عبارة سوق المقاصيص عبارة قديمة تلخص تاريخا طويلا ضمن الأسواق البحرينية العريقة مثل سوق الخميس وسوق الأربعاء التي نتذكرها نحن جيل الخمسينيات التي كانت في المنامة القديمة الذي كان ملاصقا لسوق الحدادة قريبا من شارع الشيخ عبدالله هذا السوق الذي أتذكره وأنا طفل صغير ومع التطور العمراني تم نقله إلى منطقة السوق المركزي في المنامة عدة سنوات وبنفس الآلية تم نقله بعد ذلك إلى منطقة مدينة عيسى بمحاذاة السوق الشعبي الذي تم تجديده وبعد إغلاقه في إطار الإجراءات التي فرضها وباء كورونا عاد السوق مؤخرا لاستقبال المواطنين والمقيمين رغم الحديث الذي يدور حول إمكانية نقله إلى مكان آخر لتصبح قصة «المقاصيص» قصة تكرر الانتقال من مكان إلى آخر.
لكننا فوجئنا بهذه الفوضى التي عمت هذا السوق الواقع في الساحة المقابلة للمسجد بمدينة عيسى في مشهد تطغى عليه حالة من عدم الاتساق إن صح التعبير والافتقار إلى أبسط المعالم الأساسية التي كان يتميز بها هذا السوق الشعبي الذي يمكن لمرتاديه أن يعثروا فيه على كل شيء تقريبا من التحف القديمة إلى الأجهزة الإلكترونية والملابس والمكيفات والطيور والمواد الغذائية وكل ما يخطر على البال أو ما لا يخطر على البال إلا أن ما شاهدناه مؤخرا هو شيء لا علاقة له لا بتاريخ سوق المقاصيص ولا بفوائده التي تعود على البائع والمشتري.
إن فكرة سوق المقاصيص ارتبطت بتاريخ البحرين كمعلم من معالمها ومزار من المزارات الشعبية التي تجذب جميع فئات المجتمع وضيوف البحرين والسياح ليس فقط للبيع والشراء وإنما أيضا للتسلية وأذكر فيما مضى كنا أيام الإجازات نذهب إلى هذا السوق رغم بعد المسافة لمشاهدة ما يعرض فيه من أجهزة وبضائع بمختلف أنواعها وأشكالها وكانت لهذه الزيارات متعة كبيرة لما في هذا السوق من تحف نادرة مثل التحف القديمة والأجهزة الكهربائية القديمة والساعات بمختلف ماركاتها هذه الأشياء التي تجذب المهتمين بكل ما هو قديم و«أنتيك».
ولذلك ارتبط هذا السوق بذاكرة جيلنا ارتباطا وثيقا ومن هنا فإن عدم الاهتمام بهذا السوق أو تحويله إلى حالة غير منظمة مثلما هو الأمر حاليا يحتم الاهتمام به من قبل الجهات المسؤولة عن هذا السوق ليكون سوقا كما عهدناه جزءا من التراث البحريني الأًصيل سوقا مستقرا ويلعب دوره الاقتصادي والاجتماعي الذي عاشت عليه أجيال وأجيال سواء من الباعة الصغار أو من المواطنين.
الجانب الثاني الذي يمكن أن يلتف إليه هو أن سوق المقاصيص هو مصدر رزق للعديد من المواطنين البحرينيين الذي اعتادوا العمل في هذا المجال جيلا بعد جيل وليس لهم مصدر رزق آخر يعيشون منه وإنهم يعولون عائلاتهم فقط من هذا المصدر وهم اليوم أو جلهم على الأقل في وضع اجتماعي قلق بعد أن فقدوا مصدر أرزاقهم الذي ارتبط بهذا السوق وارتبط بما لديهم من خبرة في هذا المجال حيث يلعبون دورا مهما في تدوير البضائع والسلع بدلا من التخلص منها أو تحويلها إلى نفايات فالأثاث المستعمل على سبيل المثال يمكن أن تستفيد منه الفئات المحدودة الدخل من الذين يجدون في هذا السوق ضالتهم.
ولا يخفى أن وجود المجمعات التجارية الكبرى وغيرها من الأسواق الحديثة قد لا يجد فيها المواطن البسيط ضالته بسبب ارتفاع الأسعار فيها ولذلك فإن الأسواق الشعبية تكون متنفسا لهذه الفئة الاجتماعية حيث يجدون فيها فرصة لاقتناء حاجاتهم بأقل الأسعار التي تتناسب مع دخولهم.
وهناك جانب مهم أيضا يجب الانتباه إليه وهو مراعاة الفئة الاجتماعية من أصحاب الفرشات من المواطنين البحرينيين الذين ليس لديهم دخل يعيشون منه أو تجارة أو أي مداخيل تعود عليهم غير مداخل هذا السوق وكذلك مراعاة مرتادي هذا السوق من المواطنين والمقيمين الذين يجدون ضالتهم فيه، وإزاء كل ذلك فإننا نوجه نداء إلى الجهات المسؤولة على هذا الملف للعمل على توفير مكان ثابت ومناسب لإحياء هذا السوق ليكون مصدرا من مصادر الحياة الاقتصادية والاجتماعية وأن يتم الاستثمار فيه ليكون معلما من المعالم التي يزورها السياح مثلما هو الأمر في بعض البلدان على أن يتم تنظيمه بشكل أفضل وتخصيص البيع فيه للبحرينيين فقط وليس كما هو الحال تسرح فيه العمالة الوافدة وتمرح على حساب المواطنين البسطاء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك