مضى على الحرب الروسية الأوكرانية التي تطلق عليها روسيا الاتحادية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ثلاث سنوات من دون أفق تقريبا حيث دخلت فيما يمكن أن نسميه الخنادق التي عاشتها البشرية في الحربين العالمية الأولى والعالمية الثانية تضطر فيها الجيوش إلى الاختفاء المتبادل على الحدود أو في مناطق التماس دون تقدم يذكر وحشد مئات الآلاف من جنود وضباط في هذه الظروف الجوية القاسية حيث تتعرض فيها الجيوش إلى تدمير جسدي ونفسي غير مسبوق.
كان يفترض في البداية أن تنتهي هذه العملية العسكرية الخاصة خلال أسابيع قليلة أو خلال أشهر على أقصى تقدير وذلك من خلال التوقع بأن الأوكرانيين سوف يستسلمون بسرعة ويتغير النظام السياسي المتطرف في كييف ويأتي نظام أكثر اعتدالا يقبل المصالحة مع روسيا الاتحادية والوصول إلى اتفاق متوافق يضمن الاستقرار والأمن للجميع وقد كان ذلك على وشك الحدوث خلال المفاوضات المباشرة بين الوفدين الروسي والأوكراني لولا تدخل الغرب وبوجه خاص الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى اللتين شجعتا الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينيسكي على الاستمرار في الحرب وعدم التوقيع على اتفاقية السلام التي تضمنت وقتها حلولا توافقية واتفق عليها الطرفان وكان من شأنها أن تنهي هذه الحرب وأن يعيش الروس والأوكرانيون أخوة متجاورين ومتحابين كما كانوا ومن يومها أصبحت الحرب مشتعلة بصورة أكبر وشارك فيها بشكل مباشر وغير مباشر حلف شمال الأطلسي الذي زود نظام كييف بأكثر من 60 مليار دولار إلى الآن وبأحدث الأسلحة الثقيلة التي كلفت المليارات من الدولارات وأمدوا أوكرانيا بالخبراء والمستشارين العسكريين وبالصواريخ وبالمنصات المضادة للطائرات وبالطائرات والمسيرات وغيرها وكانوا يتوقعون أن هذه المساعدات سوف تقلب المعادلة وسوف يؤدي إلى هزيمة موسكو ولكن الذي حدث على أرض الواقع مختلف تماما عن توقعاتهم وحساباتهم وذلك لثلاثة أسباب:
أولا: إن روسيا الاتحادية قد أعدت لهم مفاجآت لم يتوقعوها على الإطلاق على الصعيد العسكري حيث لم تنجح جميع الأسلحة الغربية المتطورة في إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي الذي استطاع أن ينشر تحصيناته الضخمة على طول خط المواجهة بين الجيشين مما أدى في النهاية إلى فشل الهجوم المضاد الأوكراني المدعوم من دول حلف الناتو فشلا ذريعا وأدى إلى خسائر هائلة ورهيبة خاصة في الجانب الأوكراني والتي وصلت إلى أكثر من 225 ألف قتيل خلال عام 2023 فقط بحسب تقديرات وزير الدفاع الروسي إضافة إلى الخسائر السابقة في عامي 2021 و 2022 والتي تجاوزت 300 ألف قتيل مما أضطر القيادة الأوكرانية إلى دعوة الإناث للذهاب إلى الجبهة كما إن الخسائر المادية في البنية التحتية هائلة وخطيرة وأدت إلى شلل صناعي كبير في مختلف أنحاء أوكرانيا والتي كانت تعد من الدول الغنية والمتقدمة تكنولوجيا وصناعيا وزراعيا أصبحت اليوم على شفى الإفلاس وتعطلت فيها مختلف أوجه الحياة.
ثانيا: إن الحرب الاقتصادية والمالية والتكنولوجية على روسيا الاتحادية قد فشلت أيضا فشلا ذريعا بل أدت إلى نتائج عكسية تماما حيث استفادت روسيا من هذا الحصار غير المسبوق بتطوير إمكانياتها الذاتية على الصعيد المالي والصناعي والتقني وباتت من الدول ذات السبق والتقدم في مجال الأسلحة الفوق صوتية والأسلحة بكل أشكالها وأنواعها مما أسهم أيضا في هزيمة أوكرانيا والغرب معا خاصة وإنهم كانوا يعولون أن تؤثر الحصارات الظالمة المختلفة على أداء روسيا في الميدان العسكري.
ثالثا: لقد كان الإصرار الأوكراني المدعوم من دول الناتو وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية على عدم إيقاف الحرب وتأكيد ضرورة النصر على روسيا الاتحادية كشعار مرفوع على أساس أن شجاعة الأوكرانيين وعزيمتهم على الانتصار سيكون العنصر الأساسي في هذه المواجهة ولكن تبين خلال المعركة أن هذا الهدف بعيد المنال تماما فالروس حققوا اختراقات غير متوقعة على جميع المستويات المالية والاقتصادية والعسكرية مما أدى إلى فشل الصمود الأوكراني في مواجهة هذه القوة الجبارة كما أن الدعم الغربي اللامحدود لأوكرانيا قد كان إهدارا للمال والوقت والجهد ولذلك فإن النتائج على الأرض قد برهنت بأن الأفق الوحيد لنهاية هذه الحرب هو أفق السلام والوصول إلى اتفاق سلمي ينهي هذه الحرب الطويلة المستمرة منذ ثلاث سنوات لأن إطالة هذه الحرب في نهاية المطاف لا يخدم أحدا فروسيا بمساحتها الضخمة وبقاعدتها الصناعية النووية وكوادرها البشرية المؤهلة وبقيادتها السياسية القوية والقادرة على التصدي للغرب لا يمكن هزيمتها كما اتضح جليا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك