يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
في مواجهة الطائفية
عرضت أمس أهم البنود التي تضمنتها وثيقة «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» التي أقرها مؤتمر مكة المكرمة.
بالطبع من المهم أن يطلق العلماء المسلمون مثل هذه الوثيقة وأن يؤكدوا وحدة المسلمين ويحذروا من الطائفية والصراعات المذهبية وينبهوا إلى دور الإعلام.. وهكذا. هذا عنصر مهم في مواجهة الأزمة التي يواجهها العالم العربي والإسلامي.
لكن الحقيقة أن القضية أكبر وأخطر من هذا بكثير. نعني أن أزمة الطائفية والصراعات الطائفية والمذهبية التي يشهدها العالم العربي والإسلامي لها أبعاد أكبر وأخطر من مجرد أن يتصدى لها العلماء ورجال الدين.
الدول العربية والإسلامية تواجه منذ سنوات طويلة أزمة كبرى.. أزمة استفحال الطائفية والصراعات الطائفية.
الأزمة لم يكن مصدرها الأساسي خلافات بين رجال دين أو علماء اتباع مذاهب مختلفة.
المصدر الأساسي للأزمة أن الطائفية أصبحت جوهر استراتيجية سياسية كبرى لتدمير الدول والمجتمعات العربية وإغراقها في الفوضى والصراع وإضعاف الوطن العربي عموما بما يهيئ الظروف لاختراقه والهيمنة على مقدراته.
هذه الاستراتيجية بدأت مع مجيء النظام الإسلامي الإيراني الذي جعل من الطائفية البعد الأكبر في استراتيجيته للنفوذ والهيمنة في المنطقة العربية.
منذ مجيء النظام شرع فورا في تنفيذ هذه الاستراتيجية بالعمل على إشعال الفتن والصراع الطائفي الشيعي السني في الدول العربية وتحريض الشيعة على الحكومات والمجتمعات العربية، وتكريس الوعي الطائفي على حساب الولاء الوطني الجامع والمصلحة الوطنية للدول للعربية.
وأقدم النظام الإيراني كما نعلم على إنشاء عشرات المليشيات الطائفية المسلحة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وقام بتسليح وتمويل مليشيات طائفية مسلحة في دول عربية أخرى.
عبر هذه المليشيات العميلة وعبر تكريس الخطاب الطائفي التخريبي نجح النظام الايراني في استراتيجيته بتدمير الدول العربية التي توجد بها هذه المليشيات وفي فرض نفوذها وسطوتها في المنطقة العربية بحيث أصبحت هي الحاكم الفعلي.
الدول الغربية أيضا راهنت على الطائفية وعلى تأجيج الصراعات الطائفية لتحقيق استراتيجية تمزيق الدول العربية وإضعافها. وقد رأينا كيف تحالفت أمريكا مثلا أثناء أحداث عام 2011 مع هذه القوى والجماعات الطائفية في الدول العربية وأرادت تمكينها من الحكم.
يعني هذا أن الدول العربية عبر السنوات الطويلة الماضية واجهت مخططا التقت فيه الإرادة الإيرانية مع الإرادة الغربية على إشعال الطائفية والفتن والصراعات الطائفية.
والنتيجة في النهاية أن الدول العربية أصبحت تواجه أزمة طائفية كبرى استفحلت إلى حد كبير. هذه الأزمة من أكبر التهديدات لأمن الدول العربية واستقرارها الاجتماعي ومستقبلها.
في مواجهة هذه الأزمة الطائفية، من المهم جدا موقف العلماء ورجال الدين. ومن المهم جدا دور الإعلام.
لكن يبقى في النهاية أن مواجهة الأزمة يتطلب ما هو أبعد من ذلك. يتطلب استراتيجيات وطنية سياسية شاملة.
مثل هذه الاستراتيجيات لمحاربة الطائفية لا بد بالضرورة أن تشمل جانبين كبيرين:
الأول: طرح مشروع وطني لمحاربة الطائفية وترسيخ الولاء الوطني الجامع بكل ما يتطلبه ذلك من سياسات نظرية وعملية في مختلف المجالات.
والثاني: المواجهة المباشرة للدول والقوى التي تشعل الفتن والصراعات الطائفية في دولنا العربية.
من الصعب جدا أن نتصور نجاح أي جهد عربي لمحاربة الطائفية من دون المواجهة المباشرة للمشروع الإيراني وللمليشيات والقوى العميلة لإيران في الدول العربية.
من دون المشروع الوطني لتكريس الوحدة الوطنية ومحاربة الطائفية، ومن دون ردع إيران وعملائها، سيبقى أي جهد يبذله العلماء وغيرهم على أهميته محدودا لا يمكن أن يكون وحده كفيلا بمعالجة هذه الأزمة الطائفية وتجاوزها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك