«الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي يبحث في بروكسل إعفاء أبناء الخليج من تأشيرة الشنجن»، خبر تناقلته وسائل الإعلام في التاسع عشر من مارس 2024 ومضمونه أنه خلال زيارة الأمين العام للمجلس لمقر الاتحاد الأوروبي في التاريخ المشار إليه بحث مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي تلك القضية، وقد أشار البديوي إلى أن ذلك المطلب الخليجي يأتي في ضوء مضامين وثيقة الشراكة الأوروبية التي أطلقها الاتحاد تجاه دول الخليج العربي في مايو 2022 وكان من بين بنودها توجه الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تلك الخطوة.
وواقع الأمر أنه بالرغم من تأخر صدور استراتيجية شاملة للشراكة مع دول الخليج العربي حتى عام 2022 ولكنها جاءت على الطريق الصحيح، ومن منطلق مهم بالنسبة إلى دول الخليج بالنظر إلى المزايا الاستراتيجية الخمس التي لدى الاتحاد الأوروبي وتمثل أهمية لدول الخليج كدول تحرص على تنويع شراكاتها الدولية وأولها: إن الاتحاد الأوروبي يقدم شراكاته لدول الخليج بشكل جماعي، فمنذ الاتفاق الإطاري مع مجلس التعاون عام 1988 وحتى الآن مسار المباحثات جماعي على عكس مبادرة حلف الناتو تجاه دول الخليج عام 2004 والتي تؤسس على 32+1 أي أعضاء الحلف ككل مقابل كل دولة شريكة على حدة، ولاشك أن الإطار الجماعي يتيح لدول الخليج ككتلة واحدة قدرات تفاوضية وهو الأمر الذي عبر عنه البديوي بالقول: «إن دول الخليج العربي لديها ملف قوي للحصول على الإعفاء من تلك التأشيرة»، وثانيها: إن الدول الأوروبية هي الأقرب جغرافيا بالنسبة إلى الخليج العربي بما ينعكس ذلك على مسارات ومضامين العلاقات وخاصة التجارية منها والتي تمثل احتياجاً استراتيجياً للطرفين، فدول الخليج تقوم بتنفيذ خطط للتنمية المستدامة تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية والدول الأوروبية ترى في دول الخليج شريكاً تجارياً مهماً وخاصة أنها تعد ثامن أكبر اقتصاد على مستوى العالم حيث بلغ نموها السنوي حوالي 6 في المائة وإجمالي ناتج محلي بلغ 2,4 تريليون دولار، فضلاً عن امتلاك دول الخليج 5 من بين 10 صناديق سيادية كانت الأعلى إنفاقاً في العالم عام 2022 وذلك باستثمارات بلغت 74 مليار دولار، وثالثها: إن مجلس التعاون ضمن تطوره كتنظيم إقليمي بإمكانه الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي التي كان أساس نشأتها العامل الاقتصادي ثم التطور التدريجي حتى الوضع الراهن، ورابعها: إعلاء الاتحاد الأوروبي لمفهوم الأمن الناعم، صحيح أن دول الاتحاد قد لعبت دوراً مهماً أيضاً للحفاظ على أمن الخليج والأمن الإقليمي خلال الأزمات التي شهدتها المنطقة جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة ولكن أيضاً لمفهوم الأمن الناعم أهميته وخاصة أنه جزء من مضامين سياسات دول الخليج العربية أيضاً ومن ذلك تعزيز قيمتي التسامح والتعايش، وخامسها: الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي خلال المفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي وخاصة بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من ذلك الاتفاق.
ومع أهمية ما سبق فإن خطوة إعفاء أبناء دول الخليج من تلك التأشيرة حال حدوثها ستكون تطوراً مهما على صعيد تعزيز الشراكة الخليجية -الأوروبية لسبب بسيط مؤداه أن الالتقاء والاحتكاك المباشر بين المجتمعات أمر ضروري لدعم المسار الرسمي للشراكات، فمن خلال ذلك التواصل ستكون الفرصة سانحة للتبادل الثقافي والمعرفي وهو ما يؤسس لصورة ذهنية مهمة لدى الجانبين، بل يتيح المزيد من تأسيس أطر الصداقة والتفاعل الشعبي وخاصة أن لدى دول الخليج أيضاً تجربة مهمة في مؤسسات المجتمع المدني على غرار الدول الأوروبية وهو الأمر الذي يعزز أيضاً من المسارات السياسية والأمنية التي كانت مضامين لوثيقة الشراكة الأوروبية مع دول الخليج عام 2022.
ومع أهمية ما سبق فإن هناك ثلاث ملاحظات حول مسار تلك الشراكة أولها: طول الفترة الزمنية التي تستغرقها القرارات الأوروبية، فعلى الرغم من إطلاق مبادرة الشراكة عام 2022 فإن الحديث الآن عن الإعفاء من التأشيرة الأوروبية يجيء بعد عامين وربما يستغرق الأمر وقتاً أطول وفقاً لما أشار إليه لويس بوينو الناطق باللغة العربية في الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالقول: «العملية نوعاً ما معقدة ولا بد أن تمر بمجلس الاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي أخذاً في الاعتبار أن هناك انتخابات في يونيو 2024»، ويعيد ذلك التصريح إلى الأذهان طول الفترة الزمنية أيضاً لإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين منذ الاتفاق الإطاري بين الجانبين منذ عام 1988 وحتى الآن، وثانيها: الدور الأوروبي المتوقع تجاه تهديدات الأمن الإقليمي، صحيح أن هناك مؤشرات مهمة على تنامي ذلك الدور وخاصة على صعيد الأمن البحري، ففي التاسع عشر من فبراير 2024 أعلن الاتحاد الأوروبي تأسيس بعثة بحرية «أسبيدس» ضمن الجهود الدولية لحماية سفن الشحن في البحر الأحمر في ظل زيادة وتيرة تهديدات الملاحة في تلك المنطقة وحول تلك البعثة قال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي من المهم أن نطلق هذه المهمة لأنها تعني حماية الشحن البحري الخاص بنا، ولكن قبل كل شيء، يوضح ذلك أننا كمجتمع دولي نقف معًا في مواجهة الهجمات الإرهابية على الممرات البحرية، إلا أن مسار الصراعات الراهنة وترتيبات الأمن الإقليمي المتوقعة تعني دوراً أوروبياً أكبر انطلاقاً من خبرة الدول الأوروبية الممتدة بالمنطقة، وثالثها: ضرورة إدراك التنافس الدولي تجاه منطقة الخليج العربي ومنها إعلان بريطانيا إعفاء دول الخليج العربي من تأشيرة الدخول وكذلك إعلان روسيا الإعفاء ذاته لبعض دول الخليج وغيرها من الدول الأخرى التي وإن لم تقدم إعفاءات كاملة ولكنها تقدم تسهيلات.
وفي تقديري أن المسألة تتجاوز زيارات السياحة والعمل بل إن الإقامة والتملك سيكون أمراً مهماً لتعزيز تلك العلاقات وخاصة استكشاف الجوانب الثقافية والقيمية لدى الجانبين في ظل عالم تتناقل فيه وسائل الاتصال الحديثة التطورات لحظة وقوعها.
تدرك دول الخليج العربي هيكلية الاتحاد الأوروبي وما تتطلبه من وقت لاتخاذ قرارات يراها الاتحاد الأوروبي تمثل تحولاً نوعياً في سياسته الخارجية، وأيضاً خصوصية التجربة الأوروبية والتي تجمع بين المصالح والقيم وأخيراً السياق الدولي الذي يعمل فيه الاتحاد الأوروبي بما فيه من فرص وقيود ولكن مقومات الشراكة والتي أشرت إليها وإن كانت أساسية وتلبي طموحات الطرفين ولكن لابد لها من أطر زمنية في ظل تحولات إقليمية وأخرى عالمية جعلت منطقة الخليج هي محور تلك التفاعلات بشكل كبير ومن ثم لا تزال محط أنظار القوى الدولية بشكل تنافسي غير مسبوق وهو ما يمثل فرصة مهمة للاتحاد الأوروبي الذي لديه الأمن الصلب والناعم على حد سواء.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك