التقيت قبل عدة أيام بأحد الأصدقاء الروس الذي كان في زيارة لمملكة البحرين وتناولنا أطراف الحديث وكان مما أثرته شخصيا خلال هذا اللقاء مشكلة زيادة المصاريف التي ترهق ميزانية الأسرة البحرينية خلال شهر رمضان المبارك وشكوى أغلبية أفراد الأسر من ارتفاع المصروفات بشكل كبير جدا وغالبا ما يتسبب ذلك في مشكلات كبيرة على صعيد انخرام الموازنة الخاصة بالأسرة حيث يلجأ البعض إلى الاقتراض من البنوك أو من الأهل أو الأصدقاء فالذي اعتاد على الإنفاق شهريا 500 دينار أصبح في شهر رمضان ينفق 1000 دينار والذي اعتاد على الإنفاق 1000 دينار يصبح إنفاقه 2000 دينار وربما أكثر متعللين جميعا بزيادة الاستهلاك وزيادة المصاريف المرتبطة بشهر رمضان دون أن تكون هنالك زيادة في الدخل المادي بأي شكل من الأشكال وهذا ما يؤدي في الغالب إلى مشكلات يعاني منها المواطن البحريني فبمجرد أن ينتهي شهر رمضان الكريم يأتي عيد الفطر المبارك بمصاريفه الأخرى الكبيرة فيزداد الأمر سوءا عن سوء فترتفع الديون نتيجة ارتفاع المصاريف.
عقب الصديق الروسي على ملاحظاتي مستغربا ومتسائلا: هل أنتم في سائر الأيام لا تشترون المواد الغذائية اللازمة للأسرة ولا تأكلون ثلاث وجبات في اليوم؟ قلت له إننا نشتري كل احتياجاتنا في رمضان وقبل وبعد رمضان فرد إذن لما يزداد استهلاك الطعام في رمضان والذي يفترض فيه أن يكون شهرا للحد من استهلاك المواد الغذائية حيث إنكم تتناولون وجبتين على حد علمي بدلا من ثلاث وجبات في بقية الأيام؟ مردفا أين الخلل إذن؟.
لقد حاولت أن أجد مبررا مقنعا للصديق الروسي لهذه الزيادة في الاستهلاك حيث إن نمط الاستهلاك في رمضان يختلف عن باقي أشهر السنة فيزداد الاستهلاك إلا أن الصديق الروسي لم يكن مقتنعا من تبريراتي ولا من كلامي فبادرني بسؤال آخر وهل هذه الزيادة في الاستهلاك يتم استهلاكها أو أكلها؟ فشعرت بشيء من الحرج لأن الجواب بالطبع لا فحاولت أن ألتف على السؤال لكنه من كلامي فهم إننا لا نستهلك هذه الزيادة فعقب قائلا: «إذًا الخلل ليس في شهر رمضان وإنما الخلل يعود إلى ثقافة تعاملكم مع شهر رمضان فبدلا من أن يكون شهر رمضان فرصة للتقليل من الاستهلاك والأكل أصبح مناسبة للتفنن في إعداد الأطباق المختلفة من الطعام والتي تزيد على حاجتكم والتي على ما يبدو تجد طريقها إلى براميل القمامة وهذه ثقافة تختلف عن ثقافة الشعوب الغربية التي لا تتوسع في الاستهلاك مهما كانت المناسبة».
ملاحظة الصديق الروسي أحالتني إلى حقيقتين نلاحظهما كلما جاء شهر رمضان.
الأولى: كيف يتحول شهر رمضان المبارك من شهر للصيام وتقليل الطعام إلى شهر للاستهلاك والبذخ يشارك فيهما الجميع الغني والفقير كل بطريقته الأسر تزيد من شراء كميات الأطعمة بمختلف أنواعها وأصنافها وزيادة الطبخ بكميات لا حاجة لها حيث يقضي القائمون على إعداد الطعام ساعات طويلة في المطبخ لإعداد الطعام، فضلا عن زيادة وتيرة الإعلان والدعاية والعروض لحث الناس على المزيد من الشراء وبالتالي المزيد من المصاريف وهي مسألة تفاقمت عبر السنوات وتحولت إلى عادة رمضانية حتى إن بعض الأفراد تزداد أوزانهم بدلا من انخفاضها وفقا للمنطق الطبيعي. الثانية: وهي ما نشير إليها كلما يأتي شهر رمضان الكريم وهي الكميات الهائلة من الأطعمة التي يلقى بها في براميل القمامة حتى القطط تزداد أوزانها في شهر رمضان بالرغم من إنها ظاهرة موجودة في سائر الأيام إلا أنها تتفاقم في شهر رمضان ويزداد حجمها وأتذكر أن الجهات المختصة بهذا الشأن قد قدرت كميات الطعام الذي يتم التخلص منها في براميل القمامة سنويا بمئات الأطنان تقدر قيمتها بـ 95 مليون دينار هي خسارة مالية وأخلاقية يحدث ذلك في الوقت الذي يعاني منه الملايين من البشر ومنهم أخوتنا سكان غزة المدمرة وغيرهم من الشعوب والجماعات التي لا تجد ما تسد به جوعها وتلك مصيبة أخرى لا بد أن نلتفت إليها. إن مثل هذا الحوار يدور بيني وبين عديد من الأصدقاء وأفراد الأسر ولكن يبدو أن الملاحظات والدعوات إلى معالجة هذا الخلل تذهب مع الريح فلا أحد يبدو أنه مستعد لإصلاح هذا الخلل والعودة إلى المنطق العقلاني الديني الأخلاقي حيث إن الله سبحانه وتعالى قد حذر في القرآن الكريم من التبذير، كما إنه في بعض الأحيان يفسرون وجهة نظرنا هذه التي يدعو إليها ديننا الإسلامي الحنيف بالبخل مع الأسف الشديد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك