حيث إن الله جل في علاه رحيم بعباده، رؤوف بخلقه، فقد سن لهم مواسم للطاعات ليمن عليهم برحمته وفضله وإحسانه ومغفرته ورضوانه، وفي مقدمة تلك المواسم شهر رمضان المبارك، الذي يستقبله المسلمون بالفرح والسرور، إذ يبعث في نفوسهم حب الطاعة، والإكثار من العمل الصالح والاجتهاد في العبادة، ففيه تضاعف الحسنات وترفع الدرجات، وتمحى الذنوب والسيئات، وتفتح أبواب الجنة وتوصد أبواب النار، هذا ما ابتدأ به العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبدالكريم بن نصيتان العمري الأستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، مقدمة كتابه الرصين المعنون «أحاديث رمضان»، والصادر عن دار المآثر بالمدينة المنورة، والذي يتميز بأهمية الموضوعات التي تناولها بطريقة ذكية تطرق القلوب والعقول وتدعوها إلى التأمل والتفكر والتدبر والامتثال، واستثمار شهر رمضان أفضل وأنقى وأشرف استثمار، وكيف لا، ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». كما قال صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم العباد ما في رمضان، لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها» ويبشرنا صلى الله عليه وسلم بقدوم رمضان بالقول: «أتاكم شهر رمضان، شهر خير وبركة، يغشاكم الله فيه، فينزل فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء»، لذا ينبغي أن نستثمر رحمة الله التي خص فيها هذا الشهر ونخلص النية في عبادته، ونبتعد تماما عن كل ما يقربنا من المعاصي صغيرها وكبيرها، لذا كان السلف الصالح يدعون الله بالقول «اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا». فبلوغ الشهر نعمة عظيمة، وفضل من الله الكريم، يمن به على من يشاء من عباده لتزداد حسناتهم وتمحى سيئاتهم وترفع درجاتهم وينالوا رضا الله جل في علاه.
وفي هذا الكتاب القيم حاول المؤلف وعلى مدى تسعين صفحة أن يوضح لنا ومضات من فضائل شهر رمضان، ومنها قول نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان، لم تعطهن أمة قبلهم، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، وتستغفر لهم الحيتان حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا إليه يخلصون في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة،، قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله».
ومن الأعمال التي سنها لنا نبينا الكريم في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح وهي من قيام الليل التي أوضح لنا فضلها بقوله في الحديث الذي أشرنا اليه» من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وألا تكون صلاته رياء، بل خالصة لله تعالى، امتثالا لقول الله عز من قال في سورة البينة (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذلك دِينُ الْقَيِّمَةِ) (آية:5)
كما نبهنا مؤلف الكتاب إلى أهمية أن نلتزم بسنة نبينا الكريم في أن يفطر الصائم على الرطب أو التمر امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد تمرا فالماء، فإنه طهور» وقد أثبتت الأبحاث العلمية المعاصرة الأثر الصحي المهم للإفطار على التمر، ففيه منافع كثيرة لا تجتمع بغيره من الأغذية.
كما أمرنا نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم باستخدام السواك بقوله: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب». وقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء». وقد كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يتسوك حتى وهو صائم. جعلنا الله وإياكم ممن يقتدون برسولنا الكريم، ويستثمرون هذا الشهر الفضيل لتحقيق الفوز العظيم بجنات عرضها السماوات والأرض.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك