الذي يستمع إلى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد روسيا الاتحادية أو فحوى المقابلات التي أجرتها معه وسائل الإعلام الغربية وعبر فيها عن استعداد فرنسا للدخول في الحرب ضد روسيا بما في ذلك إرسال قوات برية إلى كييف، والذي يطالع أيضا تفاصيل الاتفاق الأمني الذي وقعه الرئيس الفرنسي مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مؤخرا يتبادر إلى ذهنه بأن الجمهورية الفرنسية دولة مواجهة مع روسيا الاتحادية وإن الحرب قائمة بينهما بل قد يتبادر إلى الذهن بأن روسيا تستعد لغزو فرنسا.
الغريب في هذه الفورة الماركونية من التصريحات والتهديدات الدنكيشونية ضد روسيا عامة وضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خاصة تكاد تكون معزولة تماما سواء في الداخل الفرنسي حيث أجمعت أغلب الأحزاب الفرنسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على رفض هذه التصريحات والتنديد بها واعتبارها نوعا من الهروب إلى الأمام أو نوعا من التغطية على المشكلات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة ولعل أفضل مثال على ذلك ما اعتبره أحد زعماء اليسار الفرنسي السيد ميلونشوة جنونا حقيقيا ومحاولة لتوريط فرنسا في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. كما أن تلك التصريحات الفجة لاقت رفضا شبه كامل من قبل الشركاء الأوروبيين بل حتى من الأمريكان أنفسهم ولم يساند السيد ماكرون تقريبا إلا رئيس لاتفيا فهنالك إجماع شبه كامل على رفض المزيد من التوريطات في هذه الحرب التي تورطت فيها دول حلف الناتو بل وشاركت في افتعالها وخلقها من خلال 3 إجراءات:
الأول: الرفض القاطع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها لانضمام روسيا الاتحادية إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» والذي قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ البداية كتعبير عن حسن النية والاستعداد للتعاون والشراكة الأمنية الكاملة وهذا الرفض يؤكد النزعة العدوانية ضد روسيا بشكل استفزازي ويخفي المقاصد التي تعني في النهاية العمل على تقويض أمن واستقرار روسيا الاتحادية.
الثاني: المساعدة على حدوث انقلاب ضد فيكتور يانكوفيتش الرئيس الشرعي لأوكرانيا والاتيان بمجموعة نازية معادية لروسيا لتحكم أوكرانيا وتتحول إلى أداة لتهديد الروس الأوكران ومسحهم من على أرض الدنباس والعمل على إثارة الفتن داخل روسيا لإضعاف هذه الدولة الكبيرة والدليل على ذلك ما نشر مؤخرا من قبل الصحافة الأمريكية بأن وكالة المخابرات الأمريكية قد أنشأت 24 قاعدة أو مركزا لها على امتداد الحدود الروسية ولا شك أن هذه الإجراء هدفه التصنت على روسيا ومحاولة الإضرار بأمنها واستقرارها.
الثالث: الخديعة الكبرى التي شاركت فيها كل من أوكرانيا وفرنسا وألمانيا في اتفاقيات مينسك 2014 ومينسك 2015 التي وقعت عليها روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا وشهدت عليها كل من فرنسا وألمانيا كدولتين ضامنتين لهذا الاتفاق في حين اعترفت المستشار الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بأن هاتين الاتفاقيتين كان هدفهما الأساسي هو إعطاء فرصة لأوكرانيا لتسليح نفسها وتستعد لخوض حرب مع روسيا وهذه الحقيقة التي نشرت وأصبحت معلومة تدل على أن الغرب كان ولا يزال يعمل على مخادعة روسيا ومحاصرتها في محاولة لخنقها وإثارة القلاقل لتفتيتها.
هذا بالإضافة إلى العوامل الأخرى التي يعلمها القاصي والداني اليوم وهي تنصل دول حلف الناتو عن عهودها في التسعينيات من القرن الماضي بعدم توسع هذا الحلف الذي يفترض أن يكون دفاعيا في اتجاه الحدود الروسية إلا أن هذا الحلف قد سعى باستمرار إلى محاصرة روسيا حتى وصل حلف الناتو إلى أعتاب الحدود الروسية بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف.
هذه النزعة العدوانية وانعدام الإحساس بالمسؤولية الإنسانية والسياسية والقانونية كانت في مجملها رسائل إلى روسيا بأن الحلف لن يتوقف عن السعي لإسقاط روسيا ونظامها السياسي وتفكيكها على الطريقة التي قام بها الحلف في يوغسلافيا السابقة حتى لا يبقى في العالم أي قوة منافسة لحلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة الأمريكية في قدراتها.
في هذا السياق نضع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتكررة والعدوانية تجاه روسيا الاتحادية كرد فعل على فشل الخطط الغربية وخطط الناتو بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني الذي أنفقت عليه الدول الغربية كل ما عندها من أموال وأسلحة وذخائر ولكنها هزمت هزيمة نكراء أمام القوة الروسية الجبارة.
إن مثل هذه التصريحات العدوانية لا تخدم الأمن والسلام العالمي خاصة وإن روسيا برهنت منذ البداية عن استعدادها الدائم للتفاوض والوصول إلى حلول تؤدي إلى تحييد أوكرانيا وإلى الحد من المخاطر وضمان حقوق الروس بحيث يكون لهم وضع خاص في الأقاليم المحاذية للحدود الروسية وكاد ممثلو أوكرانيا في المفاوضات بتركيا أن يوقعوا هذه الاتفاقية لإنهاء الحرب والمأساة إلا أن تدخل كل من الويات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى في اللحظات الأخيرة أفشل ذلك كما أسلفنا هذه الاتفاقية التي كانت من الممكن أن تنهي الحرب منذ أكثر من سنة ونصف.
إن هذه الحرب الأوكرانية ضد روسيا الاتحادية هي حرب بالوكالة لصالح الغرب أما تصريحات ماكرون ما هي إلا صدى لهذا التورط الغربي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك