يأتي إعلان اتحاد الغرف السعودية في الثامن والعشرين من شهر مارس 2024 بتشكيل أول لجنة وطنية متخصصة بالصناعات العسكرية، تعبيرا عن النجاح المتحقق في أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في إشراك القطاع الخاص وتفعيل دوره في الصناعات العسكرية إلى جانب القطاع الصناعي العسكري الحكومي، فقد أكدت رؤية المملكة 2030 أهمية الالتزام بتوطين الصناعات العسكرية في البلاد منطلقة من حقيقة تنموية مهمة تتمثل في أن الأثر الإيجابي لتوطين الصناعات العسكرية لا يقتصر على توفير جزء من الإنفاق العسكري فحسب، بل يتعداه إلى إيجاد أنشطة صناعية وخدمات مساندة كالمعدات الصناعية والاتصالات وتقنية المعلومات مما يؤدي إلى خلق فرص عمل نوعية في الاقتصاد الوطني، وبالتالي الاسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، خاصة أن المملكة العربية السعودية من أكثر الدول إنفاقا في المجال العسكري حيث كانت عند إعداد رؤية المملكة عام 2015 تحتل المركز الثالث عالميا، وتستورد نحو (98%) من هذا الإنفاق من الخارج، ولا ينتج محليا سوى نسبة (2%). فقد كان قطاع الصناعات العسكرية الوطنية يقتصر على (7) شركات ومركزي أبحاث فقط. لذا فإن الرؤية هدفت إلى توسيع نطاق الإنتاج المحلي بما يزيد على (50%) من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030م، وقد حققت خلال السنوات الماضية من إطلاق الرؤية نجاحات مميزة في هذا الميدان وتمكنت من توسيع دائرة الصناعات الوطنية لتشمل الصناعات الأكثر تعقيدا مثل صناعة الطيران العسكري، وبناء منظومة متكاملة من الخدمات والصناعات المساندة لها، بما أسهم في تحسين مستوى الاكتفاء الذاتي وخفض من استيراد العديد من المنتجات العسكرية السعودية. وإن آلية الوصول إلى هذا الهدف الحيوي رسمته الرؤية من خلال استثمارات مباشرة وشراكات استراتيجية مع الشركات الراسخة القدم عالميا وإقليميا في هذا القطاع، وذلك لأجل نقل المعرفة والتقنية وتوطين الخبرات في مجالات التصنيع والصيانة والبحث والتطوير، بالإضافة إلى إشراك القطاع الخاص السعودي الذي أسند إليه الكثير من الحلقات التصنيعية المهمة في قطاع التصنيع العسكري، في مجالات صناعة الأسلحة والأعتدة، وصناعة السفن والزوارق البحرية المقاتلة، وصناعات أخرى عديدة.
وانتشرت في المملكة مجمعات صناعية عسكرية متخصصة ومتكاملة، بالإضافة إلى مراكز ومعاهد تدريب وتأهيل للمواطنين متخصصة بالصناعات العسكرية، وإن ذلك من شأنه تعزيز المكانة الاستراتيجية للمملكة وتدعيم الاستقرار في جميع دول مجلس التعاون الخليجي عبر تدعيم قدرات جيوشها الوطنية بأسلحة ومعدات من داخل الإقليم دون شروط أو تحفظات أو ضوابط تقيد قرارها العسكري والسياسي. كما تم إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، والتي مثلت رافدا مهما وحاضنة رئيسية لدعم واحتضان الشركات والمؤسسات الوطنية الخاصة التي تقدم خدمات ومنتجات صناعية في القطاع العسكري، بالإضافة إلى دورها في التدريب والتأهيل التقني للشباب السعودي للعمل والإبداع في قطاع الصناعات العسكرية. وقد نجحت الشركة في صياغة القاعدة الاستراتيجية لنقل الخبرة والتكنولوجيا والتقنية لقطاع الصناعات العسكرية وتجاوز التحديات التي واجهتها لاسيما أنها تعمل في قطاع يتسم بتعدد التحديات والصعوبات والمحاذير في الدول صاحبة القدم الراسخة في هذا المجال، فكيف الحال في شركة وطنية جديدة وفي قطاع يتسم بالتسارع التقني في دولة لم يسبق وأن وفرت المستلزمات المادية والتقنية والبشرية له وبظروف سياسية وأمنية إقليمية وعالمية غير مستقرة. إلا أن الإرادة الوطنية الصادقة لقيادة المملكة العربية السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله في عمره، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين، ومتابعتهم المتواصلة للشركة، وحسن اختيار الإدارات التنفيذية لها، والحماس الكبير الذي تميز به الشباب السعودي واندفاعه للعمل في هذا القطاع، قد ذلل الصعوبات، وحقق النجاح تلو النجاح.
ومما ينبغي الإشارة إليه بالاعتزاز بأن الاهتمام بالتصنيع العسكري لم يقتصر على المملكة العربية السعودية فقط بل امتد إلى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فقد شهدت مبادرات مميزة في مجال توطين الصناعات العسكرية، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة ظهرت صناعة عسكرية متنوعة أبرزها في مجال صناعة الزوارق والسفن الحربية، وكذلك في مملكة البحرين، ودولة قطر، وسلطنة عمان، وقد كان لها دور مهم في تجهيز القوات العسكرية بقطاعاتها المختلفة بجزء من احتياجاتها من هذه الصناعات التي تميزت بمواصفاتها وإمكانياتها العالية لتنفيذ المهام العسكرية، بل لم يقتصر سوقها على دول مجلس التعاون الخليجي وإنما تم تصدير منتجاتها إلى الهند والولايات المتحدة الأمريكية ودول أاوروبية عديدة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك