منذ اندلاع الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، تم إحباط العديد من قرارات «مجلس الأمن»، الداعية إلى وقف إطلاق النار؛ بسبب سياسة «الولايات المتحدة»، والتي دأبت على استخدام حق النقض «الفيتو»، لحماية قوات الاحتلال من المساءلة الدولية على انتهاكاتها وعدوانها على الفلسطينيين في القطاع.
ونتيجة لهذه السياسة، تمكن الجيش الإسرائيلي من تصعيد جرائمه ضد المدنيين، وتدمير 70% من المساكن والمدارس والمستشفيات والمنشآت التابعة للأمم المتحدة؛ ما أوجد كارثة إنسانية خطيرة، تمثلت في تعرض أغلبية سكان القطاع لخطر المجاعة الشديدة. وفيما رفضت إسرائيل الضغوط العالمية لوقف حربها، ومطالبات «واشنطن»، بعدم مواصلة الهجوم على مدينة رفح، لاكتظاظها بمليون ونصف المليون من المدنيين؛ فقد أشار المعلقون الغربيون إلى ما يُشير إلى نفاد صبر ودعم البيت الأبيض والحلفاء الغربيين.
وعقب العديد من القرارات الفاشلة والمعطلة، أصدر «مجلس الأمن»، يوم 25 مارس 2024، القرار رقم «2728»، الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، والسماح العاجل بتدفق المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين المحاصرين داخل قطاع غزة. وعلى الرغم من امتناع ممثل الولايات المتحدة عن التصويت، فقد اعتُبر ذلك «قبولا»، من الإدارة الأمريكية، بوقف عرقلة الدعوات المنادية بإنهاء الحرب.
وعلى الرغم من صدور بيان دبلوماسي عالمي، فإنه بالنظر إلى أن «إدارة بايدن»، فقدت القدرة على السيطرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، وحلفائه السياسيين اليمينيين، فضلاً عن رفض قوات الاحتلال الالتزام بشروط قرار «محكمة العدل الدولية»، الصادر في يناير 2024؛ فإن احتمالات موافقتها الآن على وقف أعمالها العسكرية، تبدو «ضئيلة».
وفي حين تمت الموافقة على قرار «مجلس الأمن»، بشأن غزة، فإنه يجب الإشارة بشكل خاص إلى الفشل السياسي والأخلاقي للدول الغربية في وقف القتل والتدمير من قبل إسرائيل في غزة، أو تحميلها المسؤولية عن الانتهاكات المتعددة الموثقة بالقانون الدولي، كما ينبغي التساؤل.. لماذا تطلب الأمر استشهاد أكثر من 32 ألف مدني فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، والمعاناة الهائلة لمئات الآلاف الآخرين إلى حد المجاعة الحادة؛ حتى يتم التوصل إلى إجماع دولي على ضرورة وقف الحرب.
ويطالب القرار رقم «2728»، بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان. ومن بين الأعضاء الخمسة عشر الدائمين والمتناوبين في المجلس؛ صوتت 14 دولة، بما في ذلك المملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين، لصالح القرار، في حين امتنعت أمريكا عن التصويت، بعد أن استخدمت حق النقض في السابق على ثلاثة قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بالسبب الذي دفع «واشنطن»، الآن إلى تحويل لهجتها نحو الحرب، ورفض حماية إسرائيل من المساءلة، فإنه يبدو أن «البيت الأبيض»، قد أقر أخيرا بحقيقة انتهاكها للقانون الدولي، وعزمها على تهجير الفلسطينيين من غزة. وأوضح «جيريمي بوين»، من شبكة «بي بي سي»، أن قرار «إدارة بايدن»، بعدم عرقلة التصويت في الأمم المتحدة، هو دليل على الكيفية التي قررت بها أن «الكلمات القوية ليست كافية» لوقف تدمير إسرائيل الشجر والحجر في قطاع غزة، وإنهاء الكارثة الإنسانية التي سببها ذلك. ومع وجود إجماع دولي على حتمية وقف الحرب، رأى «بوين»، أنه يتعين على إسرائيل أن «تقرر الآن ما إذا كانت ستحترم القرار الأممي المدعوم بقوة القانون الدولي».
وفي تقييم كيفية رد إسرائيل على القرار، يتضح أن تاريخها في تجاهل مثل هذه القرارات الدولية -وأبرزها القرار 242 لعام 1967، الذي لا يزال يتعلق باحتلالها للضفة الغربية، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان – وكذلك رد فعلها على الأوامر الأولية الصادرة عن «محكمة العدل الدولية»؛ يظهر عدم وجود تغيير قد طرأ على موقفها. وكما أوضح «جوناثان كتّاب»، من «المركز العربي في واشنطن دي سي»، فإنه لا يوجد «ما يشير إلى أن إسرائيل قد غيرت أفعالها أو سلوكها الإجرامي»، لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين، وبدلا من ذلك «واصلت حملتها العسكرية بطريقة تسببت في خسائر فادحة بالمدنيين الفلسطينيين».
وعلى الصعيد الدبلوماسي، حاول «نتنياهو»، تقويض تصويت «مجلس الأمن»، من خلال الادعاء بأنه «أضر بطريقة أو بأخرى بمفاوضات الهدنة مع حماس»، فضلا عن استدعاء مفاوضيه من قطر بعد 10 أيام من المحادثات، كبينة على رفضه إجماع بقية العالم الذي تم التعبير عنه من خلال قرار مجلس الأمن.
وطوال الأشهر الستة الماضية، رفضت «قوات الاحتلال»، الانصياع إلى مطالبات المجتمع الدولي وحلفائها الغربيين، وأبرزهم «الولايات المتحدة»، و«المملكة المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبي»، بكبح جماح عدوانها ضد الفلسطينيين.. ما يثير تساؤلا حول الإجراءات التي سيتخذونها إذا واصلت بالفعل حربها، لا سيما في ظل عزمها على ذلك؟ وردا على ذلك، أشار «بوين»، إلى أن «نقطة القوة» التي لا تزال في يد الأمريكيين هي سيطرتهم على إمدادات الأسلحة وحظرها» ((قررت يوم 28/3/2024 استئناف تزويد إسرائيل بالطائرات والقنابل)). وبالفعل، حظرت «كندا»، صادراتها العسكرية إلى إسرائيل. وفي «المملكة المتحدة»، وقع أكثر من 130 برلمانيا على رسالة تدعو وزير الخارجية «كاميرون»، إلى أن يحذو حذو حكومة «أوتاوا»، في هذا الصدد.
وفيما يتعلق بواشنطن، يعتقد أغلبية الناخبين الديمقراطيين بضرورة وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وكذلك الكثير من الأكاديميين والسياسيين. وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، قد طالبت «البيت الأبيض»، بفرض «تعليق فوري» لجميع عمليات نقل الأسلحة إلى قوات الاحتلال.
وعلى الرغم من أن الأسلحة الأمريكية تستخدم لخلق «انتهاكات صريحة للقانون الإنساني الدولي»؛ فإن الدعم الموجه إلى إسرائيل بين الجمهوريين في الكونجرس لا يزال قويا. ومع تعهد رئيس مجلس النواب الأمريكي، الجمهوري اليميني المتشدد «مايك جونسون»، بدعوة «نتنياهو»، لإلقاء كلمة أمام الكونجرس -كبيان واضح على دعمهم المستمر للحرب الإسرائيلية – فإن الضغوط السياسية الداخلية من الممكن أن تلقي بظلالها على «بايدن»، خاصة قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، خاصة بشأن العمل على عدم قطع المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل.
وحتى لو تحدى «البيت الأبيض»، التوقعات، واتخذ موقفا جريئا في هذا الصدد، فلا يمكن أن نستبعد أن واشنطن لن تتوقف عن تقديم الدعم العسكري السري. وكدليل على ذلك، أشارت صحيفة «واشنطن بوست»، إلى كيف أفلتت أكثر من 100 عملية بيع لصادرات عسكرية أمريكية لإسرائيل من رقابة الكونجرس، والذي يجب قبل الموافقة عليها عدة اشتراطات أمنية وتمويل نقدي، وهو ما قاله «آري تولاني»، مدير مراقبة المساعدة الأمنية في مركز السياسة الدولية، والذي رفض هذا الأمر معتبرا إياه «طريقة مثيرة للقلق للغاية لتجنب الشفافية والمساءلة».
وبعيدا عن الشكوك التي تحيط بردود أفعال الدول الغربية حيال الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، فإن حقيقة أن قرار «مجلس الأمن»، قد تم تمريره بعد ستة أشهر من اندلاع القتال، وليس قبل تدهور الوضع الإنساني داخل الأراضي الفلسطينية، قد جعل موت المدنيين جوعا بمثابة وصمة عار أخلاقية وسياسية لا يمكن تبريرها. وبينما رأى «بوين»، أن قرار عدم استخدام الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار هو «محاولة من قبل الأمريكيين للرد على الاتهامات بأنهم مكّنوا إسرائيل من التمادي في حربها»؛ فإن واقع فشل «إدارة بايدن»، وغيرها من الدول الغربية في الانصياع لدعوات الوقف الفوري لإطلاق النار في بادئ الأمر، وممارسة ضغوط سياسية واقتصادية أكبر على إسرائيل لإنهاء حربها، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لعبت «دورا مهما»، في تفاقم هذه الكارثة، والتي ستستمر تداعياتها خلال عقود.
وعلى الرغم من ترحيب السفير الفرنسي لدى مجلس الأمن «نيكولا دي ريفيير»، بكيفية إظهار القرار 2728 أن مجلس الأمن «لا يزال بإمكانه التحرك عندما يبذل جميع أعضائه الجهد اللازم للاضطلاع بمسؤولياتهم»؛ فقد أكد أن «صمت المجلس بشأن حرب غزة كان أمر فجا».
ومع أن «الولايات المتحدة»، قد قبلت وبشكل منقوص الآن نداءات المجتمع الدولي، بشأن الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، فإن حقيقة وقوفها إلى جانب قوات الاحتلال ستة أشهر سابقة، تعني أنها لا تستطيع الهروب من مسؤولية ما حدث. ولعل هذه النقطة بدت واضحة في الطريقة التي وصفت بها الأمينة العامة لـ«منظمة العفو الدولية»، «أنياس كالامار»، هذا القرار، بأنه «طال انتظاره»، لا سيما أن حجم الدعم الأمريكي لحماية إسرائيل من المساءلة الدولية، وتوفير الوسائل العسكرية لتدمير غزة، شجع «نتنياهو»، وحلفاءه السياسيين، إلى حد أنه على الرغم من الإدانة العالمية، ليس لديهم رغبة في وقف الحرب، وعرقلة الحكم على آلاف الفلسطينيين بالموت والمعاناة.
على العموم، يترك هذا الفشل الأمريكي الوضع الحالي كما هو بلا أدنى تغيير لاسيما وأن إسرائيل عازمة على تجاهل قرارات كل من «مجلس الأمن»، و«محكمة العدل الدولية»، دون أدنى شعور بالحرج. وفي حين أن الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، لا تزالان قادرتين على التأثير في سلوك إسرائيل الإجرامي واللاإنساني، سواء من خلال فرض حظر على بيع الأسلحة، أو الاعتراف بانتهاكاتها للقانون الدولي؛ فإنه إذا كان لقادة هذه الدول الشجاعة والإرادة، فإن القيام بذلك قد يكون خطوة مهمة نحو التغيير.
وعليه، فمع إصدار «مجلس الأمن»، أخيرا قرارا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، فإن تعنت إسرائيل الموثق جيدا تجاه العمل من أجل السلام، سيؤدي حتما إلى ما أشار إليه «جون هوفمان»، من معهد «كاتو»، من أن «جميع المؤشرات تشير إلى أن حدة الحرب، ومعاناة المدنيين الفلسطينيين سوف تزداد سوءا».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك