لم تتميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم بجمال خِلْقَتها ونضارتها، بل تميزت بجمال أخلاقها وكمالها، ولَم تكن المرتبة التي بلغتها الأمة الإسلامية تشريفًا لها بقدر ما هي تكليف تعاني منه، وتتحمل من أجل القيام بما ألقاه الله تعالى على عاتقها، وكلفها بالوفاء بها، لتكون الأمة التي اختارها الله تعالى من بين الأمم، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وقبل ذلك وبعده تؤمن بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله (على رسولنا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام).
ورغُم أن الأمة الإسلامية كغيرها من الأمم، فإنها قد اختارها الله تعالى، وأخرجها للناس لتدلهم على صراط الله المستقيم، ولذلك أنعم عليها سبحانه بصفات لم تتوافر في غيرها من الأمم، وهذه الصفات لازمة لها لتقوم بهذا العبء العظيم، ولولا أنها في علم الله تعالى القديم قادرة، ومهيأة لذلك ما كلفها به، ولا حَمَّلها، أعباءه، ونحن هنا سنحاول أن نتفقد أحوال هذه الأمة في كتاب الله - القرآن الكريم -، وفي الًسنة المطهرة، على صاحبها أفضل الصلاة، وأتم التسليم، والتي جاءت على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، لنؤكد عظمة هذه الأمة، وتميزها على الأمم، لذلك جعلها خير أمة أخرجت للناس، يقول سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله …) آل عمران / 110.
وهذه الخيرية التي نالتها الأمة الإسلامية عن استحقاق كونها تأمر بالمعروف كل المعروف، وتنهى عن المنكر كل المنكر إيمانًا منها بأنها لن تتأهل لهذه الخيرية ما لم تقم بمتطلباتها.
ومن الصفات التي وصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بها مما جعلها قادرة على الوفاء بأعباء هذه المهمة التي ألقاها الله تعالى على كاهلها أنها أمة وسط بين الأمم، أي أنها لا تميل إلى جانب دون جانب، أو تنحاز إلى طرف دون طرف، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا …) {البقرة/ 143}.
والوسطية هي العدل في الحكم بين الناس، ولا يصلح القاضي أو الحَكَمْ في القضاء في الخصومات ما لم يكن وسطيًا في قضائه بين الخصوم، والوسطية بهذا المعنى والمضمون سمة بارزة، وصفة واضحة في أخلاق الأمة الإسلامية امتازت بها عن غيرها من الأمم، وأن الله تعالى علم فيها هذه الصفة أزلًا فاختارها لخاتم رسالاته، وجعلها الأمة الوحيدة التي تملك المعجزة الوحيدة على صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بلاغه عن ربه سبحانه وتعالى.
ولذلك لا نشعر بأي حرج حين يظن الناس أن الله تعالى قد فضل بني إسرائيل على أمة الإسلام بكثرة أنبيائهم، وذلك حين نعلم أن كثرة الأنبياء، والرسل في أمة لا تدل أبدًا على أفضلية هذه الأمة، ونعني بهم بني إسرائيل، وإنما هي لكثرة عللهم وأسقامهم، وأن الأنبياء هم أطباء، وأن طبيبًا واحدًا لا يكفي، ولما توحدت الداءات أُذِنَ الله تعالى أن يبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، وأن أمة العرب امتازت عن غيرها، وفضلت على سواها من الأمم بأنها الأمة الوحيدة التي جمع الله تعالى لها الخاتمية في الرسالة، والخاتمية في الرسول، والخاتمية في المعجزة، وقال الله تعالى: (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا …) (المائدة / 3.
هذه الأمة في كتاب الله تعالى -القرآن الكريم -فماذا عن مكانها ومكانتها في السنة المطهرة؟.. لا شك في أن الأمة الإسلامية التي اختارها الله تعالى لتكون شهيدة على الأمم لها مقام كريم في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولها حظ موفور، منها حديثه صلى الله عليه وسلم عن مكارم الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم، وذلك ليكون المسلمون قدوة لغيرهم، وإنموذجًا باهرًا يحتذى بين الأمم، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» رواه البخاري في صحيحه.
وعندما يترقى المسلم في سلوكه يعرفه رسول الله (صلًى الله عليه وسلًم)، فيقول: «المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» حديث صحيح من حديث إبن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري. أي لا يكون المسلم مؤمنًا ما لم يتحقق ذلك في تعامله مع الناس كل الناس، وأن يكون إنموذجًا واضحًا يهدي الناس إلى الصراط المستقيم.
إذًا، فهذه هي الأمة في الكتاب والسنة نعرفها بسلوكها، ومن تعاملها مع الناس، ولا تعرف فقط بكثرة عباداتها، وباختلاف في أقوالها وأفعالها، وألا تكون من الذين قال الله تعالى عنهم: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3)) سورة الصف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك