جسر الملك حمد هو أحد المشروعات التنموية الكبرى، والذي يربط بين البحرين والسعودية بأربعة مسارات في كل اتجاه بطول 25كم، وسكة حديد ثنائية المسار بطول 57كم، وهو مواز لجسر الملك فهد، ومكمل لمشروع سكك الحديد الخليجية، ويتم العمل فيه بالتنسيق بين وزارة المواصلات والاتصالات البحرينية، ونظيرتها وزارة النقل السعودية، والمؤسسة العامة لجسر الملك فهد.
ومن الثابت أنّ هذا الجسر يعود بالنفع على حركة النمو الاقتصادي، ويعزز من كفاءة شبكة النقل الداخلية، ويتيح خيارات نقل إضافية بأقل تكلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويوفر فرص عمل عديدة ضمن قطاع النقل البري، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذا المشروع ما بين 3 – 4 مليارات دولار، ومن تأثيراته المباشرة زيادة حركة التجارة السعودية البحرينية في كل المجالات، وتعزيز الاستثمارات المشتركة، ويبدو دوره الأكبر في زيادة التدفقات السياحية، ومن ثم، فإنه يُعد «رافدًا» على درجة عالية من الأهمية لخطة النهوض السياحي، سواء للسعودية أو البحرين، ومن المتوقع أن تبلغ مدة تنفيذه خمس سنوات.
وفي مايو2022، كان قد تم إعداد النموذج المالي لتنفيذ المشروع؛ تمهيدًا لطرح مناقصة التنفيذ الرئيسية، ويتم التنفيذ بالشراكة مع القطاع الخاص، وحتى أغسطس 2023، كان قد تم الانتهاء من مرحلة الدراسة الخاصة بالتنفيذ، وتم تضمين مخرجات الدراسة في نموذج التنفيذ، في حين كانت «وزارة المواصلات» البحرينية تعمل على تهيئة مسار الجسر، بعد أن تم الانتهاء من حجز المسار البري، وتوفير مسار خالٍ من الخدمات، للبدء في التنفيذ بعد تحديد تحالف الشركات المؤهلة لهذا التنفيذ.
ومن المعلوم، أن السعودية صاحبة النصيب الأكبر في السياحة الوافدة إلى البحرين. ويعكس توقيع اتفاقية تعاون سعودية-بحرينية في مجال السياحة في يونيو الماضي، التزام البلدين بتعزيز القطاع السياحي، وترويجهما وجهة واحدة، وقد ضمت محاور الاتفاقية جوانب متعددة، مثل تطوير العناصر البشرية، واستثمار التكنولوجيا، وتطوير البرامج السياحية المشتركة، فيما اشتملت على تشجيع تبادل الزيارات بين الخبراء وممثلي وسائل الإعلام السياحي، وتطوير المواقع السياحية، ودعم المشروعات السياحية الصغيرة والمتوسطة، والمشاركة في المعارض والمؤتمرات السياحية في البلدين، وتبادل المعلومات والبيانات والإحصاءات والخبرات في هذا القطاع، وترخيص وتسهيل وإدارة المرافق، والتخطيط والاستثمار، فضلا عن الترويج للبرامج السياحية بين البلدين، وإيجاد وجهات سياحية مشتركة. وعليه، فقد شكلت هذه الاتفاقية «نقلة نوعية» لتعزيز الاستفادة من القطاع السياحي في البلدين، وتنسيق الجهود لتحقيق تنمية سياحية مستدامة.
وبداية لتفعيل هذه الاتفاقية، أطلقت طيران ناس، بالتعاون مع هيئة البحرين للسياحة والمعارض، رحلات مباشرة بين المنامة، والرياض، اعتبارًا من 15 نوفمبر2023، لتربط البلدين بخط طيران جوي واعد عبر رحلات يومية، كما يتم العمل على إعداد باقات سياحية موحدة للترويج للبلدين، كوجهة سياحية واحدة. وكانت هيئة البحرين للسياحة والمعارض، قد أطلقت في عامي 2022 و2023، باقات سياحية خاصة بالسياح من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، أتاحت لمواطنيها والمقيمين فيها فرصة زيارة البحرين خلال المناسبات. في الوقت نفسه، يتطلب تفعيل هذه الاتفاقية جهودا مشتركة من القطاعات المعنية بالسياحة، خاصة منشآت القطاع الخاص، التي تعد من بين الجهات المستفيدة الرئيسية من تفعيلها، في الوقت الذي يسعى كلا البلدين إلى زيادة إسهام السياحة في الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل متنوعة ونوعية.
وتهدف استراتيجية قطاع السياحة البحريني إلى رفع إجمالي عدد الزوار القادمين إلى البحرين للسياحة لتصل إلى 14.1 مليون زائر في 2026، ورفع متوسط الليالي السياحية إلى 3.5 أيام، ورفع نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 7%، قبل البدء في تنفيذ الخطة في 2022، إلى 11.4% في 2026.
وفي حين يعد قطاع السياحة البحريني، أحد أهم ركائز رؤية البحرين الاقتصادية 2030، و2050، لتحقيق تنوع مصادر الدخل، فهو كذلك بالنسبة إلى السعودية، حيث يُعد أحد أهم ركائز رؤية المملكة 2030، للإسهام في تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، وخفض الاعتماد على النفط. وبمقتضى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسياحة السعودية التي تم إطلاقها في 2019 -وشملت تطوير 10 وجهات سياحية كمناطق جذب سياحي بمقاييس عالمية بحلول2030- تسهم السياحة بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول 2030.
وفي ترجمة فعلية، سجلت السعودية أكثر من 60 مليون زائر عام 2022، فيما تستهدف رفع عدد الزوار إلى 150 مليون زائر بحلول2030، وبنهاية عام 2023، بلغت نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي نحو 8%، وفي هذا العام، بلغ عدد الزوار نحو 100 مليون زائر، وتستهدف زيادة السياج من الخارج بحلول 2030، مقارنة بـ27 مليونا حاليًا، فيما ضخت استثمارات بلغت نحو 800 مليار دولار في هذا القطاع. ونتيجة لهذه الجهود، حققت العام الماضي المركز الثاني عالميًا في نمو عدد السياح الوافدين من بداية العام حتى يوليو بنسبة 58%، مقارنة مع نفس الفترة من عام 2019، فيما حققت المرتبة 13 عالميًا في مؤشر عدد السياح الدوليين لعام 2022، والمرتبة 11 عالميًا في مؤشر إيرادات السياحة الدولية لعام 2022. وفي عام 2024، تستهدف زيادة عدد الزوار، من خلال تحسين الطاقة الاستيعابية للمطارات والطرق والخدمات، فيما تصبو إلى تحقيق 288 مليار ريال، كإجمالي إنفاق سياحي، بما يسهم مباشرة في الاقتصاد المحلي ويرفع الموارد غير النفطية.
ووفق هذا المعنى، يخلق التكامل السياحي البحريني- السعودي تداخلا وترابطا في تنفيذ استراتيجية السياحة وأهدافها الطموحة لدى البلدين؛ فتستفيد السياحة السعودية من الزوار القادمين من البحرين بمقتضى التأشيرة الموحدة، وكذلك تستفيد الأخيرة من الزوار القادمين من السعودية. ومع تعدد المقاصد السياحية، وتنوع البرامج لكلا البلدين، فسيكون كل زائر لديه حافز قوي للاستفادة من تأشيرته، فيما سيكون جسر الملك حمد -عند اكتمال تنفيذه- أحد أهم ممكنات إنجاز هذا التكامل.
وفي إطار هذا الواقع، تعمل السعودية على مبادرات عديدة، بمقتضى صندوق متخصص للاستثمار في البحرين، يستهدف استثمارات تبلغ 5 مليارات دولار، وهو استثمار متاح أمام القطاعات الاقتصادية، بما فيها القطاع الخاص السعودي والبحريني، فضلا عن وجود منصات مشتركة في البحرين لطرح فرص استثمارية مدروسة وذات جدوى اقتصادية، وإتاحة بوابة خاصة ذات أولوية للمستثمرين من البحرين، فيما اشتملت استراتيجية قطاع السياحة البحريني (2022–2026) على عدد من الفرص الاستثمارية في عدد من المشروعات.
وفي حين تسعى العديد من الدول إلى تحقيق التكامل السياحي مع السعودية والبحرين؛ فإن اتفاقية التعاون في مجال السياحة بين البلدين تتيح لكل منهما الاستفادة من هذا الطرف الثالث، بما يسرع من تحقيق مستهدفات استراتيجية كل منهما، خاصة في ضوء أن السعودية هي أكبر شريك اقتصادي للبحرين، وأن قطاع السياحة هو الأكثر نموًا وجذبًا لحركة التبادل بينهما، فضلا عن احتلال الاستثمارات السعودية مركزًا استراتيجيًا في الاقتصاد البحريني، وهي مستمرة وتنمو، ما يعكس الثقة في المقومات الاقتصادية الجاذبة لبيئة الأعمال في البحرين.
ولما كان التكامل السياحي البحريني السعودي، من شأنه تسريع تنفيذ أهداف استراتيجية السياحة البحرينية، وأن توسيع سياسة التكامل سيعود بفوائد أكبر لجهة تنفيذ هذه الأهداف؛ فإنه بمناسبة الاحتفال بـيوم السياحة العربي، في 25 فبراير الماضي، أكدت وزيرة السياحة البحرينية فاطمة الصيرفي، حرص المنامة، على دعم التكامل السياحي بين الدول العربية، وزيادة معدلات السياحة البينية، وأن وزارة السياحة البحرينية تضع مسألة النهوض بالسياحة العربية على أجندة اهتماماتها لجهة تعزيز التكامل السياحي العربي.
على العموم، يعزز التكامل السعودي- البحريني في مجال السياحة، من إبراز مكانة البحرين كمركز سياحي عالمي، وزيادة عدد الدول المستهدفة، وزيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، مستثمرًا تنوع المنتجات السياحية، فيما تمتلك المنامة، مقومات متميزة تؤهلها للوصول إلى أهدافها السياحية، سواء سياحة الثقافة والآثار، أو السياحة الترفيهية، أو العلاجية، أو الرياضية، أو سياحة الأعمال، أو الواجهات البحرية، وبتنفيذ مشروعاتها التي شملتها خطة التعافي الاقتصادي، تقترب السياحة البحرينية لتكون مشاركًا قويًا لقطاعات الخدمات المالية والصناعة في قيادة نمو الاقتصاد البحريني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك