يوافق يوم الثامن من مارس الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وبهذه المناسبة قالت مارسي غروسمان، من المجلس الأطلسي، إن الوقت مُناسب الآن للتفكير في وضع المرأة بالشرق الأوسط، وفيما أحرز من تقدم، والإقرار بالتحديات التي لا تزال قائمة؛ لخلق عالم أكثر إنصافا. وقيّم بول سالم، من معهد الشرق الأوسط، عملية تمكينها وتحريرها، باعتبارها تحولًا رئيسيًا في العصر الحديث، ورأى أن احتمال مضاعفة المدخلات في النمو الاقتصادي، والنهوض بسكان المنطقة المتعلمين، وجلب تجارب ورؤى جديدة لتشكيل وجهات النظر الاجتماعية والثقافية والسياسية، يعني أن المستقبل سيتمحور حول المرأة، وتعزيز أدوارها محليًا، وإقليميًا، ودوليًا.
وفي العقود الأخيرة، تزايدت أهمية النهوض بحقوق المرأة في دول الخليج، حيث أصبحت هذه الجهود رائدة، وخاصة مع تنفيذ العديد من الإصلاحات والتطورات بشكل واضح. وفي هذا السياق، أشارت مريم زادة، من مركز ستيمسون، إلى أن المدافعين عن تعزيز حقوقها في الشرق الأوسط يمكنهم الآن الاستناد إلى التقدم المحقق في دول الخليج لتحقيق أهدافهم الخاصة بالكرامة والاستقلال.
ومن خلال تقييم حقوقها وفرصها في عديد من البلدان عبر مقاييس؛ مثل (معرفة القراءة والكتابة، والتعليم، وفرص العمل، وأدوارها داخل المجتمع المدني، وحقوق الأسرة)؛ أشارت زادة، إلى أن الإمارات، نجحت في النهوض بالوضع الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، للمرأة، مع ارتفاع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، وزيادة عدد خريجات الجامعات، وتعزيز تمثيلها في القوى العاملة الوطنية، ودورها المتنامي في المجتمعات المدنية، فيما أبرزت الإصلاحات القانونية التي تهدف إلى ضمان حقوق النساء وأسرهن بشكل خاص، كإنجازات ملموسة. وكجزء من تحول واضح في المواقف المجتمعية، تجاه دورها في الشرق الأوسط، أشادت بكيفية التغير البارز، الجاري في دول الخليج عامة، بما في ذلك السعودية، حيث تم الاعتراف بالنهوض بحقوقها وأدوارها داخل المجتمع المدني، باعتباره جزءا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030.
وفي مجال تعزيز معرفة القراءة والكتابة، حققت الدول الخليجية تقدمًا ملحوظًا. ومن بين 773 مليون شخص أمّيّ حول العالم وثقتهم اليونسكو؛ تُقدر المؤسسة العالمية لمحو الأمية، أن ما يصل إلى 496 مليون شخص من هذا العدد نساء، فيما أوضحت أيضا أن تأثير هذه الأمية على المدى الطويل ملحوظ، حيث تتقاضى النساء اللاتي أكملن التعليم الثانوي في المتوسط ضعف ما تحصل عليه اللاتي لم يحصلن على أي تعليم على الإطلاق، وأن من لديهن هذه المهارات بشكل محدود أو غير موجودة، يقتصر عملهن في كثير من الأحيان على رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، والتي غالبا ما تكون غير مدفوعة الأجر أو ذات أجور منخفضة.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سجلت الجمعية الألمانية لتعليم الكبار، ارتفاع معدل معرفة القراءة والكتابة بنسبة 1% تقريبًا كل عام. ووفقا لـ«البنك الدولي»، يبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة بين الإناث في المنطقة 73.9%، أي أقل بنسبة 12.4% عن هذا المعدل بين الذكور والبالغ 86.3%؛ وكلاهما أقل من المتوسط العالمي المقدر بـ83.8% للنساء، و90.3% للرجال.
ومع ذلك، فإن دول الخليج تأتي في الصدارة إقليميا في هذا الصدد. ووفقًا لـمعهد التوظيف الأمريكي، يبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة في الإمارات 98.13%، وتصل نسبته بين الإناث 95.8%. وفي السعودية -التي انخفض معدل الأمية من 60% عام 1972، إلى أقل من 4% في 2021- تُظهر بيانات اليونسكو، أن بمقدور أكثر من 93% من النساء الآن معرفة القراءة والكتابة. وذكرت زادة، أن معدلات معرفة القراءة والكتابة في البحرين وقطر بين الإناث تبلغ حاليًا 93.5%.
ومن المعلوم أن الحصول على التعليم أمر ضروري لتحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة، فضلا عن تحسين حياة المرأة وآفاقها المهنية. ووثقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسف، أن 129 مليون فتاة محرومة من التعليم في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم أن البنك الدولي، أوضح عام 2022، أن عدد الفتيات اللاتي يحصلن على التعليم الثانوي (74.4%)، سيتجاوز عدد الفتيان (72.5%) بالشرق الأوسط، إلا أن هذا الرقم لا يزال أقل من المتوسط العالمي البالغ (77%) للفتيات.
وفي منطقة الخليج يعتبر التفوق الأكاديمي العالي للنساء جديرا بالملاحظة. وأشارت زادة، إلى أن أكثر من 70% من خريجي الجامعات في الإمارات، من النساء، مع نسبة 61% من هؤلاء الخريجات في تخصصات العلوم والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، فضلا عن ارتفاع نسبة التحاق الإناث بالتعليم العالي إلى أكثر من 50% في عُمان عام 2020. وعلى وجه الخصوص، أشارت إلى تعيين د. راوية البوسعيدي، كأول وزيرة للتعليم العالي في السلطنة. فيما يجسد هذا الإنجاز أيضا ما نشير وهو أنه في البحرين بلغت نسبة الطالبات الجامعيات 65%، وارتفعت نسبة العميدات إلى 35%، ورئيسات الأقسام 55%، وبلغت نسبة النساء من إجمالي العاملين في المناصب القيادية في التعليم العالي 47%.
ومع ذلك، فإن التعليم وحده لا يكفي لإطلاق العنان لإمكانات المرأة وقدراتها، فإزالة الحواجز، مثل القيود القانونية والتمييز والأعراف المجتمعية، ضرورية أيضًا للنهوض بقدراتها ونمو أدوارها في الاقتصادات الوطنية لبلادها. ومن المسلم به أن مثل هذه التغييرات الجوهرية قد حدثت داخل دول الخليج. ففي حين أن أقل من 20% من النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشاركن بشكل نشط في القوى العاملة (مقارنة بنسبة مشاركة أكثر من 70% للرجال)، فقد رأت زادة، أن هذا الرقم يصل نسبيا إلى 46% في القوى العاملة بالإمارات، وأكثر من 58% في قطر.
من جانبه، أشار البنك الدولي، إلى أن 44.1% من النساء في البحرين يشاركن في القوى العاملة، مقارنة بأقل من 30% عام 1990. أما بالنسبة إلى السعودية، فقد أشارت زادة، إلى اقترابها من تحقيق النسبة المنشودة لمشاركة المرأة بالقوى العاملة الوطنية، والبالغة 30%، وفق رؤية 2030، لاسيما مع تولي النساء أدوارًا مهمة في القطاعات المالية، والتعليم، والقوات المسلحة.
وبالنظر إلى الإجراءات التي اتخذتها الرياض، إزاء حظر التمييز بين الجنسين في أماكن العمل، وتجريم التحرش الجنسي، وإنهاء ممارسات التوظيف المجحفة والتمييزية؛ رأت بريت جرونيماير، من المجلس الأطلسي، أن الدول الأخرى في المنطقة يجب أن تنفذ أساليب كسر كل القيود والعقبات، حتى يتسنى للمرأة أن تتمتع بفرصة المشاركة بحرية في مختلف قطاعات العمل دون استثناء .
وفي دول الخليج، تعمل معظم النساء في قطاع الخدمات، حوالي 78% في الإمارات، و80% في قطر، و75% في السعودية وعُمان، و79% في البحرين. وعلى النقيض من ذلك، يعمل ما يقرب من 20% من النساء في قطاع الصناعة، وأقل من 5% في الزراعة.
وفي إشارة إلى الشخصيات البارزة التي ساهمت في تقدم المرأة في مجالات التوظيف المختلفة، أشادت زادة، بتولي لبنى العليان، كأول امرأة سعودية تقود بنكًا وطنيًا، وبـسارة السحيمي، كأول امرأة تترأس مجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية تداول. وبالمثل، يعمل 46% من النساء في سلطنة عُمان، بقطاعات العمل المختلفة، وأشارت زادة، إلى كيف كسرت عائشة الخروصي، الصور النمطية لعمل المرأة، عندما أصبحت رئيسة تنفيذية لجهاز الاستثمار العُماني، وتولت الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة، رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006، وانتخاب فوزية زينل لرئاسة مجلس النواب البحريني خلال الفصل التشريعي الخامس (2018-2022).
ومن المسلم به أيضًا أن المرأة قامت بدور أكثر نشاطًا في المجتمع المدني، حيث عززت منظمات المجتمع المدني، حقوقها التعليمية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، خاصة تلك المعنية بقضاياها. وعلى وجه الخصوص، برزت جمعية المرأة العمانية، وجمعية الحماية والدفاع عن حقوق المرأة السعودية، وجمعية المرأة القطرية، ولجنة رياضة المرأة القطرية، وجمعية رعاية الطفولة والأمومة البحرينية؛ وذلك من بين العديد من المنظمات الأخرى التي تواصل تعزيز فرص تمكين المرأة في الخليج. وفي المجال السياسي، أشادت زادة، بحصول الإمارات، على أعلى معدل مشاركة برلمانية في العالم العربي، حيث تشغل النساء نصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، كما شهدت الانتخابات البحرينية لعام 2022، رقما قياسيا، حيث ترشحت 73 امرأة لخوض انتخابات مجلس النواب، وفازت 8 نساء بمقاعد برلمانية.
وفي حين أشارت زادة إلى أن مؤسسة دبي للمرأة ومجلس سيدات الأعمال في أبوظبي، تُعَدَّان منصَّتَين تُمَكِّنَان النساء من التأثير على توجُّهات السياسات والمواقف المجتمعية في الإمارات؛ فلابد من أن نشير هنا إلى الدور الذي قام به المجلس الأعلى للمرأة في البحرين في تمكين المرأة، سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا منذ تأسيسه عام 2001. فيما يُعد تعيين الدكتورة حصة الجابر في منصب وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات القطرية السابقة دليلا واضحا على تقدمها في المجالات التي هيمن عليها الرجال بشكل تقليدي.
وفيما يتعلق بتقدم حقوق المرأة الأسرية، تم الاعتراف بالإصلاحات المهمة التي اتخذتها دول الخليج بالسنوات الأخيرة. وعلى وجه الخصوص، تمت الإشارة إلى الإصلاحات القانونية التي عززت حقوق المرأة في قضايا الطلاق، وحضانة الأطفال، والاستقلال المالي، لاسيما قانون الأحوال الشخصية، في الإمارات، وقانون الأسرة، في البحرين، وتخفيف الإجراءات في السعودية، بما في ذلك تلك المفروضة على رحلات السفر الدولية، وتعديل القوانين لضمان عمليات تنفيذ أحكام طلاق وحضانة أكثر عدالة، فضلا عن تنفيذ العديد من التغييرات في قوانين الوضع العائلي والميراث في قطر.
وعلى الرغم من أن حقوق المرأة وفرص تمكينها تتوسع بسرعة في الخليج، إلا أن زادة، أكدت أنه في العديد من بلدان المنطقة -كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم- يظل الرجال النسبة الأكبر، كما أن قبول تطور أدوارها ليس إجراء موحدا في جميع طبقات المجتمع بالمنطقة.
على العموم، يوجد تأكيد بين الأكاديميين الغربيين والمتخصصين في شؤون المرأة في دول الخليج، على تحسين حقوقها، وتعزيز فرص تمكينها، حيث برزت هذه الدول كدول رائدة في هذا المجال، بعد أن خلقت بالفعل بيئة تقدمية للنساء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك