في الثامن من مارس 2024 ألقى الرئيس الأمريكي «جو بايدن» خطابه أمام الكونجرس المعروف «بحالة الاتحاد»، وبعد التطرق للكثير من القضايا الداخلية والخارجية، أعلن أن الجيش الأمريكي سيقوم بإنشاء ميناء على ساحل غزة هدفه تلقي المساعدات الإنسانية لتوزيعها على السكان الذين يعانون من انعدام الغذاء والماء والدواء وكل مستلزمات الحياة الآدمية!
والراشح من المعلومات أن هذا الميناء العائم سيبدأ رصيفه من قبرص التي تبعد 370 كم عن ساحل غزة وسيكون ميناء لارنكا القبرصي هو نقطة الانطلاق للسفن المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وستكون مساحة الميناء حوالي 6 كيلو مترات مربعة وستدفع الولايات المتحدة كلفته، وسيشمل مستشفيات عائمة ومطاعم كبيرة ومراكز إيواء مخصصة للطواقم الطبية والأمنية والألف جندي أمريكي المصاحبين للميناء!
وعلينا أن نوضح أن هناك ستة معابر لقطاع غزة مع دولة الكيان يستطيع العالم أن يدخل المساعدات الإنسانية عبرها بما فيها معبر رفح هذا المعبر الذي تخضعه دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد للإغلاق من طرفها ومنع دخول الشاحنات بحجج أمنية واهية لإحكام الحصار على أهلنا في قطاع غزة الباسل لتجويعهم، وإذا تم السماح للشاحنات بالعبور فيكون العدد غير كاف والمساعدات تكون مقننة بشكل كبير، وكل ما يدخل هو عبارة عن قطرة في محيط!
وفي تصريحه عن فكرة الميناء العائم يقول المقرر الأممي المعني بالغذاء إنها فكرة خبيثة، ومنسقة الأمم المتحدة تصرح بأن الجو والبحر ليسا بديلاً عن الأرض، ويجمع الخبراء المنصفون المتابعون لما يجري أن أحد الأهداف المهمة هو إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
وهناك تقدير أن يستغرق إنشاء هذا الميناء العائم عدة شهور، خلال هذه الشهور تمنح دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد فرصة كافية لتجويع سكان قطاع غزة مع إطلاق يد جيش الاحتلال في مواصلة الهجمات الفتاكة بمدينة رفح حيث يتكدس مليون ونصف المليون فلسطيني غزاوي.
في الولايات المتحدة الأمريكية يحتدم السباق الانتخابي ويسعى الرئيس «جو بايدن» لحشد كل طاقات حزبه خلفه بعد أن دلت استطلاعات الرأي على صعوبة عودته مرة أخرى إلى الرئاسة، فربما طرح موضوع الميناء العائم يرمم بعضًا من شعبيته التي فقدها في أوساط الأمريكان العرب والأمريكان الأفارقة ويسار الحزب الديمقراطي وشبابه.
فلسطينيًا لنا تاريخ طويل مع الولايات المتحدة الأمريكية وخداعها، ولنا كل الحق في الشك بأي خطوة تخطوها فهي المهندس واللاعب الأساسي للحرب على غزة وهي الداعم المزود بكل آلة الدمار التي تفتك بأهلنا في القطاع وهي صاحبة الغطاء السياسي لدولة الكيان في كل الهيئات والمحافل الدولية.
وأنا أقتبس هنا ما قاله الناشط الأمريكي البارز جيمس زغبي في مقال نشرته صحيفة «أخبار الخليج» الأسبوع الماضي، لقد فشلنا في الاعتراف بمركزية القضية الفلسطينية، وهيمنا على عملية السلام ومنعنا الآخرين من المشاركة ولم ندرك التأثير الكارثي لسياساتنا على الشرق الأوسط».
دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد من وجهة نظري تود عن طريق هذا الميناء العائم أن تغلق معبر رفح إغلاقًا تامًا بحيث لا يكون هناك تواصل لقطاع غزة مع الشقيقة الكبرى مصر على الإطلاق والسيطرة على محور «فيلادلفيا» تدعم هذا التوجه الاحتلالي.
ويهدف الاحتلال إلى فصل شمال القطاع عن جنوبه وتكريس الاحتلال فترة زمنية طويلة تعد بالسنين وليس بالشهور، وتقليص مساحة القطاع، بقضم شريط شرق القطاع حتى جنوبه وهي عدة كيلومترات داخل القطاع تمتد من الشرق للوسط للجنوب، بهدف إبعاد القطاع عن مستوطنات غلاف غزة، وربما تملأ الكيلومترات المقضومة بالمستوطنين الذين سيحميهم جيش الاحتلال كما يعلن وزير الأمن الداخلي الفاشي العنصري «إيتمار بن غفير».
ويهدف الميناء العائم إلى فك الارتباط بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتعميق الفصل بينهما سياسيًا وجغرافيا وإداريًا وجمركيًا، حتى لا يكون هناك أي أمل بدولة فلسطينية متواصلة قابلة للحياة، وتهدف دولة الكيان الغاصب إلى الانفكاك عن قطاع غزة كليًا مع الوقت بإغلاق كل المعابر الخمسة الأخرى التي تربطها بالقطاع.
وبعد أن أحالت دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد قطاع غزة إلى جحيم انعدمت به كل سبل الحياة الآدمية، هل سيكون هذا الميناء هو بوابة الهجرة الطوعية لقطاعات كبيرة من شعبنا، وهناك مخططات تجري مع دول أجنبية وسفارات أجنبية تعمل على الأرض لهذا الهدف.
ولن نكون مغالين حين نقول إن الولايات المتحدة الأمريكية في سعيها للحصول على الطاقة ودولة الكيان في عملها الدؤوب لتكون الدولة المتفوقة عسكريًا وصناعيًا وأمنيًا وفي مجال الطاقة أيضًا، أن تسيطرا على القطاع لنهب خيراته من غاز طبيعي موجود في باطن بحر غزة بكميات مهولة!
وأخيرًا هناك التنافس الأمريكي مع روسيا والصين، فاحتلال قطاع غزة يضعف ويقلل من أهمية طريق الحرير الصيني لصالح طريق الهند المنافس، بعد كل هذا أهناك شك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد الخير لشعبنا العربي الفلسطيني؟
الولايات المتحدة الأمريكية تدعم دولة الكيان الغاصب ما دامت الشمس تشرق كما يقول كل قادتها وينظرون لنا نحن العرب من منظور دولة الكيان، فمتى نستطيع نحن العرب تجميع قوانا والتعامل مع العالم بمفهوم المصالح؟
{ كاتب فلسطيني مقيم في مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك