العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الصيام في ضوء الإعجاز العلمي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٤ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

مبدئيًّا‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬جدل،‭ ‬فإن‭ ‬الصيام‭ ‬عبادة‭ ‬لا‭ ‬نختلف‭ ‬عليها‭ ‬وفرض‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭. ‬

ولكن‭ ‬للصيام‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مخفية،‭ ‬فمنذ‭ ‬سنوات‭ ‬عدة‭ ‬احتل‭ ‬الصيام‭ ‬الإسلامي‭ ‬مكانة‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬الأبحاث‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المعاهد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فقد‭ ‬تنبه‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬والعربي‭ ‬إلى‭ ‬الفوائد‭ ‬الصحية‭ ‬للصيام‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬العلاجية‭ ‬أو‭ ‬الوقائية‭ ‬أو‭ ‬الجسمية‭ ‬وحتى‭ ‬النفسية،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬دعا‭ ‬إليها‭ ‬المهتمون‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬العالمي‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬الفوائد‭ ‬الصحية‭ ‬لصيام‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬ميلادية‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬بالمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬قدمت‭ ‬فيه‭ ‬50‭ ‬ورقة‭ ‬بحثية،‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬علماء‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬دياناتهم‭ ‬ومذاهبهم،‭ ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬الفوائد‭ ‬الصحية‭ ‬للصيام‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وصيام‭ ‬رمضان‭ ‬بصورة‭ ‬خاصة‭.  ‬

وفتح‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأول‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لدراسة‭ ‬الجوانب‭ ‬العلمية‭ ‬والصحية‭ ‬للصيام‭ ‬الإسلامي‭ ‬بمختلفة‭ ‬أنواعه،‭ ‬سواء‭ ‬كنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬صيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬أو‭ ‬السنن‭ ‬الراتبة‭ ‬وغيرها‭. ‬وما‭ ‬سنحاول‭ ‬أن‭ ‬نسلط‭ ‬عليه‭ ‬الأضواء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب‭ ‬الصحية‭ ‬والعلمية‭ ‬لصيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭. ‬

ولإثبات‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬معجزة‭ ‬علمية،‭ ‬أجرى‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬تجارب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ثم‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬فقال‭: ‬إن‭ ‬كفاءة‭ ‬الأداء‭ ‬العضلي‭ ‬للصائمين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬المثيرة‭ ‬قد‭ ‬تحسن‭ ‬بنسبة‭ ‬20%‭ ‬عند‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬التجربة‭ ‬و7%‭ ‬عند‭ ‬40%‭ ‬منهم،‭ ‬وتحسنت‭ ‬سرعة‭ ‬دقات‭ ‬القلب‭ ‬بمقدار‭ ‬6%،‭ ‬وتحسنت‭ ‬حصيلة‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬مضروبًا‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬النبض‭ ‬بمقدار‭ ‬12%،‭ ‬وتحسنت‭ ‬درجة‭ ‬الشعور‭ ‬بضيق‭ ‬التنفس‭ ‬بمقدار‭ ‬9%‭ ‬كما‭ ‬تحسنت‭ ‬درجة‭ ‬الشعور‭ ‬بإرهاق‭ ‬الساقين‭ ‬بمقدار‭ ‬11%‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الرائعة‭ ‬تبطل‭ ‬المفهوم‭ ‬الشائع‭ ‬عند‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬يضعف‭ ‬المجهود‭ ‬البدني،‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬والحركة‭ ‬فيخلدون‭ ‬إلى‭ ‬الراحة‭ ‬والسكون،‭ ‬ويقضون‭ ‬معظم‭ ‬نهار‭ ‬الصوم‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬والكسل‭. ‬وتؤكد‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬معجزة‭ ‬علمية،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬حقيقة‭ ‬وليست‭ ‬أمرًا‭ ‬غيبيًّا‭. ‬حسنٌ،‭ ‬لنستوضح‭ ‬بعض‭ ‬الأمور،‭ ‬ومنها‭: ‬

التجويع‭ ‬والجهاز‭ ‬الهضمي‭: ‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬نشرت‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬العالمي‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المراجع‭ ‬الطبية‭ ‬قسمت‭ ‬التجويع‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭: ‬مرحلة‭ ‬مبكرة،‭ ‬ومتوسطة،‭ ‬وطويلة‭ ‬الأجل‭. ‬وقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬هذه‭ ‬الآثار‭ (‬للتجويع‭) ‬بعد‭ ‬تعريض‭ ‬حيوانات‭ ‬مخبرية‭ ‬للجوع‭ ‬لمراحل‭ ‬مختلفة،‭ ‬ثم‭ ‬طبقت‭ ‬الملاحظات‭ ‬على‭ ‬بشر‭ ‬تعرضوا‭ ‬للجوع‭ ‬لأوقات‭ ‬مماثلة‭ ‬أو‭ ‬مقاربة‭ ‬لما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬حيوانات‭ ‬المختبر‭.‬

أولاً‭: ‬المرحلة‭ ‬المبكرة‭ ‬للتجويع

في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬والتي‭ ‬تبدأ‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬فترة‭ ‬امتصاص‭ ‬آخر‭ ‬وجبة‭ ‬من‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ (‬أي‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬خمسِ‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الأكل‭) ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الامتصاص‭ ‬والتي‭ ‬تتراوح‭ ‬مدتها‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬أربع‭ ‬ساعات‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬ساعة‭. ‬

هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الانقطاع‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬آمنة‭ ‬تمامًا‭ ‬بالمقاييس‭ ‬العلمية،‭ ‬فالجلوكوز‭ (‬وهو‭ ‬المصدر‭ ‬الأساسي‭ ‬لطاقة‭ ‬الجسم‭) ‬يكون‭ ‬متوفرًا‭ ‬للجسم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬وهو‭ ‬الوقود‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يصلح‭ ‬لاستخدام‭ ‬خلايا‭ ‬المخ،‭ ‬والدهون‭ (‬وهي‭ ‬مصدر‭ ‬الطاقة‭ ‬الاحتياطي‭) ‬لا‭ ‬تتأكسد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الصيام‭ ‬بالقدر‭ ‬الذي‭ ‬يولد‭ ‬أجسامًا‭ ‬كيتونية‭ ‬بالدم‭. ‬

أما‭ ‬المواد‭ ‬البروتينية‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ (‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬منها‭ ‬عضلات‭ ‬الجسم‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬أثقال‭ ‬الجسم‭ ‬المختلفة‭) ‬فإنها‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬التجويع‭ ‬إذا‭ ‬انتهت‭ ‬مدته‭ ‬بحوالي‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬ساعة‭.‬

ثانيًا‭: ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة،‭ ‬والتي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬18‭ ‬ساعة‭ ‬إلى‭ ‬48‭ ‬ساعة

وعندما‭ ‬يستمر‭ ‬الجوع‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬18‭ ‬ساعة،‭ ‬يكون‭ ‬الجلوكوز‭ ‬قد‭ ‬اسُتهلك‭ ‬تمامًا،‭ ‬أو‭ ‬كاد‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬يبدأ‭ ‬الجسم‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬بدائل‭ ‬الطاقة‭. ‬والبديل‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬استخراج‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬الدهون‭ ‬المتراكمة‭ ‬في‭ ‬الجسم،‭ ‬ويصاحب‭ ‬ذلك‭ ‬توليد‭ ‬الأجسام‭ ‬الكيتونية‭ ‬ذات‭ ‬الحمضية‭ ‬العالية‭ (‬وهي‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬مكونات‭ ‬جانبية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬الدهون‭ ‬خاصة،‭ ‬وهي‭ ‬مضرة‭ ‬بصحة‭ ‬الجسم‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكفِ‭ ‬ذلك‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الضرورية‭ ‬لعمليات‭ ‬الحياة‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬البروتين‭ ‬لإنتاج‭ ‬الطاقة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬استهلاك‭ ‬البروتين‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬هدم‭ ‬لعضلات‭ ‬الجسم‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬خللاً‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬النتروجيني‭ ‬في‭ ‬الجسم‭.‬

إذن‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة‭ ‬من‭ ‬التجويع‭ ‬يصحبها‭ ‬استنفاد‭ ‬الجلوكوز‭ ‬وبداية‭ ‬استهلاك‭ ‬الدهون‭ ‬مما‭ ‬يعرض‭ ‬الجسم‭ ‬للآثار‭ ‬الضارة‭ ‬للأحماض‭ ‬الكيتونية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬استعمال‭ ‬الدهون‭ ‬للطاقة‭. ‬

أما‭ ‬استهلاك‭ ‬البروتين‭ ‬المؤدي‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬العضلات‭ ‬فإنه‭ ‬يندر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬التجويع،‭ ‬ولكن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬بدايات‭ ‬منذرة‭ ‬له‭. ‬والضعف‭ ‬الجسدي‭ ‬الذي‭ ‬يصاحب‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬التجويع‭ ‬يمكن‭ ‬التغلب‭ ‬عليه‭ ‬بيسر‭ ‬بإعادة‭ ‬التغذية،‭ ‬فيسترد‭ ‬الجسم‭ ‬حيويته‭ ‬بسرعة‭ ‬بعد‭ ‬الإطعام‭.‬

المرحلة‭ ‬الثالثة،‭ ‬وهي‭ ‬المرحلة‭ ‬الطويلة‭: ‬تبدأ‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭:‬

بعد‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ (‬أي‭ ‬اليومين‭ ‬التاليين‭) ‬تزداد‭ ‬الأجسام‭ ‬الكيتونية‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬الجسم،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬حمضية‭ ‬الدم،‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الاستقلاب‭. ‬ويفقد‭ ‬المخ‭ ‬مادة‭ ‬الجلوكوز‭ ‬تمامًا،‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬فقد‭ ‬توازنه‭. ‬

ويبدأ‭ ‬استهلاك‭ ‬البروتين‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬العضلية‭ ‬نتيجة‭ ‬خلل‭ ‬التوازن‭ ‬النتروجيني‭ ‬في‭ ‬الجسم‭. ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬لمدد‭ ‬متطاولة‭ ‬فإن‭ ‬إعادة‭ ‬التغذية‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬فورية،‭ ‬ويحتاج‭ ‬الجسم‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬العضلات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭ ‬الجسم‭ ‬بكفاءة‭ ‬إلا‭ ‬بها‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬الإسلامي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬والجسم‭ ‬لا‭ ‬يتأثر‭ ‬بالتجويع‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬الصيام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالغدد‭ ‬الصماء‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاستقلاب،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الامتصاص،‭ ‬ومن‭ ‬أداء‭ ‬وظائفها،‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬وإفراز‭ ‬هرموناتها‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬حال،‭ ‬وذلك‭ ‬بتنشيط‭ ‬آليات‭ ‬التثبيط‭ ‬والتنبيه‭ ‬لها‭ ‬يوميًا،‭ ‬ولفترة‭ ‬دورية‭ ‬ثابتة،‭ ‬ومتغيرة‭ ‬طوال‭ ‬العام،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يحصل‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬الهرمونات‭ ‬المتضادة‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬مثل‭ ‬هرموني‭: ‬النمو‭ ‬والإنسولين،‭ ‬كهرمونات‭ ‬بناء‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وهرموني‭: ‬الجلوكاجون‭ ‬والكوريتزول،‭ ‬كهرمونات‭ ‬هدم‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬والذي‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬توازنها‭ ‬الدقيق،‭ ‬تركيز‭ ‬الأحماض‭ ‬الأمينية‭ ‬في‭ ‬الدم،‭ ‬توازن‭ ‬الاستقلاب‭.‬

بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬الصيام‭ ‬ينشط‭ ‬آليات‭ ‬الاستقلاب‭ ‬أو‭ ‬التمثيل‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬وهدم‭ ‬الجلوكوز‭ ‬والدهون،‭ ‬والبروتينات‭ ‬في‭ ‬الخلايا،‭ ‬لتقوم‭ ‬بوظائفها‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬اقتصر‭ ‬الجسم‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬فقط،‭ ‬وكان‭ ‬همه‭ ‬التخزين‭ ‬للغذاء‭ ‬في‭ ‬داخله،‭ ‬فإن‭ ‬آليات‭ ‬البناء‭ ‬تغلب‭ ‬آليات‭ ‬الهدم،‭ ‬فيعتري‭ ‬الأخيرة‭ ‬‭ ‬لعدم‭ ‬استعمالها‭ ‬بكامل‭ ‬طاقتها‭ ‬‭ ‬الوهن‭ ‬التدريجي،‭ ‬والتي‭ ‬تظهر‭ ‬ملامحه‭ ‬عند‭ ‬تعرض‭ ‬الجسم‭ ‬لشدة‭ ‬مفاجئة،‭ ‬بانقطاع‭ ‬الطعام‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الصحة،‭ ‬أو‭ ‬المرض،‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬مواصلة‭ ‬حياته،‭ ‬أو‭ ‬مقاومة‭ ‬مرضه‭.‬

جهاز‭ ‬المناعة‭ ‬والسموم

من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الكبد‭ ‬هو‭ ‬المِصْفَاة‭ ‬للسموم‭ ‬التي‭ ‬تتراكم‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬من‭ ‬كمية‭ ‬المياه‭ ‬التي‭ ‬يشربها‭ ‬والأغذية‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬اليوم،‭ ‬فوجِد‭ ‬علميًّا‭ ‬أنَّ‭ ‬كميَّة‭ ‬المياه‭ ‬‭ ‬مثلاً‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬يشربها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬حياته‭ ‬يُوجَد‭ ‬بها‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬المعادن‭ ‬الثقيلة‭ ‬المُذَابة‭ ‬في‭ ‬المياه،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬السموم‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الطعام،‭ ‬والمولى‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬خلَق‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬الكَبِد،‭ ‬وجعل‭ ‬له‭ ‬وظائف‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭:‬

*‭ ‬عملية‭ ‬التَّخْزين؛‭ ‬حيث‭ ‬إنَّ‭ ‬الإنسان‭ ‬الموظَّف‭ ‬غالبًا‭ ‬يبدأ‭ ‬يومه‭ ‬العاديَّ‭ ‬بوجبة‭ ‬الإفطار،‭ ‬ثم‭ ‬كوب‭ ‬شاي‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬ثم‭ (‬سندوتشات‭) ‬كذلك،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬فيه‭ ‬نشويَّات‭ ‬وسكَّريات،‭ ‬فالكبد‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬المَخْزن‭ ‬لهذه‭ ‬النشويات‭ ‬والسكريات‭.‬

*‭ ‬عملية‭ ‬تطهير‭ ‬الجسم‭ ‬من‭ ‬السموم،‭ ‬فعندما‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬صائمًا،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الكبد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬راحة‭ ‬تامَّة‭ ‬من‭ ‬عملِيَّة‭ ‬التخزين‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬فيقوم‭ ‬بعملية‭ ‬تطهير‭ ‬الجسم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬السموم؛‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الجواد‭ ‬الصاوي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬الصيام‭ ‬معجزة‭ ‬علميَّة‭): ‬‮«‬تستمرُّ‭ ‬عملية‭ ‬التنظيف‭ ‬وكأنَّ‭ ‬الإنسان‭ ‬يَخرج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬أنظف‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‮»‬،‭ ‬كذلك‭ ‬تحدث‭ ‬عملية‭ ‬تجديد‭ ‬في‭ ‬الخلايا؛‭ ‬نتيجة‭ ‬راحة‭ ‬الجسْم،‭ ‬وتَظْهر‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬البَشرة‭ ‬وفي‭ ‬صفَاء‭ ‬العينين‭ ‬وجمال‭ ‬الوجه‭.‬

*‭ ‬وكذلك‭ ‬تتجلَّى‭ ‬في‭ ‬الإعجاز‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الآية‭ (‬وَأنْ‭ ‬تَصُومُوا‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬لَكُمْ‭) ‬البقرة‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬184‭ ‬قوة‭ ‬المناعة،‭ ‬فوجدوا‭ ‬علميًّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الخلايا‭ ‬المقاومة‭ ‬تزداد‭ ‬فاعليتها‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭ ‬أضعاف،‭ ‬فيوجد‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬المناعي‭ ‬خلايا‭ ‬تسمَّى‭ ‬الخلايا‭ ‬اللِّمفاوية‭ ‬والتائية،‭ ‬والتي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬كبيرة؛‭ ‬لِكَي‭ ‬تقوم‭ ‬بوظيفتها،‭ ‬وهذه‭ ‬الطاقة‭ ‬لا‭ ‬تتوفَّر‭ ‬إلاَّ‭ ‬في‭ ‬الصيام؛‭ ‬لِتَوقُّف‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬الهضم،‭ ‬فتنشط‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭.‬

وأشار‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬فؤاد‭ ‬مخيمر،‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬الإعجاز‭ ‬العلمي‭ ‬المتجدد،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬الصيام‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الإعجاز‭ ‬العلمي‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجارب‭ ‬عديدة‭ ‬أجريت‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬والحيوان،‭ ‬فتوصلوا‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفوائد،‭ ‬منها‭:‬

1‭. ‬إتاحة‭ ‬راحة‭ ‬فسيولوجية‭ ‬لجميع‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم،‭ ‬ويظهر‭ ‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬الراحة‭ ‬بشعور‭ ‬الصائم‭ ‬أو‭ ‬الجائع،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬جسده‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قد‭ ‬زالت‭ ‬أو‭ ‬كأنها‭ ‬في‭ ‬إجازة‭ ‬أثناء‭ ‬صومه،‭ ‬أو‭ ‬كأنها‭ ‬قد‭ ‬خدرت‭ ‬بالصوم،‭ ‬وبمرور‭ ‬أيام‭ ‬الصوم‭ ‬أو‭ ‬التجويع‭ ‬نجد‭ ‬الجسد‭ ‬قد‭ ‬تخلص‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يعانيه‭ ‬من‭ ‬أمراض‭.‬

2‭. ‬طرح‭ ‬السموم‭ ‬والفضلات‭ ‬من‭ ‬الدهون‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأخرى‭ ‬خارج‭ ‬الجسد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البول‭ ‬والإفرازات‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الجسم‭.‬

3‭. ‬تتخلص‭ ‬الأمعاء‭ ‬من‭ ‬الجراثيم‭ ‬الضارة‭ ‬التي‭ ‬تراكمت‭ ‬فيها،‭ ‬وتشارك‭ ‬الجسم‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬فالصيام‭ ‬أو‭ ‬التجويع‭ ‬يدمرها‭ ‬تمامًا‭ ‬حتى‭ ‬تخرج‭ ‬مع‭ ‬الفضلات‭ ‬حية‭ ‬أو‭ ‬ميتة،‭ ‬فضعفها‭ ‬بعدم‭ ‬الغذاء‭ ‬جعلها‭ ‬تضعف‭ ‬عن‭ ‬تماسكها‭ ‬في‭ ‬جدار‭ ‬الأمعاء‭ ‬من‭ ‬الجسد‭.‬

4‭. ‬تجديد‭ ‬خلايا‭ ‬الأنسجة‭: ‬يقول‭ ‬العالم‭ (‬أبتون‭ ‬سنكلير‭): ‬‮«‬إن‭ ‬أكبر‭ ‬شيء‭ ‬يعطينا‭ ‬إياه،‭ ‬الصوم؛‭ ‬هو‭ ‬مستوى‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الأعضاء‭ ‬تتجدد‭ ‬بكاملها،‭ ‬فتتحسن‭ ‬وظائفها‭ ‬العديدة،‭ ‬وتنشط،‭ ‬ويمنح‭ ‬الجسم‭ ‬الفرصة‭ ‬المثلى‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬السموم‭ ‬والفضلات‭ ‬المتراكمة‭ ‬بين‭ ‬ثناياه،‭ ‬وفي‭ ‬صميم‭ ‬نسيجه‭ ‬العضوي‮»‬‭.‬

5‭. ‬تقوية‭ ‬الذاكرة‭ ‬وتفتحها،‭ ‬وتحسن‭ ‬أعضاء‭ ‬الحس‭ ‬والشعور،‭ ‬وتتحسن‭ ‬كذلك‭ ‬القوى‭ ‬المعنوية،‭ ‬كالعاطفة‭ ‬والمحبة‭ ‬والحدس‭ ‬وقوة‭ ‬البديهة،‭ ‬تحسنًا‭ ‬ملحوظاً‭ ‬بفعل‭ ‬الصوم‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬العلمية‭ ‬والصحية‭ ‬التي‭ ‬أمكن‭ ‬استعراضها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الصفحات،‭ ‬ولكن‭ ‬الموضوع‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا