منذ بداية الحرب على غزة، كثف الجيش الإسرائيلي حملة من الغارات الجوية والاغتيالات ضد النظام الإيراني ووكلائه في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعلى وجه الخصوص، نفذ العديد من الغارات الجوية ضد «حزب الله» في لبنان، بما في ذلك الهجوم الذي وقع أوائل شهر يناير ببيروت، وأدى إلى مقتل مسؤول كبير في حماس، وتصعيد التوترات بشكل كبير.
وفيما وصفه «روبي جرامر»، في مجلة «فورين بوليسي»، بأنه «تصعيد حاد لحرب الظل المستمرة بين «إسرائيل»، و«إيران»، على خلفية الحرب في غزة»، أسفرت غارة جوية إسرائيلية في الأول من أبريل 2024 على القنصلية الإيرانية في «دمشق»، عن مقتل عدة أشخاص -بما في ذلك «محمد رضا زاهدي» القائد في الحرس الثوري الإيراني- والتي وصفها «رالف جوف»، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، بأنها «متهورة بشكل لا يصدق»، مشيرا إلى أن هذا الاستهداف سيؤدي إلى تفاقم «الوضع بشكل خطير»، حيث لن يؤدي إلى كارثة على التوازن الحساس للغاية بالفعل للأمن الإقليمي؛ لكنه قد يجر «الولايات المتحدة»، والدول الغربية الأخرى إلى اشتباكات أكثر تكلفة.
وفي إطار توسيع إسرائيل نطاق استخدام القوة العنيفة خارج حدودها، مستهدفة القادة الإيرانيين البارزين وكبار المسؤولين من وكلائهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ وصف «جرامر»، هجوم دمشق بأنه «أحدث عملية» من هذه التكتيكات. ومع ذلك، فقد أوضح اختلاف هذه الضربة عن سابقتها بسبب الأشخاص الذين تم استهدافهم -قائد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري في لبنان وسوريا -ومكان حدوثها في منشأة دبلوماسية في عاصمة مجاورة. وعليه، رأى أن هذه العملية تشير إلى «موجة جديدة من العنف، ومزيد من التصعيد».
وفي هذ الصدد، أوضح «ستيفن إيرلانجر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن عملية دمشق، هي «أهم عملية اغتيال لزعيم إيراني منذ سنوات»، وأشار «تشارلز ليستر»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى مكانة زاهدي البارزة لدى السلطة، باعتباره «الرجل المسؤول عن أي شيء وكل شيء يفعله الحرس الثوري، وفيلق القدس في سوريا ولبنان». وعلى الرغم من كونه شخصية مهمة في عمليات إيران الإقليمية، إلا أن «علي فايز»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، أكد أيضًا أنه «لا يوجد أحد لا يمكن استبداله في إيران»، مستشهدًا باغتيال أمريكا لقائد فيلق القدس، «قاسم سليماني» عام 2020.
وكما قالت «سوزان مالوني»، من «معهد بروكينجز»، فإن «أحد الدروس» المستفادة من هذه الحلقة»، هو أنه «حتى لو قمت باغتيال شخص نافذ؛ فإن الشبكة وتتابع الأشخاص عبر تعاون طهران مع وكلائها، سيستمر بشكل جيد». وبالتالي، ففي حين أن استهداف إسرائيل لمثل هذا المسؤول العسكري البارز «أمر مهم»، من حيث هوية الشخص، إلا أن المدى الذي سيقلل به هذا فعليًا من نفوذ إيران على لبنان وسوريا؛ يبقى «محدودا».
وبصرف النظر عن هوية الأشخاص المستهدفين، تم تسليط الضوء على حقيقة قيام إسرائيل بضرب منشأة دبلوماسية، على أنه ذي مغزى استفزازي بشكل خاص. ومن خلال إشارة «داليا داسا كاي»، من «مركز بيركل للعلاقات الدولية»، إلى أن «المنشآت الدبلوماسية يُنظر إليها على أنها مساحات وطنية وسيادية محمية»، وأن الهجوم عليها يشبه «الهجوم على الدولة نفسها»، فقد رأت أن هذه العملية قد «تغير قواعد اللعبة» في إسرائيل والحرب غير المعلنة التي تخوضها إيران.
وعند النظر في أسباب الضربة الإسرائيلية، فإن الحقائق المتمثلة في «تعثر قوات الاحتلال بغزة»، و«فشلها في القضاء على حماس عسكريًا» -كما ادعت- و«تدمير مصداقيتها»، بالإضافة إلى ما مُني به «بنيامين نتنياهو»، من إخفاقات سياسية شخصية؛ كلها أسباب مهمة للقيام بهذا التصعيد. ويُلقى على رئيس الوزراء الإسرائيلي باللوم في الفشل الاستخباراتي الذي حدث في 7 أكتوبر 2023. ورأت «سانام فاكيل»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أن الضربة ضد دمشق كانت تهدف جزئيا إلى استعادة سمعته، بعد فشله في حرب غزة. ولعل تلك الأحداث هي ما جعلت 15% فقط من الإسرائيليين يرغبون في بقائه في منصبه بعد انتهاء الحرب، فيما انضم الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل في الكونجرس الأمريكي أيضا إلى الدعوات العامة لإنهاء رئاسته.
وفي تقييم «جون ساورز»، من «جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني» «ام آي 6»، «لا تعتقد إسرائيل أنه من خلال القضاء على كبار القادة، يمكنها تقويض خط السيطرة بين «طهران»، ووكلائها، ولكن لكون إيران وحزب الله، «حريصين للغاية» على عدم الانجرار بشكل كامل إلى الحرب في غزة، فقد اعتبر «نتنياهو»، وحكومته ذلك «علامة ضعف»، و«دليلا»، يمنح إسرائيل «فرصة لتكون أكثر عدوانية في عملياتها الخاصة.
ومن الواضح أن استخدام إسرائيل للغارات الجوية له عواقب أوسع نطاقًا. وحذر المراقبون الغربيون من المخاطر الجسيمة للتصعيد الراهن، والتي قد تنتج عن رد إيراني غير متوقع. وعند النظر إلى أن الهجوم استهدف سفارتها الدبلوماسية بشكل مباشر، رأى «فاكيل»، أنه سيكون من «الصعب» عليها «تجاهل» هذا الاستفزاز.وبينما علق «إيرلانجر»، بأنها لا تريد أن تبدأ «حرب مع إسرائيل»؛ فقد أوضح «ليستر»، أن الهجوم الإسرائيلي على دمشق سيتبعه «رد فعل إيراني قوي»، رغم عدم القدرة على التكهن ما يتطلبه هذا الرد، وشكله في هذه المرحلة. وأوضح «جرامر»، أن من بين «قائمة الخيارات» المتاحة، توجيه «ضربات مضادة غير مباشرة»، ضد منشآت استخباراتية إسرائيلية في العراق، أو زيادة الهجمات ضد المصالح الأمريكية، أو حتى شن «ضربة صاروخية إيرانية مباشرة ضد إسرائيل».
ومع ذلك، لا يُنظر إلى احتمال تحرك إيران في الوقت الراهن على أنه أمر مؤكد ومسلم به؛ حيث رأى «إيرلانجر»، أنها من الممكن أن «تأخذ وقتها»، وترد في لحظة ضعف إسرائيلية أكبر. وبالمثل، اعترفت «فاكيل»، أنه «من الواضح أنها لا تريد حربا إقليمية»، وستنتظر الفرصة للرد، لاسيما وأنها تدرك أن صراعها مع إسرائيل «سيستمر على المدى الطويل».
وفي حين أشارت مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن القادة الإسرائيليين يعتقدون أن لديهم «فرصة نادرة لإلحاق الضرر بوكلاء إيران في المنطقة»، وأنهم تشجعوا بالاعتقاد بأن طهران ستكون «متوترة بشأن التورط في حرب أوسع نطاقا، فإنه «ليس هناك أية ضمانة للنتائج المستقبلية»، وأن «المنطقة يمكن أن تجد نفسها في صراع أكثر فوضوية» بصورة مباشرة، بسبب الهجمات الإسرائيلية.
ومع احتمال نشوء صراع إقليمي أوسع نطاقا بسبب العدوان الإسرائيلي على جيرانها، لابد من دراسة الدور الذي قد تلعبه الإدارة الأمريكية واستغلال نفوذها في هذا الصدد. وبينما كانت وسائل الإعلام الغربية تتناول بشكل مكثف في الأسابيع الأخيرة كيفية تعامل «بايدن»، بـ«صرامة» مع نتنياهو بسبب استيائه من استمرار حرب غزة خلال الأشهر الستة الماضية، فإن سياسات «واشنطن»، تشير إلى عدم رغبتها في إنهاء الحرب ومن ذلك ترددها في الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على القطاع.
ولعل حقيقة أن «إدارة بايدن»، تضغط على الكونجرس الأمريكي للموافقة على بيع طائرات مقاتلة من طراز إف-15 بقيمة 18 مليار دولار لإسرائيل، وكذلك مسألة أن «مجلس الأمن القومي»، قد صرح بـ«عدم تورطه» في الضربة الإسرائيلية على دمشق، و«عدم علمه بها مسبقًا»، لا يعدا «انعكاسًا»، لتجنب التصعيد الإقليمي، بل يدل أكثر على أن إسرائيل لا تهتم بشكل واضح بإبلاغ حليفتها الأساسية بملامح أعمالها العسكرية العدوانية التي ستؤثر حتما على الاستقرار الإقليمي.
وفي هذا الصدد، أشار المراقبون إلى أن افتقار الأمريكيين إلى القيادة والسيطرة في وقت التصعيد الإقليمي بين «إيران»، و«إسرائيل»، سيؤثر بشكل مباشر على مصالحهم في المنطقة. ومع توضيح «ليستر»، أن «رد إيران التقليدي على الضربات الإسرائيلية التصعيدية»، كان «ضرب الأمريكيين»، وليس إسرائيل نفسها، على أساس أن طهران تعتبرهم «نفس الشيء». وأضاف «جوف»، تشبيهًا لذلك بأن الإسرائيليين، يحررون شيكات يتعين على قوات القيادة المركزية الأمريكية صرفها».
وفي حين أن الحرب على غزة لا تُظهر أي علامة على نهايتها حتى مع إصدار قرار مجلس الأمن بالوقف الفوري لإطلاق النار، لا يمكن استبعاد استمرار العنف والتصعيد الإقليمي طوال الفترة المتبقية من عام 2024. وفي هذا الصدد، تكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة «أهمية متزايدة»، لا سيما وأن الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب»، لطالما تفاخر بأن إسرائيل لم يكن لديها «صديق أفضل» منه بالمكتب البيضاوي، وفي ضوء دعوته أيضًا إلى شن حملة أخرى من «الضغوط والعقوبات القصوى» ضد إيران، والتي كانت قد بلغت ذروتها باغتيال الجنرال «سليماني»، ولعل عودته المحتملة إلى السلطة في يناير 2025، ستشجع إسرائيل على تنفيذ المزيد من الاعتداءات الخارجية مع توقع دعم أمريكي أكبر ضد طهران.
على العموم، تمت الإشارة إلى أن الغارة الجوية الإسرائيلية ضد مجمع السفارة الإيرانية في دمشق باعتبارها «خطوة تصعيدية»، غير مسبوقة تضع الشرق الأوسط بأكمله مرة أخرى على شفا صراع أوسع نطاقا. وبينما أوضحت «فاكيل»، أن «نتنياهو»، يأمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى استعادة مصداقيته بين الناخبين؛ فقد أكد «جوف»، على مخاطر مثل هذا الاستفزاز، لا سيما مع اقتناع «ليستر»، بأن شكلاً من أشكال الرد العنيف سيصدر من قبل «طهران»، وخاصة أن هذا الهجوم يعتبر موجها ضدها بشكل مباشر.
وفي الأخير، أجمع المراقبون على افتقار «إدارة بايدن»، إلى فن إدارة الأزمات والقيادة في المنطقة، حيث يؤكد عدم العلم الواضح بهذا الهجوم حقيقة أنها لا تملك السيطرة على الوضع لتجنب أي تصعيد، ومنع مزيد من تدهور حالة الأمن الإقليمي. ونتيجة لذلك، حذر «ليستر»، من أن مخاطر «التقديرات والحسابات الخاطئة» من كلا الطرفين أصبحت الآن «أكبر بكثير من ذي قبل». ومع تزايد فرص عودة «ترامب»، إلى البيت الأبيض يجب الاعتراف باحتمال توقع مزيد من التصعيد في المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك