يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
تحية إجلال لسيدة شجاعة
يجب أن نقف تحيةً وإجلالا وتقديرا لهذه السيدة. هي سيدة شجاعة قالت كلمة حق مدوية في وجه الإرهاب والهمجية.
هذه السيدة هي فرانشيسكا البانيز المقررة الخاصة بالأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية. قدمت تقريرا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن «الإبادة الجماعية في غزة».
يعتبر هذا التقرير من أهم وأخطر التقارير الدولية عن جرائم العدو الصهيوني التي ارتكبها في غزة.
وسائل الإعلام نقلت عناوين عامة لبعض ما تضمنه التقرير وأهم توصياته، لكن الحقيقة أن التقرير الواقع في 25 صفحة يقدم بشكل موثّق ودقيق رصدا لكل جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ويفضح كل الادعاءات الصهيونية ويفندها، ويضع كل دول العالم أمام مسؤولياتها التاريخية لوقف هذه الجرائم.
لا نريد أن نعرض تفصيلا ما جاء في تقريرها، لكن من المهم أن ننوه ببعض الجوانب الأساسية فيه، أهمها ما يلي:
1 - إن إسرائيل دمرت غزة، خلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية، وإن العدد المروع من الوفيات والضرر الذي لا يمكن إصلاحه الذي لحق بالناجين والتدمير المنهجي لكل جانب ضروري لاستمرار الحياة في غزة -من المستشفيات إلى المدارس ومن المنازل إلى الأراضي الصالحة للزراعة -والضرر الخاص الذي يلحق بمئات الآلاف من الأطفال والنساء الحوامل لا يمكن تفسيره إلا بأنه يشكل دليلا على نية التدمير المنهجي للفلسطينيين كمجموعة.
2 - إن ما فعلته إسرائيل يؤكد ارتكابها الإبادة الجماعية. ويذكر التقرير ان الخطاب العنيف المناهض للفلسطينيين، الذي يصور الشعب الفلسطيني بأكمله في غزة كأعداء يجب القضاء عليهم وإزالتهم بالقوة منتشر في جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي، ويؤكد ان الدعوات إلى الإبادة العنيفة الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين ذوي السلطة القيادية والموجهة إلى الجنود المناوبين على الأرض هي بمثابة دليل دامغ على التشجيع الصريح والعلني لارتكاب الإبادة الجماعية.
3 - إن نتائج جرائم الإبادة الجماعية مروعة، إذ قتلت أكثر من 32 ألفا و333 فلسطينيا من بينهم أكثر من 13 ألف طفل، مشيرة إلى أنه يفترض أن أكثر من 12 ألف شخص لقوا حتفهم تحت الأنقاض، وأن حوالي 74 ألفا و694 جريحا العديد منهم مصابون بإصابات غيرت حياتهم في الوقت الذى تم تدمير 70% من المناطق السكنية وتهجير80% من إجمالي السكان قسرا. هذا غير اعتقال آلاف الفلسطينيين وإخضاعهم -بشكل منهجي- للمعاملة «اللا إنسانية والمهينة»، بينما تم دفع مليوني فلسطيني إلى الجوع والمجاعة.
4 - إن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة هي مرحلة تصعيدية لعملية محو استعمارية استيطانية طويلة الأمد، وأن هذه العملية -وعلى مدى أكثر من 70 عاما- خنقت الفلسطينيين كشعب ديموغرافيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، كما سحقت حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير في محاولة لتهجيرهم ومصادرة أراضيهم والسيطرة عليها.
بناء على هذه الجوانب التي يعرضها التقرير طالبت البانيز كل دول العالم بالتدخل لوقف جرائم الإبادة في غزة، وطالب التقرير خصوصا بمقاطعة إسرائيل وفرض حظر سلاح عليها.
هذا بعض من أهم ما تضمنه التقرير.
سببان رئيسيان يحتمان الإشادة بالسيدة البانيز وموقفها وتقريرها.
الأول: أنها محامية وخبيرة دولية محترمة، مواقفها وآراؤها وتقاريرها تحظى باحترام عالمي في الأوساط الحقوقية والسياسية، وهي صاحبة خبرة طويلة في هذا المجال.
هي بالمناسبة محامية دولية وباحثة أكاديمية إيطالية درست القانون في جامعة بيزا، وحصلت على شهادة الماجستير في حقوق الإنسان من جامعة سواس في لندن، وتكمل حاليا الدراسات العليا لدرجة الدكتوراه. عملت باحثة في معهد دراسة الهجرة الدولية في جامعة جورج تاون، الأمريكية، وكبيرة المستشارين المعنية بالهجرة والتشريد القسري في مركز بحوث متخصص تابع لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية. وشاركت في تأسيس الشبكة العالمية المعنية بالقضية الفلسطينية، وأصدرت العديد من المنشورات والأوراق البحثية عن الوضع القانوني في إسرائيل وفلسطين، وفي عام 2020 أصدرت كتابا بعنوان «اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي» الذي قدمت فيه تحليلا قانونيا شاملا عن حالة اللاجئين الفلسطينيين.
والثاني: أنها أصرت على إعداد التقرير بهذا الشكل على الرغم من معرفتها بالإرهاب الذي يتعرض له أي مسؤول أو سياسي أو خبير في العالم إن هو ناصر الفلسطينيين أو أدان الجرائم الصهيونية.
وبعد تقديم التقرير قالت إنها بالفعل تعرضت لتهديدات كثيرة.
قبل أيام، كتبت البانيز على موقع «إكس»: «الشجاعة هدية ثقيلة الحمل، لكنها ليست أثقل من 13 ألف نعش صغير يُثقل كاهل ضمائرنا»، في إشارة إلى عدد الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل في حربها على قطاع غزة.
كتبت هذا في تعليق على موقف اتخذته سيدة شجاعة أخرى لا بد أن نتوقف عند ما فعلته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك