العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأمة.. في الكتاب والسنة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٣١ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬تتميز‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬بجمال‭ ‬خِلْقَتها‭ ‬ونضارتها،‭ ‬بل‭ ‬تميزت‭ ‬بجمال‭ ‬أخلاقها‭ ‬وكمالها،‭ ‬ولَم‭ ‬تكن‭ ‬المرتبة‭ ‬التي‭ ‬بلغتها‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تشريفًا‭ ‬لها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬تكليف‭ ‬تعاني‭ ‬منه،‭ ‬وتتحمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القيام‭ ‬بما‭ ‬ألقاه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬عاتقها،‭ ‬وكلفها‭ ‬بالوفاء‭ ‬بها،‭ ‬لتكون‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬تأمر‭ ‬بالمعروف،‭ ‬وتنهى‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬وبعده‭ ‬تؤمن‭ ‬بالله‭ ‬تعالى،‭ ‬وملائكته،‭ ‬وكتبه،‭ ‬ورسله‭ (‬على‭ ‬رسولنا‭ ‬وعليهم‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬وأزكى‭ ‬السلام‭).‬

ورغُم‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأخرجها‭ ‬للناس‭ ‬لتدلهم‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬الله‭ ‬المستقيم،‭ ‬ولذلك‭ ‬أنعم‭ ‬عليها‭ ‬سبحانه‭ ‬بصفات‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬وهذه‭ ‬الصفات‭ ‬لازمة‭ ‬لها‭ ‬لتقوم‭ ‬بهذا‭ ‬العبء‭ ‬العظيم،‭ ‬ولولا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬القديم‭ ‬قادرة،‭ ‬ومهيأة‭ ‬لذلك‭ ‬ما‭ ‬كلفها‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬حَمَّلها،‭ ‬أعباءه،‭ ‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬سنحاول‭ ‬أن‭ ‬نتفقد‭ ‬أحوال‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ - ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ -‬،‭ ‬وفي‭ ‬الًسنة‭ ‬المطهرة،‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة،‭ ‬وأتم‭ ‬التسليم،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ )‬،‭ ‬لنؤكد‭ ‬عظمة‭ ‬هذه‭ ‬الأمة،‭ ‬وتميزها‭ ‬على‭ ‬الأمم،‭ ‬لذلك‭ ‬جعلها‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭ ‬‮…‬‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬110‭.‬

وهذه‭ ‬الخيرية‭ ‬التي‭ ‬نالتها‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عن‭ ‬استحقاق‭ ‬كونها‭ ‬تأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬كل‭ ‬المعروف،‭ ‬وتنهى‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬كل‭ ‬المنكر‭ ‬إيمانًا‭ ‬منها‭ ‬بأنها‭ ‬لن‭ ‬تتأهل‭ ‬لهذه‭ ‬الخيرية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بمتطلباتها‭.‬

ومن‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬وصف‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بها‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بأعباء‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬كاهلها‭ ‬أنها‭ ‬أمة‭ ‬وسط‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دون‭ ‬جانب،‭ ‬أو‭ ‬تنحاز‭ ‬إلى‭ ‬طرف‭ ‬دون‭ ‬طرف،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭ ‬‮…‬‭) ‬{البقرة‭/ ‬143}‭.‬

والوسطية‭ ‬هي‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬يصلح‭ ‬القاضي‭ ‬أو‭ ‬الحَكَمْ‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬الخصومات‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وسطيًا‭ ‬في‭ ‬قضائه‭ ‬بين‭ ‬الخصوم،‭ ‬والوسطية‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬والمضمون‭ ‬سمة‭ ‬بارزة،‭ ‬وصفة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬أخلاق‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬امتازت‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأمم،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬علم‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬أزلًا‭ ‬فاختارها‭ ‬لخاتم‭ ‬رسالاته،‭ ‬وجعلها‭ ‬الأمة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬المعجزة‭ ‬الوحيدة‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬بلاغه‭ ‬عن‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

ولذلك‭ ‬لا‭ ‬نشعر‭ ‬بأي‭ ‬حرج‭ ‬حين‭ ‬يظن‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬فضل‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ ‬بكثرة‭ ‬أنبيائهم،‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬كثرة‭ ‬الأنبياء،‭ ‬والرسل‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬لا‭ ‬تدل‭ ‬أبدًا‭ ‬على‭ ‬أفضلية‭ ‬هذه‭ ‬الأمة،‭ ‬ونعني‭ ‬بهم‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬لكثرة‭ ‬عللهم‭ ‬وأسقامهم،‭ ‬وأن‭ ‬الأنبياء‭ ‬هم‭ ‬أطباء،‭ ‬وأن‭ ‬طبيبًا‭ ‬واحدًا‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬ولما‭ ‬توحدت‭ ‬الداءات‭ ‬أُذِنَ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يبعث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ )‬،‭ ‬وأن‭ ‬أمة‭ ‬العرب‭ ‬امتازت‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬وفضلت‭ ‬على‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬بأنها‭ ‬الأمة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬جمع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لها‭ ‬الخاتمية‭ ‬في‭ ‬الرسالة،‭ ‬والخاتمية‭ ‬في‭ ‬الرسول،‭ ‬والخاتمية‭ ‬في‭ ‬المعجزة،‭ ‬وقال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (.. ‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينا‭ ‬‮…‬‭) (‬المائدة‭ / ‬3‭.‬

هذه‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ -‬القرآن‭ ‬الكريم‭ -‬فماذا‭ ‬عن‭ ‬مكانها‭ ‬ومكانتها‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬المطهرة؟‭.. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لتكون‭ ‬شهيدة‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬لها‭ ‬مقام‭ ‬كريم‭ ‬في‭ ‬أحاديث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬ولها‭ ‬حظ‭ ‬موفور،‭ ‬منها‭ ‬حديثه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عن‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬المسلم،‭ ‬وذلك‭ ‬ليكون‭ ‬المسلمون‭ ‬قدوة‭ ‬لغيرهم،‭ ‬وإنموذجًا‭ ‬باهرًا‭ ‬يحتذى‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬يقول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬المسلم‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬ويده،‭ ‬والمهاجر‭ ‬من‭ ‬هجر‭ ‬ما‭ ‬نهى‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬البخاري‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

وعندما‭ ‬يترقى‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭ ‬يعرفه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلًى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلًم‭)‬،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬المؤمن‭ ‬من‭ ‬أمنه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬أموالهم‭ ‬وأنفسهم،‭ ‬والمهاجر‭ ‬من‭ ‬هجر‭ ‬الخطايا‭ ‬والذنوب‮»‬‭ ‬حديث‭ ‬صحيح‭ ‬من‭ ‬حديث‭ ‬إبن‭ ‬ماجه‭.‬

وقال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬أحدكم‭ ‬حتى‭ ‬يحب‭ ‬لأخيه‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬لنفسه‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬البخاري‭. ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬المسلم‭ ‬مؤمنًا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬كل‭ ‬الناس،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬إنموذجًا‭ ‬واضحًا‭ ‬يهدي‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭.‬

إذًا،‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنة‭ ‬نعرفها‭ ‬بسلوكها،‭ ‬ومن‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬فقط‭ ‬بكثرة‭ ‬عباداتها،‭ ‬وباختلاف‭ ‬في‭ ‬أقوالها‭ ‬وأفعالها،‭ ‬وألا‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنهم‭: (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬لم‭ ‬تقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭ (‬2‭) ‬كبر‭ ‬مقتًا‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تقولوا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭ (‬3‭)) ‬سورة‭ ‬الصف‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا