«كل ما يمكننا القيام به من أجل غزة هو مجرد الدعاء». وهذا تصريح يتكرر كثيرا من قبل العرب والمسلمين الغاضبين الذين يشعرون بالعجز أمام الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
ولكن هل صحيح أن الدعاء والدعاء وحده هو الأمر الممكن في الوقت الراهن العصيب، بينما عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة يقتلون ويجرحون على يد آلة الحرب الإسرائيلية؟
كلا، هناك الكثير مما يمكن القيام به، وفي الواقع، يقوم العديد من الأشخاص حول العالم بذلك بالفعل.
إن الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأكثر ما ورد في الإشارة إلى ضرورة العمل، جماعيًّا أو فرديًّا، هي: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده». فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه، وهو أضعف الإيمان».
الدعاء هو دعاء يتناقله القلب؛ إنها محادثة المسلم مع الله. يمكن أن يكون لفظيا، أو لا. وفي الصلوات الجماعية، وخاصة خلال خطب الجمعة أو طوال شهر رمضان المبارك، من بين مناسبات أخرى، يمكن أداء الأدعية بشكل جماعي.
إن طبيعة الدعاء الجماعي تسلط الضوء على أولويات أي جماعة أو مجتمع أو حتى أمة مسلمة. إن غزة وفلسطين والمسجد الأقصى هي من بين بعض المواضيع أو الأسباب الرئيسية التي يستغيث المسلمون بالله من أجلها.
«اللهم حرر المسجد الأقصى»، أو «يا رحمن، كن إلى جانب أطفال غزة»، أو «يا قوي، نج الفلسطينيين من الظلم» ما هي إلا عدد قليل من سيل لا نهاية له من الدعاء. التي يتم التلفظ بها من مكة إلى المدينة إلى القدس إلى كوالالمبور، إلى كل مسجد وكل بيت مسلم في جميع أنحاء العالم.
الدعاء هو تأكيد العلاقة بين الإنسان والله، ويوضح أنه لن يحدث شيء من دون إذن الله، وأن الشخص، مهما كان فقيرًا ومحاصرًا وضعيفًا، يمكنه أن يتجاوز كل العلاقات الأرضية ليتحدث مباشرة إلى من هو أعلى من سلطات الجميع.
قال الله تعالى في سورة غافر الآية 60: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ).
وهذا لا يعني بالضرورة أن الدعاء هو الملاذ الأخير. بل إنه يسير جنبا إلى جنب مع العمل. فهو لا يحل محل العمل، بل يعززه. الدعاء الجماعي هو إعلان جماعي بأن جميع المسلمين مدفوعون بأولويات مماثلة، مثل السلام والعدالة والمساواة والرحمة واللطف وكل ما تبقى.
ومع ذلك، ينشأ هذا الانقسام من حقيقة أن العديد من المسلمين يشعرون بأنهم غير قادرين على إحداث تغيير فيما يتعلق بالمصير المروع لغزة، سواء على نطاق صغير أو كبير، وبالتالي فإن الفكرة السائدة هي أن «كل ما يمكننا القيام به هو الدعاء».
لقد زرت جنوب أفريقيا عدة مرات في الماضي. وفي كل مرة، كنت أتعلم أكثر مما كان بإمكاني نقله. لقد تعلمت أن قوة الشعب أكثر فعالية، على المدى الطويل، من القوى المعارضة لعنف الدولة.
وتعلمت أيضًا أنه لا يمكن لأي قانون دنيوي، وخاصة تلك التي تهدف إلى فرض الفصل العنصري، أن يقف في وجه رفضنا الفطري لعدم المساواة الاجتماعية والشرور الأخرى. وأخيرًا، تعلمت أيضًا أنه عندما ينهض الناس، لا شيء يمكن أن يقف في طريقهم.
ويصدق هذا المبدأ الأخير في حالة جنوب أفريقيا أثناء النضال ضد الفصل العنصري، كما يصدق الآن في فلسطين، وخاصة في غزة. ومن ذلك كتب الشاعر التونسي الشهير أبو القاسم الشابي قبل مائة عام، وذلك قبل وفاته عن عمر يناهز 25 عاما:
إذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
وتضمنت كلماته القوية أيضًا تحذيرًا، وهو تحذير مشؤوم من أشياء فظيعة قادمة:
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ
تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ
من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ
ولم تتخذ جنوب أفريقيا الخيار الأخير، وكذلك غزة. وكل محاولة لسحق هذه الشعوب العظيمة باءت بالفشل. لقد بقوا وأصروا وشفوا جراحهم وقاوموا.
لقد اعتقدت دائمًا أن جنوب أفريقيا ستلعب دورًا مركزيًا في التضامن الدولي مع فلسطين. ولكن بصراحة، لم أكن أتوقع أن تصبح هذه الدولة الإفريقية حريصة، بل ولا مثيل لها، على محاسبة إسرائيل على جرائمها في فلسطين إلى هذا الحد.
تتواصل جهود بريتوريا من أجل محاسبة إسرائيل ومجرمي الحرب التابعين لها أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بلا هوادة.
لم تكن القوة أو القوة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية المطلقة هي التي جعلت جنوب أفريقيا عاملاً في النضال الفلسطيني من أجل العدالة. لقد كانت الإرادة المطلقة للأمة، وبالتالي للحكومة، هي ترجمة رغبتها في تحقيق نظام دولي أكثر إنصافًا وعدالة ويحكمه القانون إلى عمل ذي معنى.
وكان بوسع جنوب أفريقيا أن تلجأ ببساطة إلى الشفقة على الذات، وتسليط الضوء على عدم أهميتها المفترضة في مواجهة الحكومات الأمريكية الغربية الأكثر قوة والتي تستمر في دعم إسرائيل، وتزويدها بكل الأسلحة اللازمة لاستمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها.
وكان بإمكانها أيضاً أن تلجأ إلى الدعاء والدعاء والابتهال باعتباره «الأمر الوحيد الذي يمكن فعله». لم يحدث ذلك. بل على العكس من ذلك، فقد استخدمت نفوذها الدبلوماسي وسلطتها الأخلاقية للتعبير عن واحدة من أقوى القضايا التي تم طرحها لصالح الحرية الفلسطينية وضد الوحشية الإسرائيلية على الإطلاق أمام مؤسسة قانونية دولية.
من المفهوم أن يشعر الكثيرون بالعجز، خاصة عندما يحاول المرء فهم فداحة الجريمة الجارية في غزة. ربما لم تستخدم إسرائيل أسلحة الدمار الشامل في القطاع، لكنها بالتأكيد استخدمت كل أسلحتها التي زودتها بها الغرب لإحداث دمار شامل، رغم ذلك.
ولكن إذا لم تستسلم غزة، فلماذا نستسلم؟ حتى الاستسلام هو امتياز. غزة لا تتمتع بهذا الامتياز ولا ينبغي لنا أن نمنحه لأنفسنا. إن غزة تقاتل من أجل بقائها ذاته، ويجب علينا نحن أيضا أن نناضل من أجل نفس الغاية.
اصنع دعاء لغزة. فليكن هذا هو عملك الأول وأنت تشرع في سعيك من أجل عالم عادل. وقم بدعاء آخر لغزة، لتتوسل إلى الله أن يكافئ أعمالك المتفانية وحسنة النية.
وإذا كنت محاصرًا باليأس، فاستمر في الدعاء، حتى تكتشف القدرة على إحداث التغيير، والتي كانت دائمًا في متناول يدك.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك