تقوم فئة من الذباب بالتحرش بالفئة الثانية على اعتبار أنها من الفئة الأولى، وتستمر، وتستمر حتى تقوم بعض الفئات من هذه الفئة أو تلك وتقع في الفخ، ربما عندئذ تنتشر الفتنة وتتفكك الروابط الاجتماعية والوحدة الوطنية.
4. صناعة أبطال من ورق؛ تعاني مجتمعاتنا اليوم من أبطال من ورق، بمعنى أبطال إلا أنهم في الحقيقة ليسوا أبطالا، فهم مجرد أفراد ليس لهم أي إنجازات ثقافية أو فكرية أو حتى مواهب تؤهلهم لتبوء المراتب العليا في المجتمع، كل مواهبهم أنهم يلبسون ويتكلمون ببعض الكلمات الفارغة ويقومون بعمليات تجميل منوعة، وهؤلاء لا هم لهم إلا الظهور الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيجنون من ذلك كثيرا من الأموال، هذه الوسائل الإعلامية تضخم من هؤلاء ليصبحوا أبطالاً وتقلل من شأن الإنسان الحقيقي صاحب الإنجازات والأفكار ليصبح إنسانًا مهمشًا في المجتمع، وهذا يعني القضاء على القدوات الصالحة وإحلال بعض القدوات غير الصالحة في المجتمع، وبالتالي تتغير قيم المجتمع وأفكاره وطريق سير الحياة.
5. الاحتيال وسرقة أموال وبيانات؛ قد تصل بعض الأحيان تلك الهجمات إلى سرقة الأموال بشكل مباشر أو غير مباشر، والاحتيال وسرقة البيانات والمعلومات الشخصية.
عمومًا، هذه بعض أهداف الذباب الإلكتروني، بالإضافة إلى أهداف أخرى كثيرة. حسنٌ، إن كان الذباب يتسلل هكذا إلى العقول والنفوس، فكيف يمكن مكافحته أو التخلص منه؟
كيف تحمي نفسك من الذباب الإلكتروني؟
نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خطة شاملة تبدأ في التفكير في لحظة استخدام وسائل التواصل، والتصفح، والإدمان وما إلى ذلك، ومنها:
1. لا تصدق كل شيء ولا تصدق كل ما يقال؛ نحن نعلم أن الكثير من المعلومات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي كاذبة. وفي بعض الأحيان، فإن الناس على وسائل التواصل الاجتماعي قد لا يكونون أشخاصًا حقيقيين، وفي كثير من الأحيان قد لا تكون هناك أمور وإنما هي أمور مفتعلة، أو أمور غير حقيقية على الإطلاق. لذلك لا تصدق كل ما تقرأه على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى حالة الطقس لا تصدق ما يتم تداوله إلا من مصادرها الرسمية أو من مصادر تثق فيها بصورة جيدة.
2. لا تصدق جملة (من مصدر موثوق، أو قالت الدراسات، كما وصلني، منقول)؛ فمثل هذه الكلمات وغيرها لا وزن لها، فهي تشتت وعادة ما تكون غير صادقة، وكذلك لا تعتبر هذه المصطلحات ذات مرجعية موثوقة، فمن هو المصدر الموثوق؟ ولماذا يخفي اسمه إن كان ما يقوله حقيقة؟ أو ما الدراسات التي رجع لها صاحب المقولة؟ وهل تلك الدراسات منشورة في مجلات رسمية أو دوريات محكمة؟ وهذه قضايا التفكير فيها مهم.
3. لا تعيد نشر كل ما يصل إليك، فربما تكون أنت سببًا في هدم قيم أو أسرة أو مجتمع من غير أن تشعر، وخاصة إن كانت تلك المعلومات غير موثوقة أو غير صحيحة.
4. لا تكن مدمنًا وعبدًا لوسائل التواصل؛ واجعل استخدام هذه الوسائل للبقاء على اتصال بالأشخاص الذين تهتم بهم، فلا تقضي ساعات في النظر إلى الأشياء التي ليست مهمة في العالم الحقيقي. تقوم شركات وسائل التواصل الاجتماعي بتصميم مواقعها وتطبيقاتها لإبقائك تقضي الساعات، وهذه هي الطريقة التي يتم فيها كسب المال.
5. حماية بياناتك على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لا تقدم بيانات شخصية أيًا كانت لأي شخص يطلبها منك على وسائل التواصل، هذه خصوصيات فلا تشارك بها أحد.
نحن نعرف أن هذا الموضوع مهم وحساس، لذلك يجب الحذر والتواصل مع الجهات الرسمية ذات العلاقة حتى يمكن الاستفادة من خبرتهم في ذلك.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك