صدرت رؤية 2030 في 2008 وحددت الغاية وعددا من التحديات والأهداف على مختلف المستويات والمجالات. والآن بعد أكثر من 15 سنة، وشروع البحرين في وضع رؤية جديدة من المفيد أن نبدأ بتحليل الوضع الحالي وبيان التحديات والمعوقات والفرص التي أمامنا في تحقيق تطلعات الدولة والمجتمع والمواطن. وأن نقيم ماذا تحقق وأسباب تأخر تحقيق أي من التطلعات التي وضعتها رؤية 2030 للاقتصاد والمجتمع. مثل هذه البداية سوف تفيد في خلق قاعدة انطلاق واضحة ومحددة تبني على ما تحقق.
بدأت رؤية 2030 بتوصيف الوضع العام الاقتصادي والاجتماعي وبينت أن هناك حاجة ملحة إلى مشروع من الإصلاح يشمل أكثر من جانب، وتقتضي الظروف ضرورة الإسراع في إجراء الإصلاحات لكي تواصل البحرين مسيرة التقدم.
تضع رؤية 2030 غاية أساسية وهي خلق «مجتمع مزدهر وعادل ومتكاتف» وهذه غاية سامية تتطلب منا تحديد ماذا نعني بالازدهار والعدالة وإلى أي حد تحقق التكاتف في المجتمع، وأن نضع للثلاث قيم المعالم التي يمكن أن نتابعها ونطورها. كذلك نحتاج إلى تبيان أي عقبات أثرت سلبا في تحقيقها وأين كانت المعوقات وما التحديات وكيف سنتعامل معها في المستقبل، خصوصا وأن أمامنا فرصة لإكمال المشوار في رؤية 2050.
شملت رؤية 2030 ثلاثة مجالات هي الحاجة إلى إصلاحات متكاملة، وضع رؤية اقتصادية متسقة معها، وتعريف الطموحات والأهداف والإجراءات. حددت الرؤية ثلاثة مستويات للإصلاح أولها الطموحات على المستوى الاقتصادي وثانيا الطموحات على مستوى الدولة وثالثا الطموحات على مستوى المجتمع. في هذا المقال سوف نتناول الطموحات الاقتصادية وكيف تعاملت الرؤية معها.
كما بيَّنا فإن الغاية من الرؤية خلق «مجتمع مزدهر عادل ومتكاتف»، وبالتالي فإن الطموحات الاقتصادية ينبغي أن تسهم في تحقيق هذه الغاية، وينبغي بيان العلاقة والترابط بين الغاية والأهداف والمبادرات التي وضعت لتحقيق الطموحات والنتائج. وثانيا فإن الهدف الاقتصادي للرؤية هو رفع مستوى الدخل إلى الضعف. يتحقق من خلال سياسات أو مسارات عامة تتلخص في: أولا: دفع عجلة النمو الاقتصادي بزيادة إنتاجية القطاع الخاص؛ ثانيا: جعل البحريني الخيار الأمثل للعمل في الشركات ذات القيمة المضافة العالية؛ ثالثا: أن يبتعد القطاع الخاص عن الاعتماد على العمالة الأجنبية لتحقيق التنافسية؛ رابعا: أن يوفر القطاع الخاص فرص عمل مجزية للمواطنين وألا يعتمد على العمالة الأجنبية ذات الكلفة المنخفضة كأساس لقدرته التنافسية؛ خامسا: أن يعمل القطاع الخاص على إيجاد فرص عمل منتجة ذات أجور مجزية للمواطنين؛ سادسا: أن يكون القطاع المالي معيارا للقطاعات الأخرى من حيث توفير فرص العمل المجزية للمواطنين. لكل من هذه السياسات لا بد أن توضع مستهدفات ومبادرات تحققها، ومؤشرات لتقييمها.
الأسئلة التي تبرز من هذه الأهداف هي هل تمكن القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد؟ وماذا كانت إنتاجيته في 2008 وإلى أين وصلت اليوم؟ وكيف تابعنا تطور هذه الإنتاجية؟ السؤال الثاني هل أصبح البحريني الخيار الأفضل للعمل في الشركات؟ وكيف نقيم ذلك ونتابعه؟ وهل الواقع يدعم ذلك؟ ثالثا إلى أي حد تمكن القطاع الخاص من الابتعاد عن الاعتماد على العمالة الأجنبية؟ ماذا كان مستوى اعتماده في 2008 وما هو الآن؟
حددت الرؤية أهم التحديات وهي أن النموذج الاقتصادي الحالي لا يتلاءم مع متطلبات التنمية الاقتصادية المنشودة ولا يتناسب مع السياسات العامة والتطلعات، والتحدي الثاني هو «عدم قدرة التعليم على تزويد الشباب بالمهارات والمعارف المناسبة». بالنسبة إلى التحدي الأول رأت الدولة أن الحل في جعل القطاع الخاص هو المحرك للاقتصاد، ماذا يعني ذلك؟ وما الدلائل التاريخية في البحرين التي تدعم هذه الخلاصة وما العلاقة المنطقية بين التحدي والحل؟ هل هو تأثر بالفكر النيو ليبرالي أم نتيجة تحليل دقيق للوضع. أيا كان السبب فإن النتيجة بعد 15 سنة لا تدعم هذه العلاقة. فما زال القطاع الخاص غير قادر على القيادة ولم يؤسس مشاريع كبيرة تستقطب العاطلين ولم يتخلص من العمالة الرخيصة الوافدة ولم يستخدم التكنولوجيات لرفع الإنتاجية. والقطاع الخاص ما زال يحتاج إلى أن تأخذ الدولة مبادرات في إنشاء صناعات ومشاريع كبيرة (غير عقارية) تخلق فرص عمل وفرصا للشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال في التشبيك معها. النتيجة مازال الاقتصاد أقل من الطموحات في إيجاد فرص عمل مجزية للبحرينيين، ولم يصل البحريني في بعض المجالات إلى أن يكون الخيار الأفضل.
بالنظر إلى الدول التي تقدمت في القرن العشرين نجد أن معظمها أخذت السلطات دورا قياديا من خلال سياسات صناعية نحو التصدير ودعم مادي من البنوك مشروط بالتصدير (كوريا وتايوان وسنغافورة) وبدائل الواردات (البرازيل). هذا يجعل المراقبين يشيرون إلى أن التوجه الأيديولوجي نحو الفكر الليبرالي كعقيدة اقتصادية قد لا تكون مناسبة لدول مثل البحرين، وثقافة تجارية متأصلة تختلف فيها طبيعة المخاطرة. لذلك فإن التحدي الأول (النموذج الاقتصادي) يحتاج إلى إعادة صياغة ليعكس الواقع على الأرض والظروف التي تمر بها البلاد وأن يدرس إمكانية التشابك مع الاقتصادات الخليجية والعربية وخصوصا السعودية والإمارات. هنا نحتاج إلى وضع خيارات وبدائل تستغل ميزة تنافسية تتكامل مع النموذج السعودي والإماراتي.
بالنسبة إلى التعليم كتحد آخر فقد وضعت الدولة خططا ومشاريع وبرامج غير أننا بحاجة إلى المزيد من الخطوات للتمكن من تزويد الشباب بالمهارات والمعارف. وقد نحتاج إلى مراجعة خطط واستراتيجيات التعليم التي صدرت منذ 2009.
مع تقدم الوقت برز تحد آخر لرؤية 2050 يتمثل في الزيادة في عدد السكان مما وضع تحديات أكبر لتوفير فرص العمل وتحسين الأجور والخدمات والبنى التحتية بما يتناسب مع أوضاع الميزانية العامة. أسهم ذلك في ضرورة التعامل مع تحد رابع وهو العمل على تقليص الدين العام ومعالجة أية عجوزات في الميزانية العامة متأثرا بعوامل منها الزيادة السكانية والزيادة في الإنفاق على الخدمات المختلفة مما فرض سياسة التعادل المالي.
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك