العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حوار رمضاني مع صديق

بقلم: د. نبيل العسومي

الاثنين ٠١ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

التقيت‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬بأحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الروس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وتناولنا‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث‭ ‬وكان‭ ‬مما‭ ‬أثرته‭ ‬شخصيا‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬مشكلة‭ ‬زيادة‭ ‬المصاريف‭ ‬التي‭ ‬ترهق‭ ‬ميزانية‭ ‬الأسرة‭ ‬البحرينية‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬وشكوى‭ ‬أغلبية‭ ‬أفراد‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬المصروفات‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬انخرام‭ ‬الموازنة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالأسرة‭ ‬حيث‭ ‬يلجأ‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬أو‭ ‬الأصدقاء‭ ‬فالذي‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬شهريا‭ ‬500‭ ‬دينار‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ينفق‭ ‬1000‭ ‬دينار‭ ‬والذي‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬1000‭ ‬دينار‭ ‬يصبح‭ ‬إنفاقه‭ ‬2000‭ ‬دينار‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬متعللين‭ ‬جميعا‭ ‬بزيادة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬وزيادة‭ ‬المصاريف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بشهر‭ ‬رمضان‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هنالك‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬الدخل‭ ‬المادي‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬إلى‭ ‬مشكلات‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ ‬يأتي‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك‭ ‬بمصاريفه‭ ‬الأخرى‭ ‬الكبيرة‭ ‬فيزداد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءا‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬فترتفع‭ ‬الديون‭ ‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬المصاريف‭.‬

عقب‭ ‬الصديق‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬ملاحظاتي‭ ‬مستغربا‭ ‬ومتسائلا‭: ‬هل‭ ‬أنتم‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬الأيام‭ ‬لا‭ ‬تشترون‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬اللازمة‭ ‬للأسرة‭ ‬ولا‭ ‬تأكلون‭ ‬ثلاث‭ ‬وجبات‭ ‬في‭ ‬اليوم؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إننا‭ ‬نشتري‭ ‬كل‭ ‬احتياجاتنا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬وقبل‭ ‬وبعد‭ ‬رمضان‭ ‬فرد‭ ‬إذن‭ ‬لما‭ ‬يزداد‭ ‬استهلاك‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬والذي‭ ‬يفترض‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شهرا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬حيث‭ ‬إنكم‭ ‬تتناولون‭ ‬وجبتين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬علمي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬وجبات‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬الأيام؟‭ ‬مردفا‭ ‬أين‭ ‬الخلل‭ ‬إذن؟‭.‬

لقد‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬مبررا‭ ‬مقنعا‭ ‬للصديق‭ ‬الروسي‭ ‬لهذه‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الاستهلاك‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬نمط‭ ‬الاستهلاك‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬أشهر‭ ‬السنة‭ ‬فيزداد‭ ‬الاستهلاك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الصديق‭ ‬الروسي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مقتنعا‭ ‬من‭ ‬تبريراتي‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬كلامي‭ ‬فبادرني‭ ‬بسؤال‭ ‬آخر‭ ‬وهل‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الاستهلاك‭ ‬يتم‭ ‬استهلاكها‭ ‬أو‭ ‬أكلها؟‭ ‬فشعرت‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحرج‭ ‬لأن‭ ‬الجواب‭ ‬بالطبع‭ ‬لا‭ ‬فحاولت‭ ‬أن‭ ‬ألتف‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬لكنه‭ ‬من‭ ‬كلامي‭ ‬فهم‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نستهلك‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬فعقب‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إذًا‭ ‬الخلل‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬وإنما‭ ‬الخلل‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬تعاملكم‭ ‬مع‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬فرصة‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والأكل‭ ‬أصبح‭ ‬مناسبة‭ ‬للتفنن‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الأطباق‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والتي‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬حاجتكم‭ ‬والتي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬براميل‭ ‬القمامة‭ ‬وهذه‭ ‬ثقافة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوسع‭ ‬في‭ ‬الاستهلاك‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬المناسبة‮»‬‭.‬

ملاحظة‭ ‬الصديق‭ ‬الروسي‭ ‬أحالتني‭ ‬إلى‭ ‬حقيقتين‭ ‬نلاحظهما‭ ‬كلما‭ ‬جاء‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬

الأولى‭: ‬كيف‭ ‬يتحول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬للصيام‭ ‬وتقليل‭ ‬الطعام‭ ‬إلى‭ ‬شهر‭ ‬للاستهلاك‭ ‬والبذخ‭ ‬يشارك‭ ‬فيهما‭ ‬الجميع‭ ‬الغني‭ ‬والفقير‭ ‬كل‭ ‬بطريقته‭ ‬الأسر‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬كميات‭ ‬الأطعمة‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وأصنافها‭ ‬وزيادة‭ ‬الطبخ‭ ‬بكميات‭ ‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬لها‭ ‬حيث‭ ‬يقضي‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬لإعداد‭ ‬الطعام،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬زيادة‭ ‬وتيرة‭ ‬الإعلان‭ ‬والدعاية‭ ‬والعروض‭ ‬لحث‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشراء‭ ‬وبالتالي‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المصاريف‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬تفاقمت‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬عادة‭ ‬رمضانية‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬تزداد‭ ‬أوزانهم‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬انخفاضها‭ ‬وفقا‭ ‬للمنطق‭ ‬الطبيعي‭. ‬الثانية‭: ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬نشير‭ ‬إليها‭ ‬كلما‭ ‬يأتي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ ‬وهي‭ ‬الكميات‭ ‬الهائلة‭ ‬من‭ ‬الأطعمة‭ ‬التي‭ ‬يلقى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬براميل‭ ‬القمامة‭ ‬حتى‭ ‬القطط‭ ‬تزداد‭ ‬أوزانها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬إنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬الأيام‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تتفاقم‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ويزداد‭ ‬حجمها‭ ‬وأتذكر‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬قد‭ ‬قدرت‭ ‬كميات‭ ‬الطعام‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬براميل‭ ‬القمامة‭ ‬سنويا‭ ‬بمئات‭ ‬الأطنان‭ ‬تقدر‭ ‬قيمتها‭ ‬بـ‭ ‬95‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬هي‭ ‬خسارة‭ ‬مالية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬ومنهم‭ ‬أخوتنا‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬المدمرة‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬والجماعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬تسد‭ ‬به‭ ‬جوعها‭ ‬وتلك‭ ‬مصيبة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نلتفت‭ ‬إليها‭. ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يدور‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وأفراد‭ ‬الأسر‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الملاحظات‭ ‬والدعوات‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬تذهب‭ ‬مع‭ ‬الريح‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬مستعد‭ ‬لإصلاح‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬العقلاني‭ ‬الديني‭ ‬الأخلاقي‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قد‭ ‬حذر‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬التبذير،‭ ‬كما‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يفسرون‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬يدعو‭ ‬إليها‭ ‬ديننا‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬بالبخل‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا