مبدئيًّا ومن غير جدل، فإن الصيام عبادة لا نختلف عليها وفرض من الله عز وجل.
ولكن للصيام جوانب أخرى لم تعد مخفية، فمنذ سنوات عدة احتل الصيام الإسلامي مكانة واضحة بين الأبحاث التي تقوم بها كثير من المعاهد والمؤسسات البحثية في العالم، فقد تنبه العالم الغربي والعربي إلى الفوائد الصحية للصيام سواء من الجوانب العلاجية أو الوقائية أو الجسمية وحتى النفسية، ومن ذلك تلك التي دعا إليها المهتمون في المؤتمر العالمي الأول عن الفوائد الصحية لصيام رمضان في عام 1994 ميلادية في الدار البيضاء بالمغرب، حيث قدمت فيه 50 ورقة بحثية، شارك فيها علماء من مختلف دول العالم على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، وقد أظهرت تلك الدراسات الفوائد الصحية للصيام بصفة عامة وصيام رمضان بصورة خاصة.
وفتح هذا المؤتمر الأول الباب على مصراعيه لدراسة الجوانب العلمية والصحية للصيام الإسلامي بمختلفة أنواعه، سواء كنا نتحدث عن صيام شهر رمضان أو السنن الراتبة وغيرها. وما سنحاول أن نسلط عليه الأضواء في هذا المقال هو بعض الجوانب الصحية والعلمية لصيام شهر رمضان.
ولإثبات أن الصيام معجزة علمية، أجرى بعض العلماء تجارب في هذا الأمر ثم أشار إلى النتائج فقال: إن كفاءة الأداء العضلي للصائمين في هذه التجربة المثيرة قد تحسن بنسبة 20% عند 30% من أفراد التجربة و7% عند 40% منهم، وتحسنت سرعة دقات القلب بمقدار 6%، وتحسنت حصيلة ضغط الدم مضروبًا في سرعة النبض بمقدار 12%، وتحسنت درجة الشعور بضيق التنفس بمقدار 9% كما تحسنت درجة الشعور بإرهاق الساقين بمقدار 11%. إن هذه التجربة الرائعة تبطل المفهوم الشائع عند الكثيرين من الناس من أن الصيام يضعف المجهود البدني، ويؤثر على النشاط والحركة فيخلدون إلى الراحة والسكون، ويقضون معظم نهار الصوم في النوم والكسل. وتؤكد هذه التجربة أن الصيام معجزة علمية، وأن هذه حقيقة وليست أمرًا غيبيًّا. حسنٌ، لنستوضح بعض الأمور، ومنها:
التجويع والجهاز الهضمي:
في دراسة نشرت عام 2011 في المؤتمر العالمي للقرآن الكريم ودوره في بناء الحضارة الإنسانية الذي أقيم في الخرطوم، أشارت إلى أن المراجع الطبية قسمت التجويع إلى ثلاث مراحل: مرحلة مبكرة، ومتوسطة، وطويلة الأجل. وقد اكتشفت هذه الآثار (للتجويع) بعد تعريض حيوانات مخبرية للجوع لمراحل مختلفة، ثم طبقت الملاحظات على بشر تعرضوا للجوع لأوقات مماثلة أو مقاربة لما تعرضت له حيوانات المختبر.
أولاً: المرحلة المبكرة للتجويع
في هذه المرحلة والتي تبدأ بعد نهاية فترة امتصاص آخر وجبة من الجهاز الهضمي (أي بعد حوالي خمسِ ساعات من الأكل) وحتى نهاية فترة ما بعد الامتصاص والتي تتراوح مدتها من نحو أربع ساعات إلى حوالي اثنتي عشرة ساعة.
هذه الفترة من الانقطاع عن الطعام آمنة تمامًا بالمقاييس العلمية، فالجلوكوز (وهو المصدر الأساسي لطاقة الجسم) يكون متوفرًا للجسم في هذه الفترة، وهو الوقود الوحيد الذي يصلح لاستخدام خلايا المخ، والدهون (وهي مصدر الطاقة الاحتياطي) لا تتأكسد في هذه الفترة من الصيام بالقدر الذي يولد أجسامًا كيتونية بالدم.
أما المواد البروتينية في الجسم (وهي التي تتكون منها عضلات الجسم التي تحمل أثقال الجسم المختلفة) فإنها تكون في مأمن من آثار التجويع إذا انتهت مدته بحوالي اثنتي عشرة ساعة.
ثانيًا: المرحلة المتوسطة، والتي تمتد من بعد 18 ساعة إلى 48 ساعة
وعندما يستمر الجوع فترة زمنية تزيد على 18 ساعة، يكون الجلوكوز قد اسُتهلك تمامًا، أو كاد. في هذه المرحلة من الجوع يبدأ الجسم في استخدام بدائل الطاقة. والبديل الأول هو استخراج الطاقة من الدهون المتراكمة في الجسم، ويصاحب ذلك توليد الأجسام الكيتونية ذات الحمضية العالية (وهي في مجملها مكونات جانبية لإنتاج الطاقة من الدهون خاصة، وهي مضرة بصحة الجسم)، فإن لم يكفِ ذلك لتوليد الطاقة الضرورية لعمليات الحياة كان لابد من استهلاك البروتين لإنتاج الطاقة. غير أن استهلاك البروتين ينتج عنه هدم لعضلات الجسم مما يحدث خللاً في التوازن النتروجيني في الجسم.
إذن المرحلة المتوسطة من التجويع يصحبها استنفاد الجلوكوز وبداية استهلاك الدهون مما يعرض الجسم للآثار الضارة للأحماض الكيتونية الناتجة عن استعمال الدهون للطاقة.
أما استهلاك البروتين المؤدي إلى هدم العضلات فإنه يندر في هذه المرحلة من التجويع، ولكن يمكن أن تكون هناك بدايات منذرة له. والضعف الجسدي الذي يصاحب هذه المرحلة من التجويع يمكن التغلب عليه بيسر بإعادة التغذية، فيسترد الجسم حيويته بسرعة بعد الإطعام.
المرحلة الثالثة، وهي المرحلة الطويلة: تبدأ بعد اليوم الثاني:
بعد مضي أكثر من 48 ساعة (أي اليومين التاليين) تزداد الأجسام الكيتونية في خلايا الجسم، مما يزيد من حمضية الدم، الذي يبدأ في التأثير على الاستقلاب. ويفقد المخ مادة الجلوكوز تمامًا، ويبدأ في فقد توازنه.
ويبدأ استهلاك البروتين في إنتاج الطاقة مما يؤدي إلى ضعف في البنية العضلية نتيجة خلل التوازن النتروجيني في الجسم. إذا استمرت هذه المرحلة لمدد متطاولة فإن إعادة التغذية لا تأتي بنتائج فورية، ويحتاج الجسم إلى زمن قد يطول لإعادة بناء العضلات التي لا يتحرك الجسم بكفاءة إلا بها.
ويمكن أن نلاحظ أن الصيام الإسلامي يقع في المرحلة الأولى، بمعنى أن الإنسان والجسم لا يتأثر بالتجويع.
ومن جانب آخر فإن الصيام يمكن أن يكون له علاقة بالغدد الصماء التي تؤثر في عمليات الاستقلاب، في فترة ما بعد الامتصاص، ومن أداء وظائفها، في تنظيم وإفراز هرموناتها الحيوية على أتم حال، وذلك بتنشيط آليات التثبيط والتنبيه لها يوميًا، ولفترة دورية ثابتة، ومتغيرة طوال العام، وبالتالي يحصل توازن بين الهرمونات المتضادة في العمل، مثل هرموني: النمو والإنسولين، كهرمونات بناء من ناحية، وهرموني: الجلوكاجون والكوريتزول، كهرمونات هدم من ناحية أخرى، والذي يتوقف على توازنها الدقيق، تركيز الأحماض الأمينية في الدم، توازن الاستقلاب.
بمعنى آخر فإن الصيام ينشط آليات الاستقلاب أو التمثيل الغذائي في بناء وهدم الجلوكوز والدهون، والبروتينات في الخلايا، لتقوم بوظائفها على أكمل وجه. أما إذا اقتصر الجسم على البناء فقط، وكان همه التخزين للغذاء في داخله، فإن آليات البناء تغلب آليات الهدم، فيعتري الأخيرة – لعدم استعمالها بكامل طاقتها – الوهن التدريجي، والتي تظهر ملامحه عند تعرض الجسم لشدة مفاجئة، بانقطاع الطعام عنه في الصحة، أو المرض، فقد لا يستطيع هذا الإنسان مواصلة حياته، أو مقاومة مرضه.
جهاز المناعة والسموم
من المعروف أن الكبد هو المِصْفَاة للسموم التي تتراكم في الجسم من كمية المياه التي يشربها والأغذية التي يتناولها على مدار اليوم، فوجِد علميًّا أنَّ كميَّة المياه – مثلاً – التي يشربها الإنسان على مدار حياته يُوجَد بها كميات من المعادن الثقيلة المُذَابة في المياه، إضافة إلى السموم الموجودة في الطعام، والمولى سبحانه وتعالى خلَق لنا هذا الكَبِد، وجعل له وظائف عديدة، منها:
* عملية التَّخْزين؛ حيث إنَّ الإنسان الموظَّف –غالبًا– يبدأ يومه العاديَّ بوجبة الإفطار، ثم كوب شاي في العمل، ثم (سندوتشات) كذلك، وكل هذا فيه نشويَّات وسكَّريات، فالكبد هو بمثابة المَخْزن لهذه النشويات والسكريات.
* عملية تطهير الجسم من السموم، فعندما يكون الإنسان صائمًا، فإنَّ الكبد يكون في راحة تامَّة من عملِيَّة التخزين بنسبة 15 إلى 16 ساعة في اليوم، فيقوم بعملية تطهير الجسم من كل السموم؛ يقول الدكتور عبد الجواد الصاوي في كتابه (الصيام معجزة علميَّة): «تستمرُّ عملية التنظيف وكأنَّ الإنسان يَخرج من هذا الشهر الكريم أنظف مما كان عليه»، كذلك تحدث عملية تجديد في الخلايا؛ نتيجة راحة الجسْم، وتَظْهر هذه في البَشرة وفي صفَاء العينين وجمال الوجه.
* وكذلك تتجلَّى في الإعجاز العلمي في الآية (وَأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة – الآية 184 قوة المناعة، فوجدوا علميًّا أنَّ الخلايا المقاومة تزداد فاعليتها بنسبة 10 أضعاف، فيوجد في الجهاز المناعي خلايا تسمَّى الخلايا اللِّمفاوية والتائية، والتي تحتاج إلى طاقة كبيرة؛ لِكَي تقوم بوظيفتها، وهذه الطاقة لا تتوفَّر إلاَّ في الصيام؛ لِتَوقُّف الجهاز الهضمي عن عملية الهضم، فتنشط هذه الخلايا.
وأشار الدكتور علي فؤاد مخيمر، رئيس جمعية الإعجاز العلمي المتجدد، في كتابه (الصيام في ضوء الإعجاز العلمي)، إلى أن تجارب عديدة أجريت على الإنسان والحيوان، فتوصلوا إلى كثير من الفوائد، منها:
1. إتاحة راحة فسيولوجية لجميع أعضاء الجسم، ويظهر أثر هذه الراحة بشعور الصائم أو الجائع، وكأن الأمراض التي كان يشعر بها في داخل جسده من قبل قد زالت أو كأنها في إجازة أثناء صومه، أو كأنها قد خدرت بالصوم، وبمرور أيام الصوم أو التجويع نجد الجسد قد تخلص مما كان يعانيه من أمراض.
2. طرح السموم والفضلات من الدهون والمواد الغذائية الأخرى خارج الجسد عن طريق البول والإفرازات التي تخرج من الجسم.
3. تتخلص الأمعاء من الجراثيم الضارة التي تراكمت فيها، وتشارك الجسم في المواد الغذائية، فالصيام أو التجويع يدمرها تمامًا حتى تخرج مع الفضلات حية أو ميتة، فضعفها بعدم الغذاء جعلها تضعف عن تماسكها في جدار الأمعاء من الجسد.
4. تجديد خلايا الأنسجة: يقول العالم (أبتون سنكلير): «إن أكبر شيء يعطينا إياه، الصوم؛ هو مستوى جديد من الصحة، ذلك لأن الأعضاء تتجدد بكاملها، فتتحسن وظائفها العديدة، وتنشط، ويمنح الجسم الفرصة المثلى للتخلص من السموم والفضلات المتراكمة بين ثناياه، وفي صميم نسيجه العضوي».
5. تقوية الذاكرة وتفتحها، وتحسن أعضاء الحس والشعور، وتتحسن كذلك القوى المعنوية، كالعاطفة والمحبة والحدس وقوة البديهة، تحسنًا ملحوظاً بفعل الصوم.
هذه بعض الأمور العلمية والصحية التي أمكن استعراضها من خلال هذه الصفحات، ولكن الموضوع أكبر من ذلك بكثير.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك