يشهد العالم اهتماماً متزايداً بالتنمية الحضرية والتطور العمراني الذي بات ينال اهتماماً كبيراً في مختلف المدن العالمية وتحديداً العواصم الخليجية التي تتنافس فيما بينها بأحدث وأٌرقى بنية عمرانية وأطول ناطحة سحاب وأجمل المباني العصرية؛ ونظير ذلك أصـبح هناك حاجة ملحة إلى العناية بالبيئة الحضرية في مملكة البحرين، وخاصة العاصمة المنامة التي تُعتبر واجهة البحرين الحضارية والعمرانية. ويُعد التشوه البصري أحد أهم الظواهر السلبية المؤثرة في جماليتها، والتشوه البصري هو اختلال المنظر الجمالي لأي مبنى أو مرفق تقع عليه الأعين عند النظر إليه ويُشعِر الناظر بعدم الارتياح النفسي، ويُمكننا وصفه أيضاً بأنه نوع من أنواع تراجع مستويات الذوق الفني أو اختفاء الصورة الجمالية للمباني والطرقات والمرافق العامة، وإدراك المشهد البصرى للمدينة يكون من خلال صور بصرية تخضع في تكويناتها لقيم نابعة من جماليات العمران جنباً إلى جنب مع القيم الوظيفية، والاجتماعية، وأيضاً الهوية الوطنية التي يرتكز عليها جميعاً الفكر التخطيطي والتصميم العمراني.
وتتمحور التشوهات البصرية في سوء التخطيط العمراني لبعض الأبنية سواء من حيث تصاميمها المعمارية أو شكل بنائها واختلاف واجهاتها، أو بناء ملاحق إضافية بألواح خشبية أو سواتر حديدية بصورة غير حضارية أو وجود تشققات أو تلف في واجهات المباني أو أجزاء منها، أو تغطية الشرفات بمواد لا تتناسب مع شكل وطبيعة البناء أو سوء استخدام الشرفات كنشر الغسيل والتخزين وخلافه، كذلك تثبيت أجهزة التكييف أو تمديداتها في الواجهات الرئيسية للمباني، أو تربية الطيور والدواجن على الأسطح، بالإضافة الى انتشار ظاهرة الكتابات والصور والشعارات والإعلانات على الجدران، وتداخل البناء القديم والحديث في مبنى واحد.
اختفاء المظاهر الجمالية للمدن يُعد نوعاً من أنواع التلوث البيئي أو ما يُعرف بالتلوث البصري، وهو يمثل مشكلة تمس بشكل مباشر البيئة المشيدة فتظهر المباني غير منسجمة وغير متجانسة، مما يؤثر بصورة واضحة ومباشرة على المنظر العام للمدن، كل ذلك نتيجة لعدم احترام قوانين البناء والتعمير الذي يعكس جمالية وحضارية المدن التي تسعى للتنافس في خضم ما توليه دول المنطقة من اهتمام بالغ في هذا الشأن؛ فعلى سبيل المثال اعتبرت المملكة العربية السعودية التشوه البصري كارثة بيئية من نوع مختلف وفقدانا للهوية، وإفسادا للذوق العام، وأوجبت التصدي لهذه الظاهرة فسنت تشريعات رقابية صارمة حيث أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان السعودية، إتاحة إصدار شهادة امتثال المباني التي تهدف إلى ضمان التزام أصحاب المباني التجارية والسكنية وملاك حق الانتفاع بخلو مبانيهم من عناصر التشوه البصري؛ لتوفير بيئة عمرانية صحية ومستدامة، والارتقاء بالمشهد الحضري في المدن السعودية، وتحسين جودة الحياة، كذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة سنت بلدية أبوظبي عقوبة على كل من يقوم بنشر الغسيل على الشرفات والنوافذ وفرضت غرامات عند تكرار المخالفة؛ لما لهذا الفعل من تشويه للمنظر العام والنسق الجمالي للمدينة.
ويأتي التلوث البصري عادة نتيجة للإهمال أو سوء الاستعمال أو سوء التخطيط والتصميم، ونتمنى أن يتم تطبيق الـدلـيـل الإرشــادي للتعمير فـي مـنـاطـق الـتـراث الـعـمـرانـي-UH، الذي أطلقته سعادة وزيرة الاسكان آمنة الرميحي بعد ذلك لا بد من سن تشريع رقابي وتنظيمي يضبط هذه العملية من قبل وزارة البلديات والتخطيط العمراني للقضاء على ظاهرة العشوائيات والحد من البناء المخالف للذوق العام ضمن خطة إنمائية متدرجة، وهذا يتطلب الاهتمام بالجوانب التخطيطية والمعمارية والتركيز على العناصر البصرية والجمالية، وخاصة في العاصمة المنامة ومدينة المحرق. وللبدء في حل هذه الاشكالية لا بد من تقييم الواقع الحالي لهذه العناصر وتحديد المؤثرات الإيجابية والسلبية في جميع مدن البحرين مـن أجل الارتقاء بالذوق العام عمرانياً وجمالياً وإعادة الصورة الذهنية لها كمدن حضارية متقدمة في قلب الخليج العربي، وتضع حداً للفوضى التي تنتج عن سوء استغلال الحرية الفردية، وهنا علينا أن نُدرك أننا نُخطط للمستقبل وعلينا إعداد أرضية صالحة ومتينـة للأجيال الحالية والقادمة ضمن أطر تكفل الحرية الفردية في التصاميم المعمارية وفي نفس الوقت تحافظ على النظافة والشكل الخارجي الذي يُعتبر دلالة على مدى تقدم ووعي المجتمع البحريني، وخاصة مع التطور المطرد للتجمعات وزيادة في حجم السكان والكثافة السكانية والامتـداد العمراني وتلاصق الأحياء وارتفاع كثافة المباني التي أحدثت اختناقاً في بعض المناطق، ونظير هذه الطفرة كان لا بد مـن وضع ضوابط تنظم هذا الطفرة العمرانية والسكنية والمحافظة على النسق العام للشكل الهندسي والبصري والجمالي للمباني والحفاظ على الموروث التاريخي وانعكاساته على معالم المدن البحرينية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك