العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحرب الروسية الأوكرانية بلا أفق

بقلم: د. نبيل العسومي

الاثنين ١٨ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

مضى‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬عليها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أفق‭ ‬تقريبا‭ ‬حيث‭ ‬دخلت‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬الخنادق‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬الحربين‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والعالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تضطر‭ ‬فيها‭ ‬الجيوش‭ ‬إلى‭ ‬الاختفاء‭ ‬المتبادل‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬التماس‭ ‬دون‭ ‬تقدم‭ ‬يذكر‭ ‬وحشد‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬وضباط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الجوية‭ ‬القاسية‭ ‬حيث‭ ‬تتعرض‭ ‬فيها‭ ‬الجيوش‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬جسدي‭ ‬ونفسي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

كان‭ ‬يفترض‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬خلال‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬أو‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوقع‭ ‬بأن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬سوف‭ ‬يستسلمون‭ ‬بسرعة‭ ‬ويتغير‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬ويأتي‭ ‬نظام‭ ‬أكثر‭ ‬اعتدالا‭ ‬يقبل‭ ‬المصالحة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬متوافق‭ ‬يضمن‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬للجميع‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الحدوث‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬المباشرة‭ ‬بين‭ ‬الوفدين‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬لولا‭ ‬تدخل‭ ‬الغرب‭ ‬وبوجه‭ ‬خاص‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬اللتين‭ ‬شجعتا‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زلينيسكي‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وعدم‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬تضمنت‭ ‬وقتها‭ ‬حلولا‭ ‬توافقية‭ ‬واتفق‭ ‬عليها‭ ‬الطرفان‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وأن‭ ‬يعيش‭ ‬الروس‭ ‬والأوكرانيون‭ ‬أخوة‭ ‬متجاورين‭ ‬ومتحابين‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬ومن‭ ‬يومها‭ ‬أصبحت‭ ‬الحرب‭ ‬مشتعلة‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬وشارك‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وغير‭ ‬مباشر‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذي‭ ‬زود‭ ‬نظام‭ ‬كييف‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬وبأحدث‭ ‬الأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬كلفت‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬وأمدوا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالخبراء‭ ‬والمستشارين‭ ‬العسكريين‭ ‬وبالصواريخ‭ ‬وبالمنصات‭ ‬المضادة‭ ‬للطائرات‭ ‬وبالطائرات‭ ‬والمسيرات‭ ‬وغيرها‭ ‬وكانوا‭ ‬يتوقعون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭ ‬سوف‭ ‬تقلب‭ ‬المعادلة‭ ‬وسوف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬هزيمة‭ ‬موسكو‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬توقعاتهم‭ ‬وحساباتهم‭ ‬وذلك‭ ‬لثلاثة‭ ‬أسباب‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قد‭ ‬أعدت‭ ‬لهم‭ ‬مفاجآت‭ ‬لم‭ ‬يتوقعوها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬جميع‭ ‬الأسلحة‭ ‬الغربية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بالجيش‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬تحصيناته‭ ‬الضخمة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬الجيشين‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الأوكراني‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬هائلة‭ ‬ورهيبة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأوكراني‭ ‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬225‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬فقط‭ ‬بحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الخسائر‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬2021‭ ‬و‭ ‬2022‭ ‬والتي‭ ‬تجاوزت‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭ ‬مما‭ ‬أضطر‭ ‬القيادة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬إلى‭ ‬دعوة‭ ‬الإناث‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الجبهة‭ ‬كما‭ ‬إن‭ ‬الخسائر‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬هائلة‭ ‬وخطيرة‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬شلل‭ ‬صناعي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغنية‭ ‬والمتقدمة‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬وصناعيا‭ ‬وزراعيا‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬شفى‭ ‬الإفلاس‭ ‬وتعطلت‭ ‬فيها‭ ‬مختلف‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قد‭ ‬فشلت‭ ‬أيضا‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬بل‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬تماما‭ ‬حيث‭ ‬استفادت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحصار‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬بتطوير‭ ‬إمكانياتها‭ ‬الذاتية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬المالي‭ ‬والصناعي‭ ‬والتقني‭ ‬وباتت‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬السبق‭ ‬والتقدم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفوق‭ ‬صوتية‭ ‬والأسلحة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬وأنواعها‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬هزيمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والغرب‭ ‬معا‭ ‬خاصة‭ ‬وإنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعولون‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬الحصارات‭ ‬الظالمة‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬العسكري‭.‬

ثالثا‭: ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الإصرار‭ ‬الأوكراني‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬وتأكيد‭ ‬ضرورة‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬كشعار‭ ‬مرفوع‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬شجاعة‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬وعزيمتهم‭ ‬على‭ ‬الانتصار‭ ‬سيكون‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬ولكن‭ ‬تبين‭ ‬خلال‭ ‬المعركة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭ ‬تماما‭ ‬فالروس‭ ‬حققوا‭ ‬اختراقات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬الصمود‭ ‬الأوكراني‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الجبارة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬اللامحدود‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬كان‭ ‬إهدارا‭ ‬للمال‭ ‬والوقت‭ ‬والجهد‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬النتائج‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬قد‭ ‬برهنت‭ ‬بأن‭ ‬الأفق‭ ‬الوحيد‭ ‬لنهاية‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هو‭ ‬أفق‭ ‬السلام‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬سلمي‭ ‬ينهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الطويلة‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬لأن‭ ‬إطالة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬أحدا‭ ‬فروسيا‭ ‬بمساحتها‭ ‬الضخمة‭ ‬وبقاعدتها‭ ‬الصناعية‭ ‬النووية‭ ‬وكوادرها‭ ‬البشرية‭ ‬المؤهلة‭ ‬وبقيادتها‭ ‬السياسية‭ ‬القوية‭ ‬والقادرة‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬للغرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬هزيمتها‭ ‬كما‭ ‬اتضح‭ ‬جليا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا