يمكن تعريف الأصل الرقميّ بأنّه تمثيل رقميّ لقيمة أو حقّ يمكن نقله، أو تخزينه إلكترونيًا، باستخدام تقنية دفاتر الحسابات الموزّعة أو تقنية مماثلة. وتعدّ الأصول الرقميّة ابتكارًا رقميًا يمكن أن يبسّط عمليات جمع رؤوس الأموال، ويعزّز المنافسة، ويولّد وسيلة مبتكرة وشاملة لتمويل العملاء والشركات الصغيرة والمتوسّطة. كما يمكن أيضًا استخدام العملات الرقميّة المشفرة وهي إحدى أصناف هذه الأصول بوصفها وسيلة للدفع؛ حيث تتيح فرصًا لسداد المدفوعات بتكلفة أرخص، وطريقة أسرع، وكفاءة أكبر، على أساس عابر للحدود، من خلال تقليل عدد الوسطاء.
وبعد تعريف الأصول الرقميّة، فإنّه من الممكن تأصيلها بناء على المعايير والمبادئ المتوافقة مع الشريعة الإسلاميّة، وذلك استنادًا إلى القاعدة الفقهيّة «الحكم على الشيء فرع عن تصوّره».
وتحاول هذه المقالة تسليط الضوء على الأنواع المختلفة للأصول الرقميّة المشفّرة من خلال تصنيفها وفقًا لعدد من المعايير التي قد تؤثّر في الحكم الشرعيّ، ومن ثمّ بيان التأصيل الشرعيّ بصورة مختصرة.
ومن هنا يمكن القول إنّ حكم الأصول المشفّرة يعتمد في الشريعة الإسلاميّة على ماهية القيمة التي تمثّلها هذه الأصول الرقميّة التي تصنّف إلى عدّة أنواع:
النوع الأوّل من هذه الأصول الرقميّة هو «العملات الرقميّة» أو «الرموز الدّفعيّة»، ويُطلق عليها أيضًا اسم العملات الرقميّة أو الافتراضيّة. وقد تمّ تصميمها خصيصًا للاستخدام كوسيلة للتبادل، حيث تيسّر نظام دفع نقديّ من نظير إلى نظير. وتُعدّ العملات المشفرّة المدعومة بالاحتياطيّ أو القائمة على الخوارزميّة، والرموز المدعومة بالذهب أو الفضة من هذه الفئة.
ومن الضروريّ مراقبة عمليّة إصدار العملات الرقميّة والغطاء الاقتصاديّ لها حتّى تكون نقودًا من وجهة النظر الشرعية.
والنوع الثاني هو الرموز الخدميّة التي تقدّم الوصول إلى فوائد أو تخفيضات أو خدمات على منصّة بلوكشين. ويجب الالتزام بالمبادئ والأحكام للرموز الخدميّة المتوافقة مع الشريعة. وعليه؛ فإنّ شراء الرموز الخدميّة مقابل النقود الورقيّة المعتادة يمثّل عمليّة بيع خدمة، وهي عمليّة مشروعة في حال الالتزام بالشروط الشرعيّة للبيع، وذلك لأنّ الرموز (Tokens) هنا إنّما هي وثيقة إلكترونيّة لإثبات حقّ المشتري في الحصول على المنفعة لاحقًا.
النوع الثالث: الأوراق الماليّة المرمّزة (المشفّرة). وهي الرموز القائمة على حقوق ملكيّة محدّدة لأصحابها في عمل تجاريّ أو مشروعٍ استثماريّ. ويتوقّع حاملو الرموز المدعومة بحقوق الملكيّة الحصول على أرباح نتيجة استثمارهم في هذه الأوراق الماليّة المرمّزة (المشفّرة). ويمكن تقسيم الأوراق المالية المرمّزة وفقًا لمنظور الشريعة، إلى ثلاث فئات رئيسة:
أولاها: الرموز المدعومة بأصول غير الذهب والفضّة والعملات الورقيّة. وتندرج تحتها الرموز المدعومة بالسلع والرموز المدعومة بالاستثمارات العقاريّة. ومثل هذه الرموز مقبولة في الشريعة إن كانت الأصول الأساسية التي تقوم عليها هذه الرموز والعقود متوافقة مع أحكام الشريعة.
والثانية هي الرموز التي تمثّل حقوق ملكيّة شائعة في شركة. وهي تشبه الأسهم من حيث جوهرها. ويجب أن تتبع هذه الرموز معايير الأسهم أو الأسهم المتوافقة مع الشريعة بناء على المعيار الشرعيّ رقم 21 (الأوراق المالية).
والثالثة هي رموز الأصول الاستثماريّة، التي تمثل القروض على أساس الفائدة. وتشبه الى حدٍّ بعيدٍ السندات التقليديّة المعتادة، ولا تتوافر فيها -بناءً على المعيار الشرعيّ 21- المعايير المتوافقة مع الشريعة. ومع ذلك، فإن كانت مثل هذه الرموز مدعومة بأسهم متوافقة مع الشريعة، كوحدات الصناديق الإسلاميّة والصكوك، فإنّه يمكن القول بأنّها متوافقة مع الشريعة إذا تمّ طرحها بناء على المعيار الشرعيّ رقم 17 (صكوك الاستثمار).
وأمّا النوع الرّابع من الأصول المشفّرة فهو الرموز الحوكميّة، التي تمنح حاملها حقوق الإدارة والتصويت من خلال منصّة بلوكشين. وينظر في شرعيّة هذه الرموز اعتمادًا على ما إذا كان نشاطات المشروع أو الشركة (الذي تمثّله هذه الرموز) أو المنصّة متوافقة مع الشريعة. ولا حرج في أن يتمّ إصدار رموز حوكميّة يكون لأصحابها حقّ في التصويت دون الآخرين؛ إذ لا حرج في التفاوت في خصائص الأسهم إن كان من الأمور الإدارية أو الإجرائيّة. جاء في قرار مجمع الفقه الإسلاميّ في الدورة السابعة المنعقدة عام 1412هـ أنّه لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص ماليّة تؤدّي إلى ضمان رأس المال، أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية، أو عند تقسيم الأرباح، ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلّق بالأمور الإجرائيّة أو الإداريّة.
والنوع الخامس من أنواع الأصول المشفّرة هو الرموز غير القابلة للاستبدال، حيثُ تعدّ الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) شكلاً جديدًا من الأصول المشفرّة التي حظيت باهتمامٍ كبيرٍ مؤخّرًا. تكون هذه الرموز فريدة ولا يمكن استبدالها أو تجزئتها أو تبديلها. ونظرًا لهذه الميزات؛ فإنّه يمكن للرموز غير القابلة للاستبدال أن تمثّل أشياء حقيقيّة في العالم الحقيقيّ، كاللوحات الفنيّة، وبعض الحقوق والشهادات، وحتى العقارات. وتُعدّ هذه الرموز متوافقة مع الشريعة مثل الأصول الأخرى إن كانت ماهيتها تمثل منفعة مشروعة.
نخلص ممّا سبق إلى أنّ مصطلح «الأصول المشفّرة أو الرقميّة» يُستخدم للإشارة إلى أصول رقميّة مشفّرة غير متشابهة في التكوين والصفات والمضمون، تختلف الأنواع الحديثة منها كليًّا عن الجيل الأوّل من قبيل البتكوين وغيرها من حيث بنيتها المرنة وتطبيقاتها المتعدّدة. وهي نوازل فقهيّة مستحدثة، ينبغي قياسها على الأصول والأوراق الماليّة التقليديّة المشابهة لها؛ للوصول إلى حكمها الشّرعيّ ووضع إطارٍ عامّ لتكييف فقهيّ لها ونظامٍ حوكميّ ورقابيّ سليم؛ لأنّها تتميّز باللامركزيّة وغالبًا ما تكون خارج نظام الرّقابة الماليّة التقليديّة.
{ محاضر في معهد البحرين للدراسات المالية والمصرفية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك